لا شك أن لبنان – والمنطقة – يشهدان الكثير من المتغيّرات السياسية و الاستراتيجية، لعبت الحروب المفتوحة في أكثر من جبهة العامل الحاسم فيها. ولا شك أيضًا أن محور المقاومة، وقواه وجيوشه، وفي مقدمتها حزب الله انطلاقًا من لبنان مرورًا بسوريا وإلعراق وصولًا الى اليمن، لعب دورًا ديناميكيًا في بلورة وجه المحور التقدّم بالنقاط على المحور الأميركي.
من هنا، بدأ كلام رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، متّسقًا مع المشهد العام، حينما أعلن في كلمة خلال اللقاء الخاص الذي أقامته التعبئة التربوية في حزب الله في المنطقة الأولى، إذ لفت إلى أن “الوضع السياسي في المنطقة فيه الكثير من التغيرات والتبدلات، والأميركي يحاول أن يمنعنا من أن نستثمر هذه التبدلات والانتصارات، ولكنه لن يستطيع أن يمنعنا من ذلك، وعاجلًا أم آجلًا سنصل إلى استثمار هذه الانجازات التي ستغير وجه المنطقة، ولبنان عادة عندما يتغير وجه المنطقة، ليس لديه حل، وعليه أن يتموضع، وتنعكس عليه كل الألوان الآتية من الخارج، فإن كانت زاهية فإنه يزهو، وإن كانت بالية فإنه يبلى، وإن شاء الله المقبل زاه وليس باليًا”.
تبدو الأرضية في لبنان مهيئة لاستقبال المزيد من المتغيّرات المتعلقة بمواجهة أدوات واشنطن السياسية والاقتصادية في البلد، وحتى أدواتها الإعلامية أيضًا. فما شهده لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019 حتى اليوم، أظهر المخطط الأميركي التدميري للبنان، بدءًا من نسيجه الاجتماعي وليس انتهاءًا باقتصاده الهش والتابع أساسًا. غير أن إنها لبنان وفق القاموس الأميركي، هو في الأصل مخطط لضرب البلد الذي يشكّل، بقواه الوطنية المقاوِمة، تهديدًا وجوديًا لكيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين. وعليه، يجد حزب الله، مرحليًا، نفسه مضطرًا لمواجهة المشروع الأميركي بكل مندرجاته وخيوطه وأذرعه، وفقًا للحاجة التي تفرضها تطوّرات المواجهة ومراحلها.
أكد السيّد صفي الدين أننا “سنبقى نتحمل المسؤولية، وسنحضر في كل الساحات التي يمكن أن نقوم بإنجاز ما فيها”، وأوضح أنه “في الساحة الإقليمية الدنيا تتبدل، وأميركا تضعف، ويمكن أن يأتيها يوم ربما يكون أسوأ مما شهدته في أفغانستان، والمنطقة تتجه إلى مزيد من التبدل، وسيرى العالم العربي والإسلامي في منطقة الشرق الأوسط مشاهد جديدة، وهذه حقائق، والجميع يرى ما يحصل في سوريا، من اتصالات تأتيهم من دول العالم”.
داخليًا، لفت صفي الدين إلى أن” الجميع رأى اتباع أميركا في لبنان كيف باتوا في حالة صمت وموت، فالدنيا كلها تتقلب من حولهم وهم يفتشون عن مكان ليجلسوا فيه، لأن الذي اعتاد طوال عمره على التسول والعمالة، يراقب لمن يمكن أن عميلًا ومن سيكون الأقوى في المنطقة، ويمكن أن يأتي يوم من الأيام عندما يشاهدوا ويدركوا أن محور المقاومة هو الأقوى”.
كلام صفي الدين الحاسم هذا، والذي ألقاه في مؤتمر عنوانه “تحديات المرحلة وسبل المواجهة”، يفتح الآفاق على مرحلة جديدة من التصدي للمشروع الأميركي داخليًا وخارجيًا.
الملفت هنا، هو وضع حزب الله يده على الجرح اللبناني بشكل مباشر ومن دون مواربة أو تمويه. أصل المشكلة في لبنان هي تحكّم أميركا عبر أذرعها بمؤسسات الدولة في لبنان، و مواجهتها تتطلب أولًا قطع هذه الأذرع. يعرف حزب الله هذا جيدًا. قال صفي الدين، ربطًا بإنجازات حزب الله الكثيرة في مواجهة المشروع الأميركي، وآخرها كسر الحصار عبر سفن النفط الإيرانية، إن حزب الله “(نحن) حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، سيشاهد اللبنانيون شيئا آخر”.
صحيح أن صفي الدين ربط عدم خوض الحزب هذه المعركة حتى الآن بسبب وجيه وهو “لأننا نعرف ما قدرة تحمل هذا البلد، فأميركا عدو لا تقل عداوة عن إسرائيل، وأحيانا أكثر عداوة منها”، ولكنه نبّه – وهنا تأتي فرادة الموقف – إلى أننا” نرى ونسمع ونقدّر الموقف إن كان بإمكان اللبنانيين التحمّل أم لا”.
لا يشك أحد من اللبنانيين، حتى خصوم الحزب وأعدائه، إنه الحزب الوحيد الذي يعمل لمصلحة لبنان، خصوصًا في الأزمة الراهنة. وعليه، فإن الحزب الذي يلوّح اليوم بخوض مستوى جديد من المواجهة مع المشروع الأميركي، وهو مستوى حسّاس لكن نتائجه ستنعكس بشكل كبير على وجه لبنان وشكل الحكم فيه، يدرك جيدًا أن إنجازاته الضخمة معرّضة للتشتّت إن هو لم يقم بخطوة ضرورية تتمثّل بخلق بيئة حُكم سليمة، بالتعاون مع رجال دولة بعيدين عن الانصياع تأثير السفيرة وخيمة السفير.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.