حسَمَت الولايات المتحدة أمرها فيما يتعلق بالجهة التي تقف وراء الهجوم الذي استهدف السفينة التجارية “ميرسر ستريت” قبالة عُمان، مؤكدة على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن أنها إيران وليس غيرها. هذا التأكيد تلاقى مع الاتهام الإسرائيلي لإيران منذ اللحظة الأولى لوقوع الحادث. إلا أن حسابات الحقل الإسرائيلي لم تتوافق مع حسابات البيدر الأميركي.
سعت “إسرائيل” منذ البداية الى الدفع باتجاه تصعيد تضع بموجبه الولايات المتحدة وحلفاءها على حافة الحرب مع إيران. إلى الآن، لا يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، متحمّسة للرغبة الإسرائيلية، خصوصًا وأن بايدن لا يزال يسعى إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
وعليه، من المتوقع أن يكون رد الولايات المتحدة والدول الغربية معها، على إيران بفرض مزيد من العقوبات، إضافة إلى التنديد عبر الأمم المتحدة والحلفاء. وفي هذا السياق، دفعت واشنطن ومعها “تل أبيب” بالأمر الى مجلس الأمن الدولي، الذي عقد جلسة لنقاش الهجوم الإيراني المزعوم على السفينة المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي. ومثل مجلس الأمن، كذلك وزراء خارجية مجموعة السبع، قالوا إن ما سموه نهج إيران ودعمها قوى وأطرافًا مسلحة يهددان السلم والأمن الدوليين.
إلى هنا، تسير المستجدات وفق المتوقع. فالولايات المتحدة تصرّ على اتهام إيران. ويبدو إصرارها لافتًا، إذ إنه يعاكس رغبتها بشنّ أي ردّ عسكري. الإصرار الأميركي هذا، والمبالغة في اتهام إيران وعرض ما تعتبره واشنطن “أدلة وبراهين” تثبت تورّط طهران في الهجوم، يضعه أكثر من معلّق أميركي في خانة الضغط على إيران من أجل العودة إلى الاتفاق النووي.
الاتفاق النووي الإيراني هو بيت القصيد بالنسبة لحكومة نفتالي بينيت، التي تعتقد أنه من خلال تأزيم الوضع يمكنها عرقلة أي اتجاه أميركي – دولي للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. في هذا الإطار، لا تُسقِط طهران أي احتمال – حماقة يمكن أن تُقدم عليها “تل أبيب”، خصوصًا بعدما فشلت مساعيها في تأليب مجلس الأمن الدولي ضد طهران ودفعه صوب اعتماد خيارات “خشنة” ضدها.
وفي السياق، أتى لافتًا ما نشرته وكالة “يو نيوز” من معلومات منسوبة الى مصدر إيـراني مسـؤول، كشف فيها عن “معلومات متوافرة عن تحريك “إسرائيل” غواصة حربية نحو البحر الأحمر، ترافقها سفينتان حربيتان”. واعتبر المصدر أن “التحرك العسكري الإسرائيلي هدفه خلق أجواء متوترة بعد حادث السفينة في خليج عُمان، ويُظهر أن حكومة الكيان فشلت في تشكيل إجماع دولي ضد إيران”، مشيرًا الى أن “بينيت يتبع خطوات نتنياهو في سلوكياته العدوانية”.
هذه المعلومات إذا ما أضيفت إلى ما صرّح به وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، الأسبوع الماضي، زاعمًا أن إيران على بعد نحو 10 أسابيع من الحصول على مواد انشطارية ستسمح لها بإنتاج قنبلة نووية، يمكن الاستدلال منها على أن حكومة بينيت عازمة على عرقلة أي تقدّم في المفاوضات النووية مع إيران. خصوصًا وأنها أول مرة يتحدث فيها غانتس علنًا عن الوقت الذي تعتقد “إسرائيل” أن إيران ستستغرقه لإنتاج سلاح نووي، بحسب قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية.
على الرغم من هذه الأجواء المتوترة، توقع مسؤول في الاتحاد الأوروبي أن تُستأنف المفاوضات النووية مع طهران في فيينا بداية أيلول المقبل، لافتًا إلى أن هناك تفاهمًا بشأن إمكانية استئناف المفاوضات فور اكتمال تشكيل حكومة جديدة في إيران.
يُدرك بينيت أن خطوة بحجم توجيه ضربة مباشرة إلى إيران لا تخضع للحسابات الإسرائيلية حصرًا، وأن التمايز بين الموقفين الغربي والإسرئيلي عامل أساسي في فرملة أي اندفاعة إسرائيلية من هذا النوع. وقد ترجم الأوروبيون هذا التمايز بالدعوة لاستئناف مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهذا بالطبع لا يروق لبينيت.
لكن ماذا عن الموقف الإيراني من كل هذا التوتير الإسرائيلي؟ من الواضح أن طهران لن تتردد في الدفاع عن أمنها ومصالحها وسترد على أي مغامرة محتملة فورا وبقوة، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده. لكن اللافت جاء على لسان القائد العام للحرس الثوري الإسلامي الإيراني اللواء حسين سلامي، خلال استقباله لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. قال سلامي إن “الظروف اليوم أصبحت جاهزة ومهيأة لانهيار الكيان الصهيوني، وبمجرد صدور خطأ ما منه، ستكون الحرب القادمة حرب الموت لهم”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.