د. حسن محمد* – خاص الناشر |
بابتسامته المعهودة المحمّلة بأريج العزة والانتصار، وبهدوء الأعصاب والنبرة المتواضعة، وعلى وقع توقيت عملية أسر الجنديين في خلة وردة، كانت إطلالة السيد حسن نصر الله الاستراتيجية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية.
لم تكن الإطلالة عابرة ولم تكن في موضوع داخلي ضيّق، وكذلك لم تكن لتُعنى بشأن محلي حصرًا إنما جاءت على امتداد الزمان الذي رسمت فيها معادلات ضخمة، وعلى امتداد الجغرافيا وصولًا إلى أبعد نقطة عن الضاحية الجنوبية في قلب واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأميركية، وطبعًا مرورًا بكافة العواصم الأوروبية، بكلمته “سجلوا المعادلة الجديدة كاريش وما بعد كاريش وما بعد ما بعد كاريش”.
هناك تحليلات متعددة صدرت، وهناك مواقف متباينة برزت، أتت ما بين متوافق ومتضامن مع الموقف والقوة الصلبة اللبنانية المتمثلة بالمقاومة وقدراتها، وما بين منزعج ومرتعب وحاسد خوفًا من انتصار جديد للمقاومة وانهيار إضافي للعدو الصهيوني يكون أشدّ وقعًا على قلوب عملاء الداخل.
ولأن كلمة السيد نصر الله متعددة الاتجاهات والمضامين، تناولت موضوعًا لبنانيًا مركزيًا بعيدًا عن الاصطفاف السياسي والحزبي، ووصلت إلى مختلف مراكز القرار الدولي والإقليمي، فإن التحليل سيتناول البعد الخارجي لهذا الخطاب المفصلي، بغض النظر عن الشعوذات الداخلية التي صدرت عن وليد جنبلاط أو سامي الجميّل أو غيرهما ممن لا وزن سياسي لهم أكثر من منطقتهم الطائفية والحزبية الضيقة، لأنه لا قيمة للصغار عندما يتصارع الكبار، ومن المعيب الردّ عليهم لسببين، الأول كي لا يكبروا بالرد، وثانيًا عدم تصغير مضمون خطاب السيد نصر الله وإنزاله إلى مستوى هؤلاء.
أما فيما يتعلق بالشكل والتوقيت والمضمون لخطاب السيد حسن، فيمكن الإشارة إلى العناصر البارزة فيه على نحو الإيجاز نظرًا لضيق المساحة، علمًا أن الخطاب يستحقّ أكثر مما كُتب فيه.
أ. في ظاهر الإطلالة
كانت الابتسامة الرقيقة سمة الإطلالة في أغلب وقتها، حتى أن تلك الابتسامة تحمل في مضمونها رسائل محلية وخارجية، إيجابية وسلبية، تعطي ملامح واضحة من المكنون الداخلي إلى اللفظ الكلامي، منها ما هو للداخل اللبناني ومنها ما يأتي في سياق الحرب مع العدو الصهيوني. وممّا يمكن قراءته من علامات تلك الابتسامة الناعمة:
- الثقة بالنفس ومعرفة القوة التي يمتلكها ويستند إليها، والمدى الزمني والجغرافي والعمق النفسي لابتسامته ومعانيها.
- الابتسامة الحزينة الظاهرة التي تخفي علامات الغضب والاشمئزاز من التخاذل اللبناني، لا سيّما موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير خارجيته عبد الله بو حبيب، ببيانهما الباعث على الخوف والارتعاد من الأميركي والإسرائيلي، والتهاون بالحق اللبناني.
- التأثير النفسي السلبي العميق على قيادات العدو الصهيوني العسكرية ومن خلفهم قطعان مستوطنيه، وكل هؤلاء يعيشون أزمات نفسية، فتلعب هذه الابتسامة دورًا عظيمًا في المزيد من الانهيار النفسي والمعنوي، لأنها ليست حربًا نفسية خالية من مضمون القوة الفعلية، أو لمجرد كونها كلمات في سياق حرب تنتهي بانتهاء الخطاب وتذهب الابتسامة بانتهائه، بل على العكس من ذلك، فهي تحفر في الوعي الصهيوني العام.
- رسالة إلى المحبّين والأصدقاء الذين يعشقون بسمته، ويرَون فيها الطمأنينة والراحة النفسية، لأنها تحمل كل معاني العزة والنصر والفرح والسلامة، وتأتي من موقع عظمة الفكر والقوة، وهي لطالما عشقها محبو السيد حسن نصر الله على امتداد خطاباته منذ انطلاقة حزب الله حتى يومنا هذا، وأكثر من يعي هذه الابتسامة وهذه الخطابات هو من عايش سماحته منذ ثمانينيات القرن العشرين، فبات مأسورًا لها ويلتذّ بسماعها لأنها صادرة عن قائد فذّ يعرف استمالة القلوب وكيف يأسرها بحبه، وهذا هو حال أنصاره الذين يتوقون لبسمته، فكيف بهم الحال إن جاءت تلك الابتسامة مع قوة ومع أمل بالرؤية المباشرة؟.
- تشكيل ضغط نفسي كبير على خصوم السيد وأعدائه، لأن أكثر كارهيه هم من الأعداء، لذلك ينبطق عليهم ما ينطبق على العدو الإسرائيلي نفسه، وإن كانوا يحملون الجنسيات العربية أو حتى الجنسية اللبنانية، وهذا ما برز سريعًا في تعليقات ومنشورات المنزعجين من ابتسامة السيد ومضمون كلامه من عملاء الداخل الصغار.
- قراءة العدو، القريب والبعيد، لهذه الابتسامة، وقد شكّلت مادة تحليلية هامّة، ينكبّ عليها أغلب المحلّلين النفسانيّين الإسرائيليين وغيرهم، وقد يشترك في ذلك الأميركيون لأنهم شركاء في الهزيمة من ابتسامة السيد نصر الله.
ب. في التوقيت
لم يكن اختيار توقيت الإطلالة عبثيًا، فهو قد اختير في زحمة المواقيت الدولية، والموضوعات المطروحة للتداول، وحجزت مكانًا فوريًا لها وجمعت عدة أهداف في توقيت واحد، منها:
- توقيت الإطلالة مع بداية ذكرى عملية “الوعد الصادق” التي لم ولن ينسى الإسرائيلي، ومن خلفه كل العالم، مجرياتها النفسية والمعنوية والعسكرية، حيث تكبّد العدو الصهيوني هزيمة مدوية لم يسبق لها مثيل منذ نشأته، وحفرت عميقًا في الوجدان. وقد اختير التوقيت لما فيه من مواقف ومعادلات شهدتها حرب تموز 2006، حيث أعاد السيد حسن إطلاق معادلات جديدة على نسق ما كان فيها من الذهاب إلى “ما بعد ما بعد حيفا”، فكان الذهاب حاليًا إلى “ما بعد ما بعد كاريش”، وانطلقت المعادلة الثانية من مفاعيل الانتصار في حرب تموز.
- أطلق حزب الله في الأيام الماضية ثلاث مسَيّرات باتجاه حقل كاريش، ولم يكتفِ بإصدار بيان رسمي، إنما أعقب العملية الجوية إطلالة جاءت أقسى وأعنف من تلك العملية نفسها، لذلك فإن توقيت الإطلالة جاء متكاملًا معها، بل مكمّلًا لها.
- على الصعيد الإقليمي، جاءت الإطلالة الاستراتيجية في الوقت الذي حطت فيه طائرة رجل أميركا العجوز على أرض فلسطين المحتلة، فكانت بمستوى الزيارة إن لم تكن أفشلتها قبل انطلاق محادثاتها أو طغت على مضمونها.
- وأيضًا على الصعيد الإقليمي، جاء الخطاب في الوقت الذي انتشرت فيه مقولات إنشاء حلف أطلسي عربي أو تحالفات عسكرية للاعتداء على الجمهورية الإسلامية، فكانت المعادلة جاهزة بأن حزب الله جاهز أن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع.
- أما على الصعيد الدولي، فقد جاءت الإطلالة قبيل انعقاد القمة الروسية الإيرانية التركية، لتؤكد أن حزب الله حاضر في القمة بملائكته ومعادلاته التي هزت الكيان الصهيوني المؤقت ومن خلفه أوروبا التي لها النصيب الأكبر من مضمون الإطلالة، وهذه الأخيرة تعيش أزمات وتداعيات الحرب الأميركية على روسيا بالعسكر الأوكراني والجغرافيا الأوروبية وانهيار اقتصادها الذي بدأ يظهر من خلال انخفاض قيمة اليورو.
ج. في المضمون
حمل خطاب السيد حسن نصر الله مروحة رسائل واسعة ومتعددة الاتجاهات، بالطبع هو لم يُقِمْ وزنًا لصغار القوم في لبنان، وإن علا صراخهم وعويلهم نيابة عن الإسرائيلي، لأنهم لا يعادلون شسع نعل في المعركة الكبرى، وإنما تحدث عن بعض الشخصيات المستحكمة بمقاليد الحكم للاستفادة من قوة المقاومة والضائقة الأوروبية في مسألة الغاز والنفط، واستخراج النفط والغاز وعائداتهما على لبنان وشعبه.
بالطبع هناك رسائل موجهة إلى العدو الأميركي لحظة وصول الرئيس العجوز كما هو حال القوة الأميركية، بما وصفه السيد نصر الله، وأيضًا رسائل مباشرة إلى العدو الصهيوني، ولكن الأبلغ من ذلك كانت الرسائل الموجهة إلى الأوروبيين الذين يتواصلون مع حزب الله، لا سيّما بعد إطلاق المسيّرات الثلاث.
- أميركا العجوز كما هو حال رئيسها
دخل الخطاب الناري بقوة على زيارة رئيس الولايات المتحدة الأميركية لحظة وصوله إلى فلسطين المحتلة لدعم الكيان المؤقت. وقد تناول السيد نصر الله مرحلة الشيخوخة للقوة الأميركية في المنطقة كما هو حال رجلها الأول العجوز، وهي صفة تُطلق للمرة الأولى على شخص رئيس أقوى دولة في العالم. وقد تكامل الوصف من شخص الرئيس الأميركي إلى حالة القوة الأميركية ككل، وقد برهنت أنها تسير نحو العجز عندما برز محمد بن سلمان ندًّا للرئيس الأميركي، في أكثر من موقف، أبرزها عندما تناول موضوع قتل ابن سلمان للصحافي جمال خاشقجي، مقابل استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة وسجن أبو غريب، وقد صرّح بذلك مسؤول سعودي، بأن السعودية “اتخذت كل الإجراءات لتجنب الأخطاء مثل قتل خاشقجي وبأن أميركا ارتكبت أخطاء مماثلة مثل سجن أبو غريب في العراق”، كذلك في عدم استجابة السعودية لطلب بايدن زيادة انتاج النفط، وهذا ما يؤكد كلام السيد نصر الله، وهنا لا يرفع هذا الاستشهاد من قيمة السعودية إنما يعبّر عن بداية الوهن الأميركي لدى عبيد واشنطن.
لا يمكن قياس قوة العسكر الأميركي مقارنة بقوة حزب الله في لبنان، إنما أن يأتي وصف أمين عام الحزب للرئيس الأميركي بالعجوز لحظة وصوله الأراضي الفلسطينية المحتلة، له دلالاته المعنوية الكبرى استنادًا إلى قوة حزب الله المتواضعة وتجعلها ندًّا حقيقيًا للقوة الأميركية في الساحة اللبنانية والفلسطينية بحدها الأدنى، ناهيك عن التجربة العسكرية الحقيقية أثناء حرب تموز 2006 وانكسار القوة الأميركية بفعل انكسار القوة الإسرائيلية وإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد التي روّجت له وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس.
من هنا جاء توصيف “العجز” للدولة الأميركية والتحدّي الكبير لها من سنوات سابقة، وليس آخرها استقدام النفط الإيراني إلى لبنان عن طريق البحر وصولًا إلى سوريا ومنها إلى لبنان، بفعل تهديد استخدام القوة العسكرية لحزب الله، بما يحمل كسر الهيبة الأميركية على امتداد المياه البحرية، كذلك كسر قانون “قيصر” الظالم بحق سوريا.
لقد تابع السيد نصر الله تحدّيه للإدارة الأميركية بالمزيد من الضغط العسكري والسياسي عليها في المنطقة، من خلال عدة عمليات عسكرية طاولت الكيان الصهيوني المؤقت وإيقافها على “رجل ونصف”، ليس آخرها رسالة المسيّرات الثلاث فوق كاريش، وأبرز ما جاء في التحدّي الصريح والعلني والمباشر أن حزب الله جاهز لأن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع.
- الخوف الأوروبي من الانهيار الاقتصادي
هل تجرؤ أوروبا على السير كثيرًا خلف الولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل” بما ينعكس انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا لها في ظل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؟ سؤال كبير تتوقف عنده أغلب القيادات الأوروبية، وهو ما تشهده كل دول القارة العجوز، وما تشهده من استقالات ومواقف تنازلية جديدة وانهيار اقتصادي يوميًا في أسواقها، ولن يكون آخرها تراجع قيمة اليورو، هو برسم السياسة الأوروبية المرتبكة.
عندما أطلق السيد نصر الله معادلته الجديدة “ما بعد ما بعد كاريش” في أجواء ذكرى انتصار حرب تموز 2006 المليئة بالمعادلات، لم يكن يحصرها في الساحة الإسرائيلية، وهو نفسه قد أعلن أن محادثات واتصالات كثيرة وردته مباشرة أو عن طريق وسطاء، تستطلع أهداف المسيّرات، وهذه الاتصالات بالطبع لم تكن عربية فقط، إنما متعددة الآفاق، لا سيّما أن هناك خطًا مفتوحًا على الجانب الفرنسي وغيره من الأوروبيين، لذلك كانت معادلة “ما بعد كاريش” موجهة بالدرجة الأولى إلى أوروبا الواقفة خلف الكيان الإسرائيلي في مواجهة الحق اللبناني.
وهنا يطرح السؤال بقوة على الدول الأوروبية جميعها، هل تستطيع أن تعيش بدون نفط وبدون غاز في ظل التقنين الروسي والتهديد بتفجيره في منطقة الشرق الأوسط؟
إن الوصول إلى “ما بعد ما بعد كاريش” حتمًا يكون إلى قلب أوروبا، لأنها المنتظر الأكبر لاستخراج الغاز من منطقة الشرق الأوسط الذي تعتبره البديل عن الغاز الروسي. وهي قد عاشت مؤخرًا تجربة قطع روسيا إمدادها به، بذريعة صيانة الأنابيب لمدة عشرة أيام ما دفع بألمانيا إلى اعتماد التقنين الكهربائي حسب ما تناقلته بعض التقارير والأخبار الواردة، ولقد جاءت الرسالة بصريح التهديد “إما أن نأخذ حقنا كاملًا وإما أن تعيش أوروبا تحت حصار النفط والغاز” بانعدامه من روسيا ومن الشرق الأوسط.
إضافة إلى التهديد للدول الأوروبية الرسمية، لا يمكننا التغافل عن الخسائر المالية التي لحقت بالشركة اليونانية العاملة على استخراج الغاز من حقل كاريش، إضافة إلى ارتفاع قيمة التأمين على أصولها وممتلكاتها، وهذا ما سيطال مختلف شركات النفط العالمية في حال تمّ تنفيذ التهديد بعملية عسكرية ولو محدودة الحجم.
- الرعب في قلوب القادة الإسرائيليين
هنا حدّث ولا حرج، حيث أتى الخطاب بعد المسيّرات ليشكل ضغطًا قاسيًا على قلوب وعقول الإسرائيليين جميعًا، فاتخذت قيادتهم قرارًا بمنع التعليق خوفًا من تحريك الشارع وانهيار الداخل، ومنعًا لزلة لسان المسؤولين فيها.
لكن كل هذا المنع والرقابة لا يحجبان الواقع الداخلي الصهيوني من تداعيات المسيّرات والخطاب، إذ إنه سرعان ما اشتكت “إسرائيل” على لبنان في المحافل الدولية لكن دون نتيجة لعدم مقدرة تلك الدول على التأثير على حزب الله، كذلك سارع آموس هوكشتاين إلى اللحاق بالعملية التفاوضية إرضاءً للجانب الصهيوني.
على أي حال، فإن الإسرائيلي يدرك تمامًا أن كافة حقول النفط والغاز هي تحت مرمى نيران حزب الله، ويدرك تمامًا أيضًا أن الذهاب إلى حرب تموز ثانية لن يأتي له سوى بالهزيمة لا بل قد تكون نهاية هذا الكيان المؤقت نتيجة عوامل متعددة، منها القوة العسكرية المتفاقمة والمتطورة للمقاومة والخبرات القتالية لمجاهدي حزب الله المكتسبة في حرب تموز 2006 وقتال التكفيريين والقضاء على دولتهم في سوريا ولبنان والامتداد إلى الساحة العراقية، إضافة إلى التآكل الداخلي للكيان على كافة الصعد.
- “شد ركَب” المسؤولين اللبنانيين
جاء الخطاب إلى أركان الحكم في لبنان بمسألة واحدة “كونوا رجالًا” ولو لمرة واحدة، فلا يجدي ذرف الدموع على لبنان وشعبه والتسوّل المالي المتبوع بسرقته، حتى وإن كل المساعدات لا تكفي لسد احتياجات لبنان لفترة وجيزة، فكيف وهي قليلة وتأتي مشروطة ومقيدة بتنفيذ أوامر المانحين وصندوق النقد الدولي؟
تجاوز السيد نصر الله موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير خارجيه عبد الله بو حبيب الباعث على الاشمئزاز والدالّ على عمق الخوف في قلبيهما ومن خلفهما كل بقايا 14 آذار، بكلام فيه توبيخ باطني لكن بظاهر ابتسامة حزينة، لعدم تحمّل المسؤولية الوطنية ومواكبة التطورات المحلية والإقليمية والدولية، ودعاهم إلى التفاوض من منطلق قوة.
تجاوز السيد نصر الله المحبِطين والمحبَطين العاملين على توهين الموقف اللبناني، بما فيهم كل الأحزاب والفعاليات السياسية ومنظمات NGO’s.
وعلى عادة المتخاذلين والمنساقين خلف القرارات الأميركية والإسرائيلية، فإنه لم تصدر عن هذه القيادات اللبنانية سوى مواقف الشجب المعبّرة عن عويل نيابة عن الإسرائيلي، فيما غابت مواقفهم عن ملف التفاوض مع العدو الإسرائيلي عن سبق إصرار وترصد وعدم المطالبة بالحق اللبناني، وقد جاءت تغريدة وليد جنبلاط ومقابلة سمير جعجع وكلام سامي الجميّل ومعهم أقزام السياسة في لبنان، في هذا السياق.
بعض الاستنتاجات
في ختام الكلمة، عندما أعلن السيد حسن نصر الله سابقًا أن المقاومة من حقها أن تفعل أي شيء من أجل تحرير الأسرى وإطلاق سراح المجاهد (الشهيد) سمير القنطار، لم يتأخر تنفيذ الوعد فجاءت عملية “الوعد الصادق” التي أسفرت عن أسر جنديين صهيونيين وقتل العديد، ما أفقد العدو الإسرائيلي صوابه فدفعه إلى مغامرة كبيرة لم يكن على دراية تامة بنتائجها نتيجة لعدم اكتمال المعلومات الاستخباراتية فقط، بل لضعفها بتقصي الحقائق عن قوة حزب الله، فانعكست تدميرًا معنويًا لجيشه بفعل الهزيمة العسكرية الميدانية المدوية.
وبالأمس أعاد نفس القائد نفس الوعد وهو ما زال الصادق، لكن ما تغيّر هو ازدياد حجم القوة العسكرية لحزب الله كمًّا ونوعًا وعديدًا واستخباراتيًا ومعلوماتيًا عن الداخل الصهيوني الذي يعيش عقدة الزوال حسب مفردات القادة فيه، فهل سيكون تنفيذ التهديد قريبًا؟ وما هو حجم العملية اللاحقة؟ وهل ستكون عملية أسر من نوع آخر مع تدمير منصات النفط والغاز؟
إن ما يبدو من خلال الخطابات المتلاحقة والمراقبة الحثيثة، يظهر أن حزب الله سيعمد إلى التصعيد التدريجي في عمله العسكري حتى رضوخ العدو الصهيوني ومعه أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والاعتراف بحق لبنان باستخراج نفظه وغازه ورفع الحصار عنه حتى يتمكن من بيعه في الأسواق العالمية، كما كان حالهم عند استجداء العدو الصهيوني وقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة من عدوانه على لبنان.
لكن هناك آفة واحدة تعمل على عرقلة جهود حزب الله وتشكل ضغطًا عليه، للأسف هي عدم وجود رجل مسؤول في الدولة اللبنانية يتماشى مع قوة حزب الله واستثمارها من أجل حصانة لبنان، وهذا الخوف والتردد هو بفعل مصالح تلك الطبقة الحاكمة وخوفًا على أموالها وممتلكاتها من العقوبات الأميركية دون النظر إلى المصلحة اللبنانية العامة ومصلحة الشعب اللبناني.
*أستاذ جامعي وباحث سياسي
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.