وقوفًا على خاطر المدعو شارل جبور رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب القوات، على الناس أن تتجاهل ما يجري على أرض فلسطين وفي جنوب لبنان، وطبعًا أن يغضّوا الطرف عن الدور الأميركي في المنطقة ولا سيّما في قتلنا وفي ارتكاب المجازر، والكفّ عن الإزعاج في عوكر الواقعة في “مناطقهم”، بل الكفّ عن المرور حتى في تلك المناطق.
الأمر ضرورة وطنية، فخاطر شارل جبور مهمّ جدًّا، وينبغي أن نقف جميعًا عند آماله النرجسية وإلّا، فنحن مهدّدون بألّا يعترف بنا كمواطنين. يا للهول! لقد قرّر شارل طردنا من جنّة مواطنيته. هل استمعتم إليه؟ هل رأيتم غضبته وهو يشير إلى أنفه، حيث قال إن الأمور “وصلت إلى هون”؟ الموضوع خطير يا إخوان. شارل غاضب منّا.
حسنًا، ينزلنا الدهر وينزلنا حتى يُقال “ردًّا على شارل جبّور”، ولكن لا بأس، فخطاب الكراهية الذي نطق به دون خجل، هو خطاب يرد في بعض الأذهان المترنّحة بين حقد عتيق وشوفينية مغرقة بالخيبات. والردّ على خطاب الكراهية لا يكون بكلام مماثل، فما يصدر عن الطيّبين لا يتماثل مع الذي عن الخبثاء يصدر. وليس على قاعدة ردّ الكره بالمحبّة، والرّفض بالإلحاح على القبول، بل بعقلانية من يعرف أنّ الناطق وإن حمل “صفة رسمية” يظلّ في خانة الذين بالكاد يمثّلون أنفسهم.
في البداية، لا يريد القوّتجي أن يتظاهر أحد ضد عوكر. وهو في ذلك معذور، فمعلّمه انتظر الصباح بفارغ الصبر كي يتصل بالمشغّلة شيا ويبلغها استنكاره للتظاهر ضد السفارة الأميركية. علمًا أنّه لم يكن بحاجة لقول هذا. أصلًا تعرف دوروثي أنّ أدواتها لا يمتلكون حريّة التفكير أصلًا بالاعتراض على الارتكابات الأميركية.
ولنعتبر أنّ هذا الاعتراض هو واجب يؤديه القوّتجي كي لا يظنّن أحد أنّه، لا سمح الله، يعترض على أداء أميركا والصهاينة. وقد يتنازل العقل كثيرًا ويعتبر أن هذا الاعتراض هو موقف سياسي “مشروع” في ظل التناقضات اللبنانية، ولكن…
١- لا تنحصر مشكلة جبور في التظاهر ضد السفارة الأميركية، فهو تفصيل هامشي أمام الموقع الجغرافي للسفارة. تقع السفارة في “المنطقة” التي يعتبرها جبور منطقتهم. وفي ذلك ما يتخطى استعادة مفردات الحرب الأهلية، ويتعدّى ما سبق ليعلن عن تقسيم، خارطته في خياله وخيال أسياده، ويتعامل معه كواقع مرسّم، وما علينا سوى الامتثال وإلّا…
٢- يقترح جبّور علينا أن نبني مجسّمًا للسفارة ونتظاهر ضدّه، وأن نضع بقربه “الخيام” التي نعيش فيها. وإن كانت المعيشة في الخيام ليست عيبًا بحدّ ذاته، وليسأل في ذلك البخاري الذي يستقبل معلّمه منبطحًا في خيمة، إن افترض العيش في خيمة وصمة. عليه باعتقادي أن يجهّز تبريرًا وافيًا لما ظهر منه من احتقار لسكّان الخيام، كي لا يتعرّض ومعلّمه إلى “التهزيء” من السعودية بلسان سفيرها، أو حتى بلسان ناطور السفارة. لا بأس، وسواء كنّا نعيش في خيام أو في قصور، فيض الشرف من رائحة مساكننا، من أفقرها إلى أكثرها ترفًا، هو أمر يؤرق جبّور، ونعذره.
٣- يستعيد جبّور نغمة “ما بيشبهونا” علمًا أنه مهما تدنّت القدرات الذهنية لدى المرء، يمكنه بالتكرار أن يفهم كم نترفّع عن فكرة التشبّه بمن لا هويّة له سوى الحقد على الشرفاء الأحرار. طبعًا لا نشبهك، ولا تقاطع بين حضورنا الناصع القوي الذي يضع معادلات يخضع لها الغرب – حلمك ومشغّلك – وبين حضورك الذي يفيض عن جوانبه الكثير من الشبهات، والأكثر من الارتكابات المشهودة، ولا سيّما في الحرب المؤرخة في ١٩٧٥ والتي تشير إليها بأنياب تقطر دمًا كأنك تهدّدنا. طيّب، ما دمت تذكر الحرب اسأل أسيادك عن الذي جرى في مشروعهم فيها – حيث كنتم الأدوات الرخيصة- وعمّا جرى عليهم وعلى مشروعهم بعدها، قبل أن تُحرج بتهديد لا تمتلك حتى التلويح به بعد عجزك الواضح وسقوط مشروعك للأبد.
٤- يبني جبّور على “ما بيشبهونا” ويفصّل فيه: لا مظهرنا ولا أشكالنا تعجبه. علينا إذًا بأطباء تجميل يسارعون إلى تعديل وجوهنا بما يتلاءم مع معايير شارل في الجمال، فنحن على حدّ قوله “بشعين”. شرّ البليّة ما يضحك! ما يقصده جبّور ليس فقط أرواحنا المقاتلة الناصعة بوجه الأرواح الخاضعة الموصومة بعار التعامل مع “اسرائيل”، بل يقصد أيضًا مظهرنا، ليس لشيء سوى أنّنا حتى في مظهرنا نقدّم صورة عن هوّيتنا الواضحة والمهذبة والملتزمة والتي تنضح بالإنسانية وبثقافة الحياة. لا يحتمل جبور رؤيتنا، كي لا يدرك بجمالنا الضدّ الذي يتخبّط فيه، فبعض القباحة لا تُدرك سوى برؤية ضدّها.
٥- بناء على كلّ ذلك، قرّر جبور اسقاطنا من نعيم لبنانيّته ومواطنيّته. هو لا يرتضينا أخوة له في الوطن، وهو في ذلك مشكور بصراحة. فالمواطنة لها قانون ومعايير تحكمها، لا يستوي فيها إلا الذين تماثلوا في الهوية والشرف. هل يستوي مثلًا حامل الهوية، بل صانعها، مع المرتزق؟ هل ينافس في الانتماء للأرض من يفدي الكل بدمه مع من يهدّد بسفك دم أتقنه ذات حرب أهلية ويحن إليه؟ أبدًا! هل من يعلن التقسيم مَواطن، ومن يحمي جميع من على هذه الأرض، دون منّة؟
بكل الأحوال، نقاش المواطنية لا محلّ له الآن، ولو أن كلامًا ككلام جبور في هذا الإطار يقع في محلّ التحريض وإثارة النعرات ويستدعي تدخّلًا قانونيًا يضعه في زنزانة تشبه تلك التي عاش فيها، وقد يعود إليها، معلّمه.
طيّب، إلى شارل جبّور، وسائر من نطق بلسان حالهم وخيالاتهم، اذا ابتليتم بالقباحات التي تصدر عنه بين الفينة والأخرى، وعجزتم عن كتمها، فاكتبوها في أوراق قبل النوم ومزّقوها، ولا تحقّروا أنفسكم بالنطق فيها جهارًا كما فعل. فالإناء ينضح بما فيه، وما رأينا من إناء جبّور، لا يتمناه المرء لمبغض ولا لمحبّ!
ليلى عماشا | طبعًا لا نشبهك، ولا تقاطع بين حضورنا الناصع القوي الذي يضع معادلات يخضع لها الغرب – حلمك ومشغّلك – وبين حضورك الذي يفيض عن جوانبه الكثير من الشبهات، والأكثر من الارتكابات المشهودة، ولا سيّما في الحرب المؤرخة في ١٩٧٥ والتي تشير إليها بأنياب تقطر دمًا كأنك تهدّدنا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.