ترند الوضع المعيشي “عند النخب” في لبنان

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

وفجأة، غاب الحديث عن الازمة التي تعصف بلبنان، لا كلام عن الدولار، ولا عن ارتفاع اسعار البنزين، ولا عن احتجاز اموال المودعين ولا عن قيمة الرواتب المتدنية. فأين ذهب الحديث عن كل هذه المصائب؟

كان واضحًا لأي مراقب منذ انكشاف الازمة المالية والاقتصادية عام ٢٠١٩، أن اللبنانيين سيعانون سنين عجافًا، وسيصلون الى ايامٍ صعبة، يخشى بعض المراقبين الاقتصاديين أن لا يكون شكلها الحالي هو الاسوأ، انما ما ينتظر اللبنانيين سيكون اصعب من ذلك بكثير.

لكن، ثمّة سؤال يطرح عند كل حدثٍ مفصلي، يرتبط بتزامن الاحتجاجات مع استحقاقات سياسية، إذ إن الوضع المعيشي للناس عند تولي الرئيس السابق حسان دياب لم يكن في هذا السوء الذي وصلنا اليه اليوم، ورغم ذلك، كانت الاحتجاجات تعم الارجاء، قطع للطرقات، وتنفيذ تحركات، واحاديث صاخبة بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. اما اليوم فما الذي تغيّر؟

قد يربط البعض النتيجة بحالة الاستياء التي وصل اليها اللبنانيون، وقد يستنتج بعضٌ آخر ان “الحاكم” رياض سلامة كان محقًّا في تصوره أن الناس تعتاد، هو قالها بصراحة “بكرا بيتعودوا”.

غير أن استنتاجًا ثالثًا يمكن تلمسه بقليلٍ من الربط، خصوصًا بنظرة بانورامية للتغطيات الاعلامية والمقابلات التلفزيونية وتعليقات “النخب” على مواقع التواصل الاجتماعي، فهؤلاء يتحدثون باسم فقراء لبنان، ينقلون شكواهم واوجاعهم، لكن هل حقًا هؤلاء منهم؟ الجواب الواضح أن لا، فقراء لبنان يئنون بصمت. لا منبر لهم، وحتّى إن وجد، فلن يكون بعيدًا عن اجندات الاستثمار بآلامهم. كل شيء يتلاشى مع اطفاء كاميرا المراسل وقطع البث. اتذكرون حالات الفقر التي فتحت لها الهواء خلال احتجاجات السابع عشر من تشرين من العام ٢٠١٩؟ اين هم الآن؟ لا احد يعلم عنهم شيئًا. الذي كان مطلوبًا يومها قد تمّ على اكمل وجه.

قد يعتبر قرّاء هذه الافتتاحية ان هيئة تحرير الناشر منفصلة عن الواقع، لكن هل يدري أحد -أيُّ أحد- اين هو الواقع؟ الواقع الحقيقي لا ذاك الذي تنشره النخب عند الحاجة. بالامس فقط، كانت النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي حول من يستأهل أن يُمنح حرية الرأي والتعبير، الكوميدي حسين قاووق الذي مسّ فئة من الناس بكرامتها حين صوّرها أنها “تُجّار أزمة” ام الاعلامية في جريدة الاخبار زينب حاوي التي كتبت ما عليها أن تكتب، وهي العاملة في قسم النقد الاعلامي في الجريدة؟ مع من الحق؟ من يحق له التعبير ومن له الحرية؟ الجواب ليس مهماً عند سائقي التاكسي الذين يستغرقون في حساب صافي الارباح بعد اختزال سعر ٣٠٠ الف ليرة لصفيحة البنزين الواحدة.الجواب ليس مهماً لدى من لم يتكيّف بعد على قبول ارتفاع سعر ربطة الخبز الى ٨٠٠٠ ل.ل. ايعتقد احدٌ فعلًا أن مرضى السرطان والامراض المستعصية والمزمنة الذين لا يجدون ادويتهم في لبنان، لديهم ترف التعرف على “قاووق”؟ بالطبع لا، فهم لا يزالون يبحثون عن اسم وزير الصحة الجديد الغائب عن السمع منذ توليه الحقيبة “الخدماتية”.

بالنسبة للنخب، فإن الوضع المعيشي مجرد ترند، لن نسمع عنه طالما لدينا قضايا كقضية احقية تنميط الناس والمس بكراماتها.

على العموم، الكرامة في لبنان بازدواجية معاييرها باتت مجرد ترند بالنسبة لهؤلاء النخب، الذين يحتاجون الى قراءة التاريخ جيدًا والتعرف على تلك الفئة المستهدفة من تنميط “القاووق” وكم دفعت من أثمان لأجل كرامتها.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد