صورة واحدة من بلدة “شقرا” بالأمس اختصرت كلّ ما يمكن أن تقوله الأفلام الوثائقية المحترفة عن ثقافة الناس في قرى الحدود، وبشكلّ أعم عن ثقافة بيئة المقاومة، وبشكل أشمل، عن ثقافة الحياة.
ناس وحجارة بمواجهة اعتداء مزدوج قامت به اليونيفيل، تمثّل بتصوير وتحديد موقع في البلدة ثم بصدم شابين اعترضا على ما ترتكبه الدورية قبل أن يحاول عناصرها الهرب والاحتماء داخل سياراتهم بعد أن تجمهر أهل البلدة لتأديبهم على الفعلتين.
وثّقت الڤيديوهات والصور الحادثة، واحتلت صورة منها مواقع التواصل، فتى وحجر وسيارات مشبوهة بغطاء “يونيفيل” وتحركات تشبه تحركات اللحديين ودوريات جيش العدو أيام الاحتلال.
المشهد ليس عاديًا. ليس مجرّد سوء تفاهم تطوّر إلى عراك بين طرفين؛ ففي المشهد ثقافة الأمن المقاوم الذي يجعل من كلّ فرد مسؤولًا عن منع أي اختراق معادٍ، وفي المشهد ثقافة العزّة المقاومة التي ترفض الخضوع لبروتوكولات مشبوهة مغطاة برداء الأمم. في المشهد أحرار لا يقبلون بانتهاك لسيادتهم، أيًّا كان فاعله.
في المشهد مستقلون لا ينتظرون إشارة سفارة من هنا أو مموّل من هناك كي يبدوا رأيًا جذريًا في حدثٍ ما. ناس عاديون، مجبولون بالكرامة، بثقافة المقاومة التي لا تنحصر في ميدان القتال، بل تحيل كل الميادين ساحات مواجهة مع المعتدين. ناس قد يختلفون في آرائهم السياسية، في توجهاتهم الفكرية، في انتماءاتهم الحزبية، منهم الفقراء الذين ترتجف بيوتهم بردًا، ومنهم الميسورون الذين ما زالوا قادرين على تأمين كفاف حياتهم، منهم المتعلمون ومنهم من لم يتعلموا، منهم من اغترب وعاد، ومنهم من لم يعرف إلا تراب الحدود بلادًا، وجميعهم، في لحظة مواجهة مع الاعتداء، كانوا واحدًا، والحجارة في أيديهم ما كانت إلا من صخرة جنوبية واحدة، والثقافة التي حملوها زادًا ليست إلّا ثقافة الحياة التي هزمت المحتل وعملاءه، والتي لفظت كلّ حالة غريبة عنها، والتي صنعت، ممّا صنعت، تاريخ البلاد ومستقبلها.
التعليقات مغلقة.