قبل عام تمامًا، كان موعدنا، نحن فريق “الناشر”، مع إطلاقة الموقع. في حينه، لم نتورط في توقعات خيالية عن إمكانية نجاحنا كفريق في خوض غمار الإعلام الإلكتروني، لكننا كنّا على ثقة تامة بجدوى المحاولة وبإمكانية تحقيق ما نتوخّاه من “الناشر”.
قبل عام، كما الآن تمامًا، كانت بلادنا، ولا تزال، تعجّ بالأحداث المتلاحقة والمتواصلة، وكذلك كان، ولا يزال، فضاؤنا الإلكتروني يعجّ بالمواقع الإلكترونية الإخبارية والتحليلية، منها ما هو سياسيّ محليّ ومنها ما يتوسّع ليحلّل سياسات الإقليم والعالم، ومنها ما هو ذو طابع اقتصادي أو اجتماعي أو تثقيفي أو جامع، ومنها ما هو رديف للصحافة الصفراء.
في زحمة الأحداث والمواقع، لم يكن خيار اطلاق موقع الكتروني مختلف إلى حد بعيد عن السائد والموجود بكلّ أنواعه ومستوياته خيارًا سهلًا. وفي الوقت نفسه لم يكن مشقّة ندّعي تحمّلها أو التضحية فيها. ببساطة، كان ولا يزال بالنسبة لنا خيار الضرورة، الضرورة التي تتمثّل بصناعة منصّة موثوقة، واضحة الخطوط، تحافظ على مصداقيتها بعدم الوقوع في أفخاخ “السبق الصحفي”، تلامس اهتمامات الناس في قالب بسيط وغير مزدحم بالكثرة إخباريًا وتحليليًّا.
وحين نتحدث عن اهتمامات الناس، ينبغي أن نؤكد أن معيار فهمها وتحديدها ليس بأي حال من الأحوال “ما يطلبه المشاهدون”، وكذلك معيار مقاربتها ليس “الرايتنغ” أو رفع أعداد المشاهدة بالعناوين الملتبسة والصور التي لا تمتّ للمضامين بصلة. اهتمامات الناس، محليًّا واقليميًا وحتى على مستوى “الدوليّات” تُحدّد وتقاس بوزن الموضوع المطروح وتأثيره على يومياتنا وعلى خياراتنا الأساسية. وبالتالي، لم يكن يزعجنا مثلًا أن نرى في بعض المواقع الإلكترونية تحت عنوان “الأكثر قراءة” عنوانًا كتعثّر الفنان الفلاني على المسرح أو بيع فستان فلانة في مزاد علنيّ، بل كان يحفّزنا نحو ضرورة احترام عقل القارىء والمتابع، بمواجهة موجة تسطيح العقول وتسخيف الاهتمامات، حتى وإن كان القارىء معارضًا لما نكتب حتى قبل قراءته.
بعد عام على انطلاقتنا، يمكننا كفريق أن ندّعي أنّنا حققنا ما خطّطنا له في عامنا الأول: وضعنا حجر الأساس المتين لموقع إعلامي يحترم الناس واهتماماتهم. استطعنا تخطي الكثير من المعوقات المادية واللوجستية في سبيل الاستمرار دون الخضوع مرة لما قد يحقق لنا انتشارًا سريعًا على حساب قناعاتنا والأساسيات التي نؤمن بها في ساحة الإعلام الإلكتروني. قاربنا مختلف المواضيع والأحداث من زوايا مختلفة، وحافظنا على الموضوعية التي لا تحايد، وعلى الموقف الموثّق والواضح الذي لا يساوم، وعلى قدرة استيعابية لمختلف “الخضّات” التي تمرّ بها البلاد ونمرّ بها حكمًا كأفراد وكفريق.
هذا التقييم الذاتي لمسار عام كامل من التجربة ليس شهادة “أم العروس ببنتها”، بل هو نتاج تراكم من النقد الذاتي الذي لا نرضى بأن يكون جلدًا للذات ولا إعجابًا بها، إنّما نريده ليكون محطة نعيد فيها شريط المسار كاملًا للتصويب حيث يجب التصويب، وللتكثيف حيث ينبغي التكثيف.
يجيب “الناشر” عن سؤال من نحن بـ: “في عالم مليء بالأحداث والتطورات المتسارعة، وحيث صارت للكلمة منابر كثيرة، جاءت تجربة “الناشر” لتملأ الفراغ الناتج عن الصراع بين الخبر (السكوب) والتحليل، لتلعب في الحيّز الفاصل بين ما قبل الخبر وما بعده”.
بعد عام على البدء، وما زلنا في طور البدايات، يمكننا القول إنّنا على الرغم من الصعوبات المرافقة للإعلام الإلكتروني، وفي خضمّ الضجيج الكلامي المتواصل في هذا المجال بالذات، استطعنا عبور عامنا الأول وإضاءة شمعتنا الأولى بوفاء تام لكلمتنا التي بها أطلقنا الموقع: “ما قبل الخبر وما بعده”.
التعليقات مغلقة.