تصنّف بعض الدول وفق المعايير الغربية إلى نامية وغير نامية، فهي إما على شكل مجتمعٍ بدائي، يعيش ناسه الفقر والحرمان وانعدام مستلزمات الحياة الضرورية، ويعاني أهله ويلات الكوارث والحروب، وإما مجتمع متحضّر، صناعي، يوظّف موارده، يحارب ويكافح الأمراض، وبالتالي تنخفض نسبة وفياته.
هكذا حدّد الغرب الدول، وجعل خطًّا وهميًا يفصل بين مجتمعاتها، ويفصل ناسها. ربّما أراد الغرب ذلك كي يسهّل تحديد النامي الاقتصادي فقط، وذلك عبر قراءة دولٍ ما عبر أرقامها، وما تضعه كل عام من ناتج.
كان أوّل من استعمل هذا المصطلح هو الرئيس الأميركي هاري ترومان، وذلك في العام ١٩٤٩م حينما خاطب العالم لمساعدة هذه الدول للخروج من الجهل والفقر. وقد عرّفها والت روستو بأنها البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية من أساليب الحياة التقليدية نحو أسلوب حياة حديث. كما اعتبرت الدول النامية دولًا تنتمي لدول العالم الثالث، وغير النامية تنتمي لدول العالم الرابع.
طبعًا عندما نقول تنميةً، ونموًّا، ودولةً ناميةً، فهذا يعني صعودها اقتصاديًّا، بمعزل عما إذا ما أصابها انعدام في التوازن النفسي لدى سكانها، أو تفشّى فيها الانحلال الأخلاقي، أو انهارت فيها الأحاسيس الإنسانية، أو اندلعت فيها نيران الحروب الأهلية، أو غرقت في طغيان الكفر ونبذ الدين.
قد تجد دولة نامية مثلًا، ترتفع معدلات نموها بحسب المعيار الغربي، ولكن أهلها طبقات! أو تزداد فيها معدلات الجريمة، ولذلك لا بدّ من التفريق بين النمو بالمعنى الكلّي والذي يساوق الكمال بمعنى وصول مجتمع ما لمدينته الفاضلة، وبين النمو الاقتصادي فقط، لأنّ الفارق كبير وعظيم.
الكمال هو مصطلح يتعلق بالبعدين الروحي والمعنوي لدى البشر، ويكون النمو المادي سبيلًا مساعدًا ولكن ليس هو كل شيء كما يصوّر الغرب، فالنمو المادي مساهم في تحقيق الاستقلال، وتأمين العدل والأمن.
نحن نرى اليوم في العالم كيف تقام الحروب، وكيف تتحلل الأخلاق، وكيف تميّع المعايير، لصالح المادة والاقتصاد. وهذا بعيد عن الرؤية التكاملية التي تجمع بين المادة والروح، إذ تجعل الاقتصاد وسيلة وليس غاية، وتجعله سبيلًا لحفظ النفوس ورفعها من الفقر والجهل كما عبّر ترومان.
وبناءً على ذلك كلّه، فإنّ الكمال مصطلح مرتبط بحركة شاملة وموصلة إلى الكمالين الثقافي والمعنوي؛ والنمو الاقتصادي وحده غير كاف.
وإذا ما صدق الغرب في ادعائه لتنمية الشعوب، فكان عليه أن يرسم لها مدرجًا يوضّح كيف تهتم بالجانب الروحي، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه! إذ قامت القواعد الغربية على المادة، وجعلتها الغاية، ولو على حساب الإنسان، الذي سرعان ما تحوّل إلى وحش.
يقول السيد مرتضى آويني عن هذا الأمر: قد يتساءل البعض عن الفرق بين أن تكون مكافحة الفقر أمرًا أوليًا وأساسيًا وبين أن تكون أمرًا ثانويًا وليست مطلوبة لنفسها؟ ويجيب: يكمن الفرق في أن الأمور الرئيسة أو الجوهرية هي التي تتشكل منها حركتنا وتوجهاتنا، وتشكّل الحجر الأساس لحياتنا ولأهدافنا، بينما الأمور الثانوية تصب في خدمة الأمور الرئيسية وتكون تابعة لها، وبناءً على ذلك، فإنّ المسؤولية الأساس للدولة الإسلامية هي تزكية نفوس المواطنين وتعليم المجتمع الفضائل والكمالات. لكن بما أنّ قضايا الفقر والفاقة وانعدام العدالة تشكل حاجزًا يحول دون تحقق هذا الهدف، فلا بدّ من أن تعمل الحكومة الإسلامية على حل هذه القضايا، وخلق بيئة مؤاتية وحاضنة للنمو الفكري والعقلي والمعنوي. ولهذا لا ينبغي لها توظيف الثقافة والعلم فقط في إطار إزالة الحرمان ومكافحة الفقر، وإنما في سياق هدف أسمى وأرقى يتمثل في تحقيق الكمال والكرامة الإنسانيين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.