في حادثة ليست الأولى من نوعها، تخرق قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان، البروتوكول المعتمد في تنقلها بين المناطق، خصوصاً تلك الواقعة شمال نهر الليطاني، ما يثير عادة حفيطة أهالي المنطقة ويستفزهم.
ردود الفعل الرسمية على حادثة العاقبية الأخيرة جاءت متباينة الى حد بعيد، حيث اعتبر بسام المولوي، وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، أن ما حصل هو جريمة، مستبقاً كل التحقيقات، معتبراً أن “العيش بنص دولة وشرعيتين أمر غير ممكن”، في إشارة واضحة منه إلى مسؤولية حزب الله عن الحادثة، متناسياً خرق دورية اليونيفيل لكل البروتوكولات والاتفاقات الدولية بما يخص طريقة عملها وتنقلها وعدم مرافقة آليات الجيش اللبناني لها في تلك الليلة، ما يطرح علاملات استفهام حول حركتها المريبة.
أغفل وزير الداخلية، الإهانة التي وجهتها اليونيفيل إلى الجيش اللبناني عندما قررت العمل بمعزل عن التنسيق معه، الأمر نفسه انسحب على “جوقات التطبيل” القواتية والكتائبية ورفاقهما، فاستغل سياسيون وناشطون الحدث للتصويب على حزب الله، في إشارة الى أن منطقة الحادث تقع تحت نفوذه. ورغم أن هؤلاء أسقطوا أسئلة كثيرة عن سبب حركة اليونيفيل المريبة في تجاوزها لكل القواعد المتبعة في عملها، اعتبرت قيادة اليونيفيل العاملة في الجنوب، أن الحادث غير مقصود أو مدبّر، وتتنظر استكمال التحقيقات لانجلاء حقيقة ما حصل.
في حين اعتبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، أن الحدث لا علاقة له بحزب الله لا من قريب أو بعيد، وقدّم واجب العزاء للكتيبة الإيرلندية التي ينتمي عنصر اليونيفيل القتيل إليها.
المشهد اليوم يوضح الانقسام الكبير في تحديد الاتجاهات السياسية، في حين يُغلق الجميع أعينهم عن اعتداءات كيان الاحتلال اليومية برًا وبحرًا وجوًا على لبنان، وتغيب التصريحات الرسمية وبيانات الاستنكار، انبرى فريق سياسي لتقديم فروض الطاعة، ليس حبًا بقوات اليونيفيل، إنما بغضاً بسلاح وجد لحماية لبنان ومن استغلال سيادته لخدمة أعدائه.
إلا أن المشهد، وعلى الرغم من فوضويته، لا بد أن يثير الكثير من الأسئلة، خصوصًا لجهة تكرار تجاوزات قوات اليونيفيل لقواعد عملها المعتادة في منطقة تواجدها. وإذا نحّينا جانبًا الحديث عن عشرات الضحايا المدنيين من أهالي الجنوب الذي يسقطون تباعًا، دهسًا تحت عجلات آليات اليونيفيل، وبشكل صار متكررًا في الآونة الأخيرة، لا يمكن إغفال المحاولات الحثيثية التي باتت واضحة، وتقوم بها جهات دولية بمعاونة أطراف لبنانيين، لوضع اليونيفيل في مواجهة دائمة ومستمرة مع البيئة التي تعمل فيها، تحضيرًا لأرضية مناسبة لإطلاق موجة المطالبات بتغيير قواعد عملها وتفعيل البند السابع الذي يتيح لها القيام بمهام أمنية وعسكرية، لا يخفى على أحد استفادة العدو الإسرائيلي منها.
تهريب مجلس الأمن قرار تمديد عمل قوات اليونيفيل لعام واحد، في أيلول الماضي، مع إضافة بند يتحدث عن عدم الحاجة إلى إذن مسبق لأداء مهماتها، شكّل إهانة واضحة لدور الجيش اللبناني أولًا وأخيرًا، رغم “التطمينات” التي حاولت قيادة اليونيفيل تمريرها بالقول إنها لن تتحرّك بمعزل عن التنسيق المسبق مع الجيش. إلا أن “النيّة” المبيّتة لليونيفيل ومَن خلفها من دول تتضّح أكثر في كل مرّة تتجاوز فيها هذه القوات دورها وخطّ سيرها.
وعليه، يجب على المسؤولين اللبنانيين، وبخاصة أولئك الذين يعملون كـ”ندّابة مستأجّرة” لدى الخارج، أن يعوا حقيقة ثابتة لا مساومة فيها وعليها، بأن هدف تحويل اليونيفيل في جنوب لبنان إلى ذراع إسرائيلية لا يمكن تحقيقه، إذ لا يمكن لـ”الأهالي” بأن يسمحوا للعدو عبر اليونيفيل، بتحصيل ما عجز عن تحصيله بالعدوان والنار، ولا يمكن لهم أن يتساهلوا مع مشاريع دفعوا سابقًا دمًا غزيرًا وغاليًا في سبيل إسقاطها، وهم على أهبة الاستعداد لمواصلة تقديم ما يلزم تقديمه إنْ لزم الأمر.
التعليقات مغلقة.