في قلب المواجهات التقليدية، تخرج من عباءة الظل قوى جديدة تتقن فن التهديد اللامرئي. مجموعة “حنظلة”، المستلهمة من أيقونة النضال الفلسطيني، تدخل ميدان الحرب الرقمية لتُعيد رسم مشهد الصراع بوسائط غير تقليدية، محوّلة الإنترنت إلى ساحة قتال موازية.
تسريب الأسرار… الضربة في العمق
في نوفمبر 2024، أعلنت مجموعة “حنظلة” عن نجاحها في اختراق شبكة مرتبطة بوحدة الاستخبارات الإسرائيلية الشهيرة “8200”، ما أسفر عن سرقة أكثر من 40 تيرابايت من البيانات العسكرية الحساسة، شملت خططًا عملياتية ووثائق أمنية. لم يكن هذا الاختراق مجرد عملية تقنية، بل صفعة استخباراتية أعادت النظر في مزاعم “التفوق السيبراني” الإسرائيلي.
رسائل الرعب… كلمات تهزّ الأمن
في أبريل من العام نفسه، شنّت المجموعة حملة رسائل نصية استهدفت مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين، محذّرة من “اختراقات للرادارات” ومرسلة إنذارات صادمة تطالبهم بـ”تعديل أوضاعهم أو الهروب خلال دقائق”. لم تكن هذه الرسائل مجرّد بلاغات إلكترونية، بل أدوات نفسية لتقويض وهم الأمن وتهشيم الروح المعنوية.
اختراق المنشآت… الفصل الثالث من الصراع
في خريف 2024، أعلنت “حنظلة” أنها اخترقت أنظمة شركات إسرائيلية حساسة، منها “Vidisco” و”Israel Industrial Batteries”، مؤكدة زرع “أبواب خلفية” قابلة للاستخدام في عمليات لاحقة. ورغم أن بعض الجهات نفت صحة هذه الادعاءات، إلا أن التهديد بحد ذاته كان كفيلاً بخلق حالة من التوتر داخل البنية التحتية التكنولوجية الإسرائيلية.
لماذا “حنظلة” مهمّة؟
1. ترميز فكري للمقاومة: اختيار اسم “حنظلة” لم يكن صدفة، بل مقصودًا، ليربط بين الفعل الإلكتروني والمقاومة الفلسطينية، ما يمنح الهجوم طابعًا رمزيًا ومعنويًا قبل أن يكون تقنيًا.
2. ضرب الثقة المجتمعية: الرسائل الإلكترونية خلقت أجواء من الريبة والقلق لدى مواطنين يعيشون أصلاً تحت وطأة تهديدات أمنية متواصلة.
3. نمط جديد للحرب: لم تعد الحرب مقتصرة على الجبهات، بل أصبحت “المعلومة” و”الاختراق” أسلحة فتاكة في ميدان غير مرئي.
4. إنذار استراتيجي: الهجمات السيبرانية تشكّل جرس إنذار مبكر لقوى كانت تظن نفسها منيعة، وتكشف هشاشة التفوق التقني حين يُستخدم ضده.
5. تحطيم الأسطورة: “حنظلة” ضرب في عمق ما يُعرف بـ”مقابر الظن المزيّف”، أي تلك المساحات التي تنهار فيها أوهام الهيمنة والتفوّق.
الفتوّة ليست بالسلاح!
حين يُخترق الحصن الرقمي وتصبح الرسائل الإلكترونية أدوات ترهيب فعلي، تتجلّى حقيقة أن الأثر النفسي قد يفوق وقع القذائف. قراصنة “حنظلة” يرفعون راياتهم فوق شاشات العدو، لا بالسلاح، بل بعزيمة قادرة على كسر جدران الوهم.
وفي زمن تُدار فيه معارك كاملة من وراء الشاشات، يغدو السؤال مشروعًا: هل أضحت التكنولوجيا بوابة للانتصار النفسي قبل العسكري؟
قال تعالى:
“وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (سورة فصلت، آية 33).
فلا تستهين بما يُكتب بالأسلاك ويُنقل بالأسطر، فقد يكون خيطٌ رفيع كفيلًا بهدم صرحٍ عالٍ.
إن طريق الحرب السيبرانية لا يزال طويلًا. فهل تنجح إسرائيل في استعادة توازنها المعلوماتي؟
وهل يستمر “حنظلة” في صعوده كقوة ردع رقمية؟ وحدها الأيام ستُجيب… لكن المؤكّد أن الحرب لم تعد محصورة في الأرض، بل تدور رحاها في العقول أولاً.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.