في كلّ أزمة معيشية عامّة، تطفو على السطح ظواهر بعضها سلبيّ وبعضها إيجابي. وفي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن الظواهر السلبيّة من جشع التجّار وفضائح الاحتكار التي مسّت السّلع التي لا يُمكن الاستغناء عنها كالأدوية وحليب الأطفال والطحين، كانت ظاهرة التكافل الاجتماعي التي شهدتها بيئة المقاومة من أبرز الظواهر التي هوّنت الصّعب في الزمن الأصعب ولفتت أنظار العالم كلّه إلى جمال بيئة تقاتل بكلّ ما أوتيت من صبر ومن تضامن.
في الواقع، تتفاوت آثار الأزمة بين بيت وآخر وبين أسرة وأخرى، وإن طالت كلّ البيوت وكلّ الأُسر. فالأسر الميسورة الحال نسبيًا قبل الأزمة لم تتأثّر بمقدار ما تأثّرت تلك التي من قبل الأزمة حالها ضيّق. وبالحديث عن ضيق الحال، فهو يصبح أكثر إيلامًا في حالات المرض أو الطوارىء التي تستوجب حلولًا ذات تكلفة عالية يعجز عنها مَن بالكاد يستطيع تأمين لقمة العيش لأسرته يومًا بيوم.
وهنا بالذات حضر التكافل الاجتماعي بأشكال مختلفة:
قيام عدد كبير من الأشخاص بشكل دوري بتسديد فواتير “الدكاكين” العائدة لفقراء في شارع او في حيّ أو في قرية.
قيام عدد كبير من الأشخاص بوضع مواد عينية في المحال التجارية (خبز، حبوب، مواد غذائية) لكي يأخذ منها من يعجز عن تسديد ثمنها.
قيام عدد كبير من الأشخاص بتأمين حاجات أسرة واحدة إلى جانب أسرهم (أسرة قريب أو جار مثلًا). وهنا لا نتحدّث عن أسرة ميسورة تتكفل أسرة فقيرة، بل عن أسرة حالها أفضل بقليل من الأخرى لناحية المدخول المادي، تتقاسم هذا المدخول مع الأخرى.
المساعدات المادية والعينيّة التي يتكفّل مقتدرٌ تجاه عدد من الأسر في حيٍّ صغير أو في قرية. وتكون إمّا على هيئة مساعدة مالية شهرية أو إعاشات ومواد عينية يتمّ توزيعها دوريًا.
الحملات التطوعية التي يقوم بها أفراد عبر منصات التواصل لتأمين مواد محدّدة (دواء معيّن، أغراض منزلية ضرورية، ثياب شتوية…) لعائلات محدّدة وضمن حالات فردية ومباشرة ومثبتة، والتي يُعلن عن تأمينها فور حدوثه.
الحملات التطوعية التي يقوم بها جمع من الاشخاص بغية تأمين تبرعات مالية لتسديد أكلاف أعمال طبية كبرى كالعمليات الجراحية أو العلاجات الطويلة المكلفة ولا سيّما في ظلّ أزمة احتكار الأدوية والاضطرار إلى تأمينها أحيانًا من السوق السوداء أو من الخارج.
المبادرات التي تترافق مع مناسبات ومواسم محدّدة وتؤمن على سبيل المثال القرطاسية المدرسية أو الثياب الشتوية أو مواد التنظيف والتعقيم (في ظل جائحة كورونا) ليتم توزيعها على العائلات المتعفّفة وعلى المحتاجين.
الجمعيات المنظمة التي تؤمّن حصصًا غذائية وأدوية وتغطيات طبية بشكل دوريّ ولعلّ الأبرز من بينها جمعية “وتعاونوا” التي تغطي حالات كثيرة جدًا على مختلف الأراضي اللبنانية.
التكافل الاجتماعي المشهود الذي ترافق مع الأزمة واستمرّ رغم اشتدادها كان ولا يزال سلاحًا في المواجهة الاقتصادية والمعيشية التي نخوضها في كل يوم والتي تزداد مفاعيلها وتأثيراتها مع كلّ صباح. وهو لم يشكّل فقط سندًا ماديًا للكثير من الأسر التي هوت تحت خطّ الفقر وتميّزت بالصبر وبالصمود، بل يشكّل أيضًا رافعة معنوية وصورة واضحة عن هويّة بيئتنا التي لا يدخل الاستسلام والاستعطاف إلى قائمة خياراتها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.