حمزة الخنسا |
فيما يشهد لبنان اليوم افتتاح “موسم الرسائل المباشرة والحاسمة” بين الأفرقاء السياسيين المختلفين، ظاهرياً، على تشكيل الحكومة، يرتسم في الأفق السؤال الأكثر إلحاحاً وشمولية: “وبعدين؟”.
ماذا بعد الاشتباك المزمن بين الرئاسات الثلاث؟ وماذا بعد “المناورة التجريبية” لسيناريو الأرض اليوم؟ الأفق يبدو مسدوداً بشكل محكم، كيف لا والاختلاف بين الأفرقاء في البلد قائم على أساس المشاريع والرؤى والأهداف الاستراتيجية، لا على تسمية وزيرين، أو سعي أحد الأطراف للحصول على الثلث الضامن، أو ما شاكل من التبريرات التي تطفو على سطح الأزمة.
لو كان لدى لبنان حكومة متجانسة وتعمل وفق برنامج عمل محدد، واستيقظ البلد على سلسلة من البيانات المضادة بين الرئاسات الثلاث، لكانت الحكومة قد ترنّحت وآلت إلى السقوط. فكيف الحال في بلد لا حكومة فيه يسير نحو الانهيار بشكل سريع والجميع ينتظر لحظة الارتطام؟
هذا من بديهيات الأمور ونتيجة يعرفها كل من يتعاطى الشأن السياسي، فهل تظنون فعلاً أن رجال الدولة والسياسة في البلد لا يعرفون ذلك؟ مؤكد أنهم يعلمون، ولأنهم كذلك يصبح سهلاً على المتابع أن يجزم بأن ما يشهده لبنان اليوم لا علاقة له بملف تشكيل الحكومة ولا بمسألة وزير من هنا وحقيبة من هناك. المسألة أعمق من ذلك بكثير، واللاعبون يدركون أن البلد يشهد مخاض توازنات جديدة لا تسمح بالتنازلات التي كانت قد تبدو متاحة في السابق.
واقع الحال اليوم يعيد إلى الواجهة النقاش الذي يسود مع كل أزمة سياسية تعصف بالبلد منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب سوريا من المشهد اللبناني. هل أثبتت الطبقة السياسية في لبنان أنها غير قادرة على الحكم بنفسها؟ أم أثبتت أنها غير قابلة لإدارة مصالح البلاد والعباد بمعزل عن وشوشات السفارات والانخراط بمشاريع وتنفيذ رغبات خارجية حتى لو أتت على حساب المصلحة الوطنية؟
غابت سوريا عن المشهد اللبناني، وهي التي رعت الطبقة السياسية، ودَوزنت خلافاتها وتناقضاتها وتعقيداتها، لفترة طويلة وفق نهج واحد ورؤية واحدة (بصرف النظر عن تقييمها)، فيما نرى اليوم أن الأفرقاء موزعون على سفارات من حدب وصوب، ولكل سفارة أجندة خاصة تختلف وتتناقض مع الأخرى.
بالطبع هذه ليست دعوة لعودة الوصاية، ولا رغبة في تنسيق المشهد اللبناني بين السفارات الأخرى، إنما دعوة للأفرقاء اللبنانيين من أجل استدراك لحظة الارتطام الموجعة بالجلوس الى طاولة مفاوضات، لمحاولة إعادة تريب المشهد في البلاد على وقع التطورات الدرامية الأخيرة.
بصرف النظر عن التسميات. مؤتمر تأسيسي أو أياً كانت التسمية، صار من الملحّ اليوم قبل أي وقت آخر الركون إلى صوت العقل بعيداً عن المزايدات والرهانات الخارجية. فالتطورات في الخارج متسارعة، وهي لربما تناسب فريقاً على حساب الآخر، وهذه مناسبة جيدة، أن يقوم الفريق المستفيد من تقدّم خياراته في المنطقة على رعاية الحل التدريجي في الداخل، وفرصة للفريق المتضرر من تراجع رهاناته الخارجية على تقليل خسائره والركون الى طاولة اليد الممدودة، ولو تطلّب الأمر منه تقديم تنازلات قد تبدو للوهلة الأولى مؤلمة وصعبة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.