الطقسُ صافٍ هذا الصباح، ورائحة الحرية التي تنبعثُ من مجرى نهر الكلب تفوح في أرجاء البلاد. أخيرًا، عشنا هذه اللحظة التاريخية التي لا بد ستسجلها ذاكرة الحضارات على كوكب الأرض، كي تتناقلها الأجيال وتتعلّم كيف تتحرّر الأوطان من الاحتلالات غير المرئية وغير المحسوسة وغير الموجودة أصلًا.
نعم، نعم، لقد فعلها الشعب العنيد وحقّق ما لم يتمكن عاقل من تحقيقه على مرّ الأزمنة والعصور. من على منصة نهر الكلب كتب التاريخ كلمته، ومشى، معلنًا جلاء إيران عن لبنان. ومشينا في المدن الفينيقية، نقطف عن الشواطىء صدف الأرجوان، وبعض الحروف الأبجدية الأولى التي تركها لنا الأجداد في فينيقيا، وللمرة الأولى لم نخضع خلال تجوالنا للتفتيش على المعابر الإيرانية، ولم يوقفنا عسكري يتحدّث بالفارسية ليسألنا عن وجهتنا، وكذلك لم نضطر إلى ارتداء “التشادر” الإيراني، رجالًا ونساءً، خلال ذهابنا إلى المقاهي التي لطالما اجتمع فيها الثوار، صانعو مجد التحرّر من الاحتلال الإيراني.
للمرّة الأولى، ومنذ أن تناهت إلى مسامعنا أخبار إزاحة الستار عن لوحة الجلاء الجديدة على نهر الكلب، أمكننا أن نذهب عميقًا في الشعور بالراحة بعد تعب السنين، وأن نغفو مطمئنين إلى مستقبل أطفالنا، وهم ينعمون باللمسات الفنية التي تضعها دوروثي شيا على الكمامات الوطنية، وأن نحلم، بحريّة تامة، بحقّنا في البوح بهلوساتنا التي تموّلها السفارات. لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية. هرمنا كي نرى نوفل ضو المسكين الذي جرى التحقيق معه في أقبية تويتر وتهديده، حرًّا بطلًا عائدًا على صهوة تغريدة لا تقلّ أهمية عن لوحة الجلاء العظيم. هرمنا كي نشاهد بأم العين كيف البديل يجبر مواطنيه ومواطناته على مشية البطة لمسافة ١٠٤٥٢ متر ذهابًا وإيابًا تأديبًا ونصحًا بسبب ارتكابهم فعلة “سلامتك” للخصم.
هرمنا، وشهدنا كيف يكون “العقل زينة”، وكيف تخلى الثوار عن زينتهم من أجل القضية.
الطقس لطيف هذا الصباح، والشمس ساطعة، و”الناس قاشعة”، فـ”يا رب ثبّت علينا العقل والدين”.
التعليقات مغلقة.