إسماعيل ديوب | خاص الناشر
تعتبر الصين واحدة من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، ولها مصالح إستراتيجية معقّدة في “الشرق الأوسط”، تتكشف بوضوح في علاقتها مع إيران، فعلى الرغم من أنها لا تقف بشكل صريح إلى جانب إيران في صراعها مع “إسرائيل” من حيث الدعم العسكري المباشر، إلا أن موقفها يبرز بجلاء في إطار علاقاتها الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية مع طهران. وفي هذا السياق، يمكن توضيح موقف الصين من خلال عدة نقاط رئيسية.
أولًا: المصالح الاقتصادية والطاقوية
تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، حيث تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الأجنبية لدفع عجلة نموها الاقتصادي المتسارع. في هذا الصدد، تأتي إيران كمصدر مهم للنفط الخام، خاصة في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، هذه العقوبات أدت إلى جعل النفط الإيراني أقل تكلفة، مما يمنح الصين فرصة استغلاله وجعلها تعتمد عليه بشكل أكبر. لذا، فإن الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران يعد أمرًا حيويًا لضمان تدفق الطاقة، مما يضمن استمرارية النموّ الاقتصادي للصين.
ثانيًا: المصالح الجيوسياسية
تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها في منطقة “الشرق الأوسط” كجزء من إستراتيجيتها العالمية في مواجهة الهيمنة الأميركية، وتعتبر إيران لاعبًا رئيسيًا في هذه الديناميكية، حيث تشكّل خصمًا للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
إن العلاقات الصينية – الإيرانية تعكس رغبة الصين في إيجاد توازن إستراتيجي يعزز من موقفها الإقليمي والدولي، فمن خلال دعمها لإيران، تتمكّن الصين من تعزيز موقعها كقوة مؤثرة في “الشرق الأوسط” وتوسيع شبكة علاقاتها مع دول المنطقة.
ثالثًا: التعاون السياسي والدبلوماسي
لا تقتصر مصالح الصين مع إيران على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تشمل أيضًا التعاون السياسي والدبلوماسي. تعمل الصين على دعم إيران في المحافل الدولية من خلال التأكيد على السيادة الوطنية واحترام حق الدول في تقرير مصيرها، كما تمثل الصين شريكًا دبلوماسيًا لإيران في مواجهة الضغوط الغربية، مما يعزز من قدرة طهران على التعامل مع التحديات الدولية.
رابعًا: توازن العلاقات الدولية
في الوقت نفسه، تتمتع الصين بعلاقات مع أطراف أخرى في المنطقة، بما في ذلك دول الخليج العربية و”إسرائيل”. لذلك، تجد الصين نفسها في موقف يتطلب منها توخي الحذر في إدارة علاقاتها، فالصين تدرك أن دعمًا عسكريًا مباشرًا لإيران قد يؤدي إلى ضرب شبكة علاقتها في المنطقة، وبالتالي يمكن أن يؤثر سلبًا على مصالحها الاقتصادية. لذلك، تتبنّى الصين موقفًا أكثر تحفظًا، يركز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع جميع الأطراف.
خامسًا: الرؤية المستقبلية
تتطلع الصين إلى دور أكبر في تشكيل النظام العالمي، وتعتبر الشرق الأوسط جزءًا حيويًا من رؤيتها لمستقبل متعدد الأقطاب، حيث تسعى بكين إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال الدبلوماسية والحوار، وتجنب الانخراط في صراعات مباشرة قد تهدّد مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية. في هذا الإطار، ترى الصين في علاقتها مع إيران رافعة لتعزيز نفوذها الدبلوماسي، وتقديم نموذج بديل عن الهيمنة الغربية، مع التأكيد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
هذا الموقف يعكس إستراتيجية صينية طويلة الأمد تهدف إلى بناء شبكة من الشراكات التي تدعم مبادرة الحزام والطريق وتضمن أمن الطاقة، مع الحفاظ على مسافة من التوترات العسكرية المباشرة.
في الختام، يتضح أن موقف الصين تجاه الصراع بين إيران و”إسرائيل” ليس انحيازًا عسكريًا مباشرًا، بل هو نتاج لمجموعة معقّدة من المصالح الاقتصادية، الجيوسياسية، والدبلوماسية، تسعى الصين إلى تحقيق التوازن بين ضمان تدفق الطاقة من إيران، وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط كقوة عالمية، مع الحفاظ على علاقات مستقرة مع جميع الأطراف الإقليمية الرئيسية.
إن إستراتيجية بكين ترتكز على مبدأ عدم التدخل والدعوة إلى الحلول الدبلوماسية، مما يسمح لها بتعزيز مصالحها دون الانخراط في الصراعات المباشرة، وهذا النهج يعكس رؤية الصين لمستقبل عالمي متعدد الأقطاب، حيث تلعب الدبلوماسية الاقتصادية دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الإقليمي والدولي، بعيدًا عن الانحيازات التقليدية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.