التعاون الصيني الإيراني… ورشة تحضير المسرح الإقليمي لـ “عالم ما بعد أميركا”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

منذ انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد #ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، وعودته إلى انتهاج سياسة العقوبات ضد إيران، باتت مهمة الولايات المتحدة في إعادة الانخراط الدبلوماسي البنّاء مع الجمهورية الإسلامية، بهدف إحياء الاتفاق الموقع عام 2015، وتجاوز إرث ترامب السلبي على العلاقات الأميركية الإيرانية أمرًا أكثر صعوبة، إن لم يكن ضربًا من ضروب المستحيل. فالولايات المتحدة، على دراية تامة بأنه لا يمكن تجاهل الثقل الإقليمي لإيران، لاعتبارات جيوسياسية واقتصادية وأمنية هامة، إضافة إلى كونها راغبة بتقديم المغريات لطهران، أملًا بدفعها بعيدًا عن موسكو وبكين تحسبًا لتطورات غير محسوبة على خلفية الحرب في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تدرك #واشنطن أن النهج العقابي ضد طهران، بخاصة بعد سياسة “الضغوط القصوى” رسّخ رغبة الإيرانيين في التطلع إلى “عالم ما بعد أميركا”. ومن رحم تلك التطلعات، ينمو تيار إيراني رسمي وشعبي أكثر تشدّدًا حيال الغرب، يبدو أكثر حسمًا في مسألة توطيد التحالفات الخارجية مع قوى صاعدة بديلة للنفوذ الغربي، وتحديدًا روسيا والصين، تتشارك معها النظرة المتشكّكة حول دور الولايات المتحدة، وهيمنتها الدولية، نحو ضرورة إرساء عالم متعدد الأقطاب تحتل فيه إيران دورًا إقليميًا رائدًا. وبعد عقود من العقوبات الأميركية، من ناحية، والتفاعلات الإيرانية مع موسكو، وبكين، من ناحية ثانية، باتت الدولتان شريكتين استراتيجيتين لإيران، في مسائل عدة، بدءًا من القضايا المتصلة بالنفط، مرورًا بمشاريع البنية التحتية، وصولًا إلى المسائل الأمنية والعسكرية، الأمر الذي جعلها في منأى عن تأثير عقوبات ترامب، وما يمكن أن يوفره #بايدن في الفترة المقبلة من مغريات، أو عقوبات بهدف حث إيران على العودة إلى التزاماتها النووية الكاملة بموجب اتفاق فيينا النووي.

قلق دوائر صهيونية من التعاون العسكري المشترك

ضمن توجه طهران نحو “النموذج البديل” في علاقاتها الدولية، سواء في أوساط التيار المحافظ المحسوب على “الحرس الثوري”، أو في صفوف التيار الإصلاحي المعتدل، الذي مثّل أحد أبرز وجوهه الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، بدأت الجمهورية الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية في جني ثمار علاقاتها المتنامية مع الصين، وروسيا.
ففي أواخر كانون الأول/ ديسمبر من العام 2019، شاركت القوات الإيرانية في مناورات بحرية مشتركة في خليج عمان والمحيط الهندي، الذي يُعدّ منطقة نفوذ تقليدية للأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية. وبحسب خبراء عسكريين غربيين، فقد عكست المناورات رسالة مبطّنة لواشنطن، حيث اختبرت المناورات البحرية للدول الثلاث، مدى قدرة تشابهار مستقبلًا على الاضطلاع بأدوار ملاحية عسكرية عملانية للمحور الثلاثي قيد التشكّل، كقاعدة موازية للقاعدة البحرية التابعة للقيادة المركزية الأميركية في البحرين. وبين عامي 2020 و2022 انضمت القوات الإيرانية إلى القوات الصينية والروسية في تدريبات مشتركة في أكثر من مناسبة، بخاصة في الخليج والقوقاز.

هذا الخط التصاعدي في العلاقات العسكرية الإيرانية الصينية بدأ منذ زيارة وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان إلى بكين عام 2014، لإبرام اتفاقية تعاون عسكري، مرورًا بتوقيع اتفاقية للتعاون في مجال “مكافحة الإرهاب” عام 2016، وصولًا إلى تنظيم مناورات عسكرية مشتركة في بحر عمان عام 2017 هي الأضخم من نوعها، بين إيران ودولة أجنبية، حيث شارك فيها 700 من القوات البحرية التابعة لكل منهما. ومع أن الصين، تميل إلى عدم استفزاز جيران إيران الخليجيين لحسابات اقتصادية، إلا أنها تولي اهتمامًا بالغًا بمواصلة تعزيز علاقاتها العسكرية مع إيران كإحدى أدوات حماية المصالح الصينية المتنامية في الخليج من التهديدات الغربية. أكثر من ذلك، تتواتر الأنباء بشأن مباحثات إيرانية صينية حول السماح للجيش الصيني بالتمركز داخل قواعد عسكرية بحرية وجوية داخل #ايران .

وعلى وقع تجاوز التعاون العسكري بين بكين وطهران مرحلة عقد صفقات بيع الأسلحة، تشير مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إلى أنّ “التهديد” الناجم عن هذا التعاون، أصبح ملموسًا وجديًا أكثر من أي وقت مضى، محذّرة من انّ عدم اكتراث الصين بالعقوبات الأميركية ومضيها في شراء الخام الإيراني، سيعزّز الموارد المالية المتوفرة لدى طهران من أجل تطوير برنامجها النووي وترسانتها العسكرية من الصواريخ البالستية والمسيّرات الهجومية لإخافة جيرانها، في إشارة إلى دول الخليج. وتستعرض المجلة تسريبات بشأن مضمون اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، للإشارة إلى ما حملته من بنود تتعلق بإجراء مناورات عسكرية، وتطوير أسلحة بصورة مشتركة، فضلًا عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، مشدّدة على أن تلك التطورات يجب أن تدفع الولايات المتحدة، و”إسرائيل”، ودول الخليج إلى تشكيل محور مضاد للوقوف على تداعيات تطور العلاقات الصينية الإيرانية، وتحديدًا في حال نقلت بكين إلى طهران إمكاناتها وخبراتها في مجال ما يُعرف بـ “استراتيجية المنطقة المحرّمة” AD – Area Denial/ A2 – Anti-Access). وبهدف التحذير من مديات التعاون العسكري بين الصينيين والإيرانيين، تستند المجلة إلى ما جاء في تقرير حديث صادر عن لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية بشأن مزاعم استخدام إيران تكنولوجيا عسكرية صينية في الهجوم على قاعدة عين الأسد الأميركية داخل العراق عام 2020.

وضمن هذا التوجه، يشدّد مدير مركز القوة العسكرية والسياسية في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” برادلي بومان على أنّ التعاون التجاري بين الصين وإيران سوف يدفع الأخيرة نحو المزيد من التشدد في المحادثات النووية مع القوى الكبرى، معتبرًا أنّ الدعم الصيني لإيران يقلّص من فرص الحلول الدبلوماسية لأزمة الملف النووي الإيراني. ويدعو الباحث في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، المعروفة بصلاتها بـ “إسرائيل”، إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى عدم إغفال العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين الجانبين، مضيفًا أنه قد تكون ثمة لعمل عسكري مشترك بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” لمنع امتلاك طهران القدرة على تصنيع أسلحة نووية.

ولتأطير هذا التوجه العام في سياسة موحّدة، يعتقد بومان أن الإدارة الأميركية معنية بعدم رفض تزويد حلفائها الخليجيين بالأسلحة التي يطلبونها، معلّلًا الأمر بالحيلولة دون توجههم إلى تكثيف تعاونهم العسكري من بكين، وإعطاء المزيد من الزخم لانحدار النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط لصالح طهران كما حصل في علاقات الولايات المتحدة مع حليفتها القاهرة خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. ويتابع بومان بالقول إنه يتعين على دول الخليج إفهام الجانب الصيني أن توسيع تعاونه العسكري مع الجانب الإيراني، سوف يلحق ضررًا بالغًا بالعلاقات الخليجية الصينية. أخيرًا، يطالب بومان الكونغرس بتحسين آلية العمل مع المؤسستين العسكرية والاستخبارية في واشنطن بغية حثهما على تقديم تقارير سنوية، أكثر تفصيلًا حول برامج التعاون العسكري بين الصين وإيران، سواء على صعيد المناورات المشتركة، أو تطوير الأسلحة، مع إتاحة إمكان إطلاع “إسرائيل” ودول الخليج عليها. وبحسب بومان، فإن تطور العلاقات الإيرانية الصينية يظهر صعود نفوذ بكين في الشرق الأوسط، وأن المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى، أي واشنطن وبكين، لن تدور أحداثها على مسرح المحيطين الهندي، والهادئ فقط.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد