بملامحه الغاضبة ونبرته الممتعضة دومًا كلّما ذُكر على مسامعه حزب الله، أطل بالأمس سامي الجميل عبر برنامج صار الوقت مع زميله في مناهضة المقاومة وبيئتها مارسيل غانم. وكعادة البرنامج، لم تخلُ الحلقة من ممارسة فعل الاعتداء على ثقافة بيئة المقاومة بكلّ خصوصياتها ومؤسساتها وهويّتها الثقافية.
غضب فتى الكتائب وامتعاضه بالأمس جاء بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد #حسن_نصر_الله في احتفالية الذكرى الثلاثين لتأسيس مدارس المهدي (عج)، الصرح التربوي التعليمي الذي أسّسه الحزب كمؤسسة ذات هويّة ثقافية ووطنية يعجز عن فهمها فتيان الأمركة.
انتشر في الليل مقطع من الحلقة يقدّم خلاصة النظرة “الجميلية” إلى بيئة المقاومة وخصوصيتها الثقافية والدينية؛ باختصار، عبّر سامي عن رفضه القاطع للتربية التي يتلقاها الطلاب في #مدارس_المهدي ، وللهوية الثقافية التي يحملونها. يرى الفتى الذي قال في حديث سابق أنّه انخرط في العمل النضالي منذ عمر ١٢ سنة، أنّ هؤلاء الطلاب يتربون على فكرة الاستشهاد، التي يرفضها ويزدريها ويعتبر أنّها تتعارض مع الثقافة اللبنانية ومكوّناتها. المكوّنات بحسب الوصفة الكتائبية تتضمّن الفرح والحب والحياة. وطبعًا يقصد هذه المفاهيم بحسب تعريفه الخاص لها وليس بمدلولاتها المتعارف عليها وارتباطها بصلب الكرامة والشرف والحرية والسيادة. فالبنسبة للفتى الكتائبي وسائر الفتيان الذين يتشارك وإياهم المفاهيم المشوّهة والنظرة الناقصة ناحية الثقافة والهويّة برمّتها، لا يُنغّص الفرح بوجود جنود صهاينة يسهرون في مطاعم بيروت ومقاهيها، والحبّ هو حبّ الذات والتفاعل مع المحيط حصرًا عبر رغبات هذه الذات – الفرد التي قد تتدنّى حدّ بلوغ أحطّ الدرجات، أما الحياة فلا تعدو كونها فرصة زمنية يسعى من خلالها المرء لتحقيق مصلحته وغاياته دون اهتمام بالأساليب ومعاييرها الأخلاقية، ذلك إن عزلنا الموقف والمفهوم عن أصل ارتباطه العضوي والتأسيسي بالغرب وشركاه.
يعجز سامي وأشباهه عن فهم ثقافة الشهادة والتضحية من أجل فرح الآخرين تحت سقف الشرف والوجدان. كما يعجز عن فهم الحب في حقيقة ارتباطه بالأرض وبكرامة الإنسان وعلاقة هذا الإنسان بمحيطه. وبالتالي، هو يعجز فعليًا عن فهم ثقافة الشهادة وكونها المؤسس الفعلي لكلّ حالات الفرح الممكنة ولكل معاني الحب النقيّة والسامية والمتينة وأنّ هذه الثقافة ترجمتها الفعلية هي ثقافة الحياة الكريمة والتي تدفع المجتمع ككلّ نحو التعالي في الارتقاء الإنساني.
كلّ ما علق بذهنه من إنجازات لمدارس المهدي (عج) هو إصراره على التضليل في ما يخص هويتها الثقافية ذات المنشأ الديني. وبناء على ذلك هو لا يناقش مظهرًا ثقافيًا بقدر ما يحاول تشويهه من خلال التفسير غير الصادق وغير الموضوعي لمفاهيم سامية كالاستشهاد. والقصّة، كما في كلّ حديث كتائبي، “مش رمّانة، قلوب ملياني”. فعلى الهامش، بدا وكأن سامي يطالب بأن يكون له الحقّ بالتدقيق في المناهج التربوية والتعليمية في المؤسّسة ليوافق على ما يتوافق منها مع “السآفة اللبنانيي” كما يراها هو، وليرفض كلّ الذي يتعارض مع وجهة نظره حول لبنان وهويّته.
اللافت في الأمر، أنّ حزب الكتائب عمل على بناء سرديّة تاريخية تروي للأجيال “نضالاته” وتصوّر ارتكاباته مع حلفائه خلال الحرب الأهلية وكأنّها أعمال حربية ذات بعد وطني فيسمّي الذين قضوا من عديده خلالها شهداء. وبالتالي، مفهوم الشهادة مرتبط لديه فقط بالذين يُقتلون ويقاتلون في صفوفه. ومشكلته مع حضور هذا المفهوم في المنظومة التربوية والأخلاقية ليس بسبب جهله بحقيقة كونه تضحية عالية تؤسّس للحياة، فلا يتعارض أو يتناقض مع الحبّ والحياة والفرح، بل في كون هذا المفهوم في ثقافة حزب الله يتخذ بعدًا ثوريًا يهدّد الأميركي وكلّ مظاهر وجوده في المنطقة. ولهذا حين وقع سامي في فخّ التنظير ضد الشهادة، وجب عليه أن يعتذر من العائلات الكتائبية التي يزورها ويخبرها عن احترامه لأبنائها الذين “استشهدوا” وهم يقتلون الآخرين ويرتكبون بحقهم المجازر!
حين يتحدث #سامي_الجميل عن الثقافة ويحاول تظهير كلامه وكأنّه موقف ثقافي، ينبغي التنبّه إلى أنّ ما يطرحه ليس فكرة قد يختلف معها الآخر على أرضية النقاش والتفاعل بين ثقافتين مختلفتين. هو يهاجم من منطلق سياسي بحت، ومن منطلق ارتباطاته السياسية والتاريخية التي ترى في وجود آخر مثقّف قوي يتعارض معه ويعادي الأميركي والإسرائيلي خطرًا عليها وعلى أسباب وجودها وتهديدًا فعليًا للامتيازات التي تعتبرها حقًّا مكتسبًا لها، لا نقاش فيه. ولهذا السبب فقط، هم لا يريدون #حزب_الله ولا يتحمّلون رؤية كل مظاهر ثقافته.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.