التناقض الجيوستراتيجي بين طهران وجدّة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 


عندما عاد الرئيس الأميركي جو بايدن إلى واشنطن (17 يوليو/ تموز) بعد رحلته إلى الشرق الأوسط، قوبل بموجة سخرية من وسائل الإعلام الرئيسية. قد زعم بايدن قبل الزيارة بأنه سيفتح “فصلًا جديدًا” في العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، لكنه عاد خالي الوفاض. وعلقت صحيفة “نيويوركر” بأن الزيارة التي استمرت أربعة أيام سلطت الضوء على الفشل الكامل لسياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط.
كان موضوع الطاقة أحد المواضيع الرئيسية لرحلة بايدن. ومع ذلك، فإن قراءة دقيقة للبيان المشترك الصادر بعد لقاءات بايدن مع القادة السعوديين، تشير إلى أن الجانب السعودي لم يتعهد بشكل واضح بزيادة كبيرة في إنتاج النفط. وكانت تصريحات السعودية أكثر حذرا بعد المحادثات، حيث قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير إن زيادة إنتاج النفط تعتمد على ما إذا كان هناك نقص في المعروض في السوق.
ومن ناحية أخرى، فشلت رحلة بايدن أيضًا في تعزيز نظام الحلفاء في الشرق الأوسط. قبل زيارة بايدن، قالت وسائل الإعلام الأميركية إن الرئيس الأميركي سيسعى خلال قمة جدة للأمن والتنمية لبناء تحالف عسكري يضم دول الخليج وإسرائيل، بل تشكيل ” ناتو شرق أوسطي”. ولكن النتيجة أن بعض الدول رفضت هذا التصور بشكل واضح، حيث أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن العراق لم ولن ينضم إلى أي تحالف عسكري إقليمي، في حين قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إنه ليس على علم بأي نقاش حول تحالف دفاعي خليجي- إسرائيلي وإن السعودية لم تشارك في مثل هذه المحادثات.
أما بالنسبة لمحاولة الولايات المتحدة إخراج الصين وروسيا من الشرق الأوسط، فهي مجرد خيال. وصرح بايدن في قمة جدة “لن نغادر ولن نترك الشرق الأوسط للصين أو روسيا أو إيران.” هذا التصريح مليء بالغيرة وعقلية الهيمنة. في العقود القليلة الماضية، أفسدت الولايات المتحدة الشرق الأوسط وغادرت، والآن، وبرؤية الدول الأخرى تساعد الشرق الأوسط على التطور، تشعر الولايات المتحدة بالغيرة والخوف. لكن الشرق الأوسط ليس ساحة خلفية لشخص ما، ويرحب بكل الدول التي تساعده بصدق في تنميته. وفي هذا الصدد، شدد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير أن الصين شريك مهم للسعودية في مجالات التجارة وسوق النفط والاستثمار.
عام 1943 عقد اجتماع ثلاثي في طهران لقادة الحلفاء، شارك فيه ستالين وتشرشل وروزفلت(زعماء الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة) ، ناقش مجريات الحرب العالمية الثانية عسكريا، ومستقبل القارة الاوربية والعالم بعد انتهاء الحرب وهزيمة النازية .كما بحثت القمة الاتفاق على اقامة منظمة دولية على انقاض عصبة الامم ، فكانت هيئة الامم المتحدة.
وفي عام 2022 عقدت في طهران ايضاً و منذ ايام قمة ثلاثية .فهل تؤشرالقمة الحالية ايضاً الى ولادة عالم جديد وهزيمة القطب الواحد ؟
لايمكن النظر الى نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في طهران بين قادة روسيا وايران وتركيا خارج سياق العملية الجيوسياسية العالمية الجارية .هذه العملية التي تؤشر الى ولادة عالم جديد متعدد الاقطاب وأفول عالم احادي القطب عانت منه البشرية الويلات على جميع الاصعدة . كما جاء اللقاء بالتوازي مع جولة بايدن الشرق اوسطية الفاشلة وفق الكثير من المؤشرات .
اليوم ، أنشأ الرؤساء فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي ورجب طيب أردوغان “محور الخير” الحقيقي للغاية.
أكد البيان الختامي للقمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية على تصميم الدول الثلاث على مواصلة التعاون “للقضاء على الإرهابيين” في سوريا.
وأعربت الدول الثلاث في البيان الختامي عن تصميمها “على مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية”، ورفض “كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة الى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة”.
اعتبر بوتين في كلمته أن المحادثات الثلاثية كانت “مفيدة جدًا”، مضيفا “ناقشنا النقاط الأساسية لتعاوننا المتعلّق بسوريا”، داعيًا نظيريه لزيارة روسيا لعقد القمة المقبلة.
من جهتها نشرت الصحفية يوليا يوزيك، على تطبيق “تليغرام” مقالا يوضح رؤيتها لزيارة بوتين الأخيرة إلى طهران حيث اشارت الى ان زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى إيران، الأكثر أهمية على مدار فترة حكمه قاطبة، قد أتت ثمارها. لكن من السابق لأوانه أن نفرح.

في هذه الزيارة لبوتين كان هناك قليل من بروتوكولات الاستقبال الرسمية: فبعد تحية قصيرة مع الرئيس الإيرانيإبراهيم رئيسي، ذهب الرئيس الروسي للقاء المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، حيث جرت المفاوضات خلف أبواب مغلقة.
والمرشد الأعلى كان قد أوقف مؤقتا المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة الأميركية، انتظارا لوصول بوتين ليرى “العرض النهائي من روسيا”.
قبل الزيارة، وضع بوتين بعض الأوراق على الطاولة، فقد أطلق أخيرا الممر بين الشمال والجنوب، والذي يربط روسيا بالهند عبر إيران. والذي ظلت إيران تضغط من أجله منذ عهد أحمدي نجاد، إلى أن المشروع تم تجميده.
في 11 يوليو ظهرت أنباء بشأن شراء روسيا لطائرات مسيرة إيرانية، وفي 15 يوليو، وقع بوتين قانونا بشأن التجارة الحرة لإيران مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وقيل إن روسيا ستستثمر 7 مليارات دولار في حقل أزاديغان الواقع على الحدود الإيرانية العراقية، ما يسمح لكل من إيران وروسيا أن يبيعا النفط على أنه “عراقي”، إلا أن كل ذلك، وعلى الرغم من أنه ليس سيئا، لم يكن ليتفوق على العرض الأمريكي.
لكن بوتين في طهران، قرر أن يرفع العلاقات الى مستوى حيث وقعت شركة النفط الإيرانية وشركة “غازبروم” الروسية مذكرة تفاهم في مجال الطاقة، تشمل استثمار موسكو 40 مليار دولار في تطوير حقلي كيش وفارس الشمالي، وزيادة إنتاج حقل بارس الجنوبي، وتطوير 6 حقول نفطية إيرانية.
وذكرت وكالة “إرنا” الإيرانية الرسمية، أنّ شركة النفط والغاز الروسية “غازبروم” وقعت أكبر اتفاقية استثمار أجنبي في تاريخ القطاع النفطي الإيراني.
ويستثمر الروس حالياً 4 مليارات دولار في صناعة النفط الإيرانية، ومن المقرر أن تزيد هذه الاستثمارات 10 أضعاف.

في الواقع، إذا كان من المقدر لهذه الخطط أن ترى النور، فيمكننا حينها الحديث عن إنشاء أقوى احتكار للغاز في العالم تحت سقف روسي. لذلك لم يكن من باب الصدفة إذن أن يضم هذا الاجتماع بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا، والذي عقد تحت لافتة “مسار أستانا”، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وليس أدل من اتفاق بوتين وخامنئي على أمر ما أكثر من دعم الزعيم الإيراني، بشكل غير مباشر، لتصرفات روسيا في أوكرانيا بقوله إنه “إذا لم تكن روسيا قد اتخذت زمام المبادرة، لكان الطرف الآخر قد بادر بشن الحرب”، وإعلانه من خلال جنرال عسكري عن “استعداده لتصدير السلاح”.
ثمن مثل هذا التحالف الاستثمارات والشراكات في النفط والغاز وسوريا والعراق وإمدادات الأسلحة (الذي لن يصح من دون وجود “إس-400” في فاتورة الصادرات، ذلك أن الامام خامنئي لن يكون مستعدا للقيام بمثل هذه المخاطر الكبيرة ضد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بدون درع صاروخي نووي روسي).
وتعليقا على احتمال أن يصبح القرب من الكرملين سببا إضافيا للضغط الأميركي على طهران، قال الخبير العسكري يوري ليامين، لصحيفة ـ”نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية: “يمكن أن تكون هناك محاولات (تخفيف) من الولايات المتحدة، لكنهم بشكل عام لا يزالون تحت إدارة ترامب بسياستهم المتمثلة في” الضغط الأقصى” على إيران، والتي أوصلت الأمور إلى استنفاد إمكانيات زيادة العقوبات بشكل جدي دون خطر الوصول إلى تصعيد عسكري”.

من الواضح أن ايران ستواصل المساومة مع الغرب حول البرنامج النووي، وستظل “النافذة الدبلوماسية” مفتوحة حتى آخر لحظة مهما حدث. أي أنه، وحتى نهاية العام تقريبا، سيرفع من أسهم المساومة مع الولايات المتحدة الأميركية إلى أقصى حد، ليرى ما إذا كان المخطط الروسي يعمل أم لا.
الرهانات كبيرة، والمخاطر جدية (واللعبة كبيرة، إلا أنها لم تنته بعد.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد