بعد 9 سنوات على نجاح فرنسا في منع وصول الجهاديين إلى العاصمة المالية باماكو، يبدو جليًا الآن أن باريس خسرت هذه الحرب إستراتيجيًا وسياسيًا، فكيف يمكنها التخلّص من هذا الفخ؟
بهذه المقدمة بدأ الكاتب نيكولا بافاريز مقالًا افتتاحيًا لمجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية، ذكّر في بدايته بقول منظر السياسة الواقعية نيكولو مكيافيلي بأننا “نعلن الحرب عندما نريد، وننهيها عندما نستطيع”.
وانطلاقًا من تلك القاعدة، يرى بافاريز أنه لم يعد أمام فرنسا الآن من خيار سوى الخروج بأسرع ما يمكن من الفخ الذي هي فيه الآن في مالي، إذ إنها عالقة في مرمى نيران المجلس العسكري الحاكم والسكان المحليين والجماعات الجهادية، “فكل هؤلاء متحدون اليوم في كراهية بلدنا”، على حد قوله.
ولئن كانت فرنسا تحافظ على تفوق عسكري في منطقة الساحل، حسب بافاريز، ولئن كانت حققت نجاحات ملحوظة ضد الحركات الجهادية، فإنها خسرت إستراتيجيًا وسياسيًا.
وتتجلى تلك الخسارة، وفقًا للكاتب، في فشل باريس ميدانيًا في منع الحركات الجهادية من تمديد عملياتها إلى خليج غينيا، من ساحل العاج إلى شمال بنين، كما أنها لم تتمكن من الحؤول دون تنامي المشاعر المعادية لفرنسا بين الشعوب الغاضبة بسبب تراكم الضحايا واللاجئين.
وأوضح بافاريز أن الوضع في مالي تغيّر فجأة، فأصبح من المستحيل “مواصلة مشاركتنا العسكرية”، حيث أدّت سلسلة من الانقلابات إلى استيلاء المجلس العسكري بقيادة العقيد غويتا على السلطة، الذي رفض تنظيم الانتخابات المقرر إجراؤها في شباط الجاري وتأخيرها لمدة 5 سنوات أخرى على الأقل.
وأشفع غويتا ذلك القرار بالمطالبة بمراجعة الاتفاقيات الدفاعية الموقعة بين باريس وباماكو يوم 16 تموز 2014، كما قرر تقييد التحركات الجوية الضرورية لتأمين ما تحتاجه القوات الفرنسية والأوروبية من خدمات لوجستية، ناهيك عن دعوته مرتزقة فاغنر الروس الذين يتولون اليوم تأمين العاصمة باماكو، حسب بافاريز.
ولفت الكاتب إلى أن التوترات بين باريس وباماكو وصلت إلى نقطة الانهيار بعد قرار المجلس العسكري بطرد السفير الفرنسي يوم 31 كانون الثاني الماضي، كما أن تضليل الدعاية الروسية دفع الماليين إلى ما يشبه “الهوس العدائي تجاه فرنسا، وهو ما عكسته المظاهرات التي نُظمت لمنع إمداد قواعدنا”، على حد تعبيره.
وبالتزامن مع ذلك، يقول الكاتب أصبحت البيئة الإقليمية والدولية أكثر اضطرابًا وعنفًا وأصبحت غير مواتية لفرنسا، خصوصا بعد أن تسبّب الضغط الجهادي في سلسلة من الانقلابات حوّلت دول الساحل إلى منطقة يحكمها الجنرالات والعقداء، فبعد أن كانت شعوبها تتوق للديمقراطية والحكم المدني ها هي اليوم، تحت هول صدمة دوامة العنف، تؤيد مصادرة السلطة من قبل الضباط الشباب الذين يغرونهم بخطابهم القومي والمناهض للاستعمار.
وبالتوازي مع ذلك تواصل الولايات المتحدة انسحابها تاركةً المجال للصين من الناحية الاقتصادية، وللروس من الناحية العسكرية، ولتركيا من الناحية الدينية.
وفي ظل هذا الجو غير المواتي، لم يعد أمام فرنسا من خيار سوى الانسحاب من مالي. فهي تجد نفسها اليوم معزولة تمامًا في مواجهة كره السلطات والسكان لها، والبيئة الإقليمية المتدهورة، والنجاح المتزايد للنموذج الروسي القائم على الاستخدام الجامح للقوة والافتراس، وفك الشركاء الأوروبيين مثل السويد ارتباطهم بعمليات الساحل، وانسحاب الدانمارك من قوة تاكوبا في مواجهة استمرار الاستفزازات من المجلس العسكري.
وختم الكاتب بمزيد من الحث على الخروج من فخ مالي، مؤكدًا أن القرار هو الآن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى في ظل تزايد التهديدات المباشرة في القارة الأوروبية، القادمة من قوى تسعى لبناء مناطق نفوذ خاصة بها بالابتزاز والقوة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.