عيد العمال.. نضالٌ مجبولٌ بالألم والأمل

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لم يكن وقْعُ الأول من أيار هذا العام كغيره من السنوات الماضية، هذا اليوم الذي جُعل فيه للعامل عيد، كعربون شكر من العالم له، على جهده وتعبه الذي لا يتوقف على مدار عامٍ إلا يومًا.

وبحكم أن لبنان هو بلدٌ استثنائي بظروفه وأوضاعه ومشاكله وأزماته، فإن هذا العيد يكون فيه استثنائيًا لطبقة عاملة استثنائية وهبت عمرها عطاءً لبلد كانت أرضه خير من أعطى، وحكّامه أكثر من نهب وأفسد .

حقوق ضاعت وأحلام تبخّرت
حلّ عيد العمال هذا العام محمّلًا بأعباء معيشية واجتماعية واقتصادية صعبة جدًا في ظل أسوأ أزمة في تاريخ لبنان. ولبنان، هذا البلد الذي خلق شعبه للنضال منذ الأزل، كان للنقابات والحركة العمالية فيه تاريخ من النضال والسعي والمطالبة بالحق بالحياة والعيش الكريم والتخلص من الإقطاع والظلم منذ أواسط القرن التاسع عشر وصولًا الى يومنا هذا، حيث اتخذ الإقطاع أوجهًا مختلفة وصورًا جديدة، إلا أنه ما زال قائمًا وبشراسة وأكثر من أي وقت مضى.

هذه الحركات النقابية أنتجت الاتحاد العمالي العام الذي تأسس عام 1970، بعد مرحلة من الانقسامات العمالية والنقابية. ويقدّر عدد المنتسبين الى جميع الاتحادات التي تُكوِّن الاتحاد العمالي العام 58690 منتسبًا من أصل 745760 عاملًا يحق لهم الانتساب وذلك وفقًا لدراسة القوى العاملة الصادرة عن ادارة الإحصاء المركزي.

وبحسب الدراسة، يستند هذا الضعف في التمثيل الفعلي الى كثرة الانتسابات الوهمية لا سيما تلك المسؤولة عنها الأحزاب المختلفة. وتقترح الدراسة الركون الى عدد المقترعين في انتخابات هذه النقابات كمؤشر الى التمثيل الفعلي الذي تبين أنه لا يتجاوز الـ 3.5% من عدد الأجراء. ويتألف الاتحاد العمالي اليوم من 60 اتحادًا ونقابة ورابطة وأكثر من ثلثيه هي نقابات صورية وُجدت لكي تتحكم فيها الأحزاب السياسية وتمنع بذلك أي معارضة فعلية، الأمر الذي جعل الاتحاد العمالي ينحرف عن هدفه الأساسي ألا وهو الدفاع عن حقوق العمال، لأنه في ظل وجود هكذا سلطة سياسية قمعيّة فإن حقوق العمال حتمًا مصيرها الضياع.

يعاني الاتحاد العمالي اليوم من التصدع والانقسام والتبعية للسلطة السياسية، والتي من المفترض أن يكون معارضًا لسياساتها ورافضًا لها، في سبيل نصرة العمال والدفاع عن حقوقهم، ولكن يبدو أن السياسة قد أطاحت بقيم الحق والمبادئ لدى الكثيرين، واستحوذت على كل أركان الدولة الصغيرة والكبيرة منها.

هل من أمل في عودة الحقوق؟
في محاولة لإعادة احياء ما تبقى من رمق نضال أخير في الحركة النقابية في المجتمع اللبناني، يرى النقيب الأستاذ أديب أبو حبيب أن العوامل الأساسية التي يجب أن تتوفر لتؤدي هذه النقابات رسالتها هي الاستقلالية والديمقراطية والفعالية بعيدًا عن مبدأ التزكية. وفي هذا السياق، لا بد من اعادة توحيد الصفوف بين عمال لبنان ونقابييه لتعزيز نضالهم المطلبي الذي يواجه اليوم تحديات صعبة ومصيرية تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة الرواتب وخلق فرص عمل والحد من البطالة، فضلًا عن الهدف الأساسي الذي جاءت لأجله النقابات، ألا وهو الدفاع عن حق العامل بالسكن والاستشفاء والتعليم والطبابة وكل ما يقرره له قانون العمل من حقوق مشروعة.

لقد حوّلت الطبقة السياسية الحاكمة أقصى أحلامنا في هذا البلد إلى أن ينظر إلينا كإنسان له الحق في الحياة قبل كل شيء، الحياة المجبولة بكرامة العيش لا بالذل. واليوم ينتفض من تحت ركام القهر والألم صوت حق لعامل لولاه ما كان وطن، يصدح في آذان أسياد الفساد والظلم واعدًا اياهم بيوم حساب تتجلى فيه عدالة السماء بعد أن أطاحوا بجبروتهم عدالة الأرض.
وآخر الكلام يبقى تحية حبّ واجلال وتقدير لجباهٍ صبغتها الشمس بألوان الكدّ والتعب، ولأيادٍ نقش عليها الزمان حكايات نضالٍ وفخر.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد