مرّت الأيام الثقال على العراق وشعبه، على أمل ألّا تعود ثانية. لكن هذه التجربة على الرغم من صعوبتها، وعلى الرغم من الدماء التي سالت فيها، تصلح لأن تكون محطة لاستخلاص العِبَر والتأسيس لمرحلة جديدة من العمل السياسي في العراق وفق آليات أكثر ديناميكية.
يعرف الجميع، في العراق وخارجه، أن الثلم الأعوَج من الثور الكبير، والثور الكبير هنا هو الاحتلال الأميركي الذي أسّس لكل هذا الخراب والفوضى في العراق من خلال فرضه دستور محاصصة يولّد الأزمات ويتناسل العقبات التي تؤدي في الغالب إلى انسداد الأفق أمام الساسة والأفرقاء العراقيين.
تجربة الساعات الـ48 الدموية التي شهدتها بغداد وبعض المدن العراقية، من فوضى واحتكام إلى السلاح، نتيجة تعطّل الحلول السلمية وفشل كل المبادرات لتقريب وجهات النظر بين السيّد مقتدى الصدر والمكوّنات الأخرى المنضوية تحت لواء الإطار التنسيقي، تشكّل مناسبة هامة لقراءة المشهد من بعيد وبتأنٍّ.
لم يكن الأداء الإعلامي الذي أدّته الماكينة الإعلامية الخليجية والأميركية، ومعها عشرات الكتّاب والناشطين، سوى ميزان قياس لمدى رهان هؤلاء على الفتنة في العراق من أجل فرض مشروع التطبيع على أشلاء البلاد وقواها السياسية ومصالح شعبها. وهنا لا بدّ من التنويه بخطوة السيّد الصدر التي فوّتت على أولائك فرصة الرقص على جثث العراقيين. ولا بدّ أيضًا من مناشدته المضيّ قدمًا في سياسة سدّ الثغرات التي ينفذ منها الطامعون بالعراق ومكانته وموقعه ودوره وثرواته. والدعوة موصولة أيضًا لمكوّنات الإطار التنسيقي من أجل احتواء التيار الصدري وعدم عزله، بل وعدم القبول باعتزال زعيمه. فالعراق اليوم بأمسّ الحاجة إلى توافق الجميع على صيغة مناسبة لحكم البلاد.
قد يجادل البعض في ماهية الصيغة المطلوبة للحكم، خصوصًا بعد ما جرى ويجري، وبعدما نبت العشب بين أطراف العملية السياسية. هذا أمر متروك للعراقيين أنفسهم، أن يقرروا الصيغة المناسبة، أكانت حكمًا جماعيًا أم توافقيًا أم حكومة ومعارضة، المهم بالنسبة للعراقيين ومعهم العرب الحريصون على العراق ودوره، أن تصعد بغداد أعلى المنصة بين دول المنطقة، لأن هذا هو دورها الطبيعي، وهذا هو أملنا وحلمنا، لا أن تبقى رهينة بضع دول رهنت حاضرها ومستقبلها ومصالح شعوبها للمشروع الأميركي – الإسرائيلي.
العراق يمتلك الإمكانيات والمؤهلات لأن يقود ولا يقاد، أن يجمَع ولا يُجتمع عليه، أن يعمّ خيره على الجميع لا أن تضع واشنطن خيراته على مهدافها لتمويل حروبها حول العالم ولا لسدّ نقص في موارد الطاقة بسبب مغامراتها الاستعمارية في مشارق الأرض ومغاربها. دعاؤنا للعراق دومًا أنْ كُنْ بخير.. لنكون.
التعليقات مغلقة.