يحتلّ ملف ترسيم الحدود البحرية واستخراج النفط حيّزًّا واسعًا في اهتمامات المتابعين والمعنيين بالملفّ بمختلف مستوياته الوطنية والسياسية والاقتصادية. فما نقل عن محتوى رد هوكشتاين الأخير في نهاية الأسبوع الماضي يشكّل انتصارًا للبنان الرسمي ما كان ليتحقّق لولا قوّة المقاومة. بغض النظر عن جنوح البعض إلى الغرق في الانهزامية ذات البعد الأنجيئوزي ونكران النصر الذي تحقّق، نظريًّا على الأقل، على سبيل النكاية بالطهارة.
ومع رصد وتتبّع أصداء الموضوع في الداخل الصهيوني، يمكن ملاحظة الإجماع على اعتبار الشروط التي وافق عليها كيان الاحتلال نوعًا من الخضوع لتهديدات المقاومة: منهم من أوجعته هذه الهزيمة كنتنياهو فاعتبر نفسه غير ملزم بما توافق عليه حكومة كيانه الحالية، ومنهم من اعتبر أن ذلك أفضل الممكن في ظل التهديد الذي تشكّله المقاومة.
أما إذا اعتمدنا تقنية الرصد نفسها في الأوساط المحلية اللبنانية، فيمكن ملاحظة انقسام الرأي اللبناني، كالعادة، بين متريّث بالحكم واثق بالمقاومة ومبتهج بقدرتها على تحقيق الردع وحماية الحقوق، وبين مهزوم يحاول صياغة هزيمته وتصويرها وكأنها هزيمة لبنانية، علمًا أن شعوره هذا نابع حكمًا من ولائه الفعلي أو الظرفي للعدو الصهيوني ومصالحه.
هذا القسم ينقسم بدوره إلى:
- مزايد يضرّه أن يُنسب إلى المقاومة وحزبها نصر جديد، فيهرع تارة إلى المزايدة عليها على قاعدة أن الترسيم بحدّ ذاته هو تطبيع، كما قيل يومًا إن التفاوض غير المباشر لتبادل الأسرى هو تطبيع.
- بوق يقوم عمله على التوهين بأي إنجاز يتحقّق لبنانيًا، والتشكيك به لغايات تتعدّد بتعدّد اتجاهات الأبواق، والتي بعضها يظهر تحت صفة “خبير بترولي” أو “أخصائية نفطية”.
- مريض بالانهزامية لا يستطيع عقله أن يستوعب فكرة أن تنكسر “اسرائيل” بغض النظر عن توصيفه لنظرته نحوها، أي بغض النظر إن كان يعتبرها، في أدبياته، عدوًّا أو “جارة” بحكم الأمر الواقع أو دولة صديقة يسعى للسلام معها.
في الواقع، بدا هؤلاء أشبه بجوقة جمعت الجهل بالتجهيل، والسطحية بالتسطيح، و”التنقير” بالمزايدة، وغلبهم حسّهم المهزوم فما استطاعوا حتى تمويه خيبتهم أو تجميلها ولو بانتظار رأي لبنان الرسمي بورقة هوكشتاين الأخيرة.
إلى أن “يبان المرج”، وحتى بعدها، سيظل هؤلاء غارقين في حالتهم الإنكارية الموجّهة والمدفوعة سلفًا في غالب الأحيان، ويبقى الجانب المشرق في الأمر أن الوقائع والمسارات الكبرى لا تنتظرهم ولا تتوقف عليهم. جميعنا يعلم ذلك، وهم يعلمونه أيضًا، ولكنّهم لا يمتلكون خيار التوقّف عن الهراء فهو ميدانهم الأوحد وساحة عملهم الدائم.
التعليقات مغلقة.