موسم الحجّ إلى الشام قد بدأ. بهذه الكلمات تعلّق مصادر معنية على تواتر الحديث عن زيارات واتصالات وأشكال مختلفة من التواصل تمّت وتتم بين أطراف لبنانيين مع جهات سورية رسمية أو مقرّبة من شخصيات سياسية وأمنية وازنة في دمشق.
انسداد أفق الأزمة في لبنان لا يعكس واقع الحراك النشط على خط الشام هذه الأيام. تقول المصادر إن العاصمة السورية تشهد حركة اتصالات وزيارات نشطة يقوم بها مندوبون عن دول وعواصم عربية وأوروبية عدة، منها ما ظُهّر في الإعلام، ومنها ما أُريد له أن يبقى خلف الكواليس.
هذه الزيارات ربما فتحت شهية البعض في لبنان. تقول المصادر إن تحليل هذه الوقائع المستجدة دفع أكثر من طرف لبناني، ناصَرَ داعش والنصرة إبّان الحرب الكونية التي تعرّضت لها سوريا في السنوات الماضية، إلى إعادة قراءة خريطة التطورات، وبالتالي إعادة الحسابات تحضيراً للمرحلة المقبلة.
على رأس هؤلاء يقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. بصرف النظر عما سُرّب لجنبلاط في الآونة الأخيرة من حديث حميد عن الجيش السوري والرئيس الراحل حافظ الأسد، تقول المصادر إن تواصلاً حديث العهد بين دمشق والمختارة قد تم فعلاً. وإذا كان جنبلاط الأب على علم ودراية وتشجيع للأمر، إلا أن التواصل السوري – الجنبلاطي محصور بالنائب تيمور جنبلاط، نجل سيد المختارة وولي عهده.
اختيار جنبلاط الابن لهذه المهمة يحقق شروط سورية وأخرى موضوعية، إذ لا يمكن لوليد جنبلاط الذي أحرق كل مراكبه، الإبحار مجدداً نحو برّ الشام، فيما يستطيع تيمور، الطري العود، والصفحة البيضاء، أن يستكمل العلاقة التاريخية بين دمشق والمختارة، في مشهد قد يعيد الى الأذهان تولي وليد جنبلاط مهمة هندسة العلاقة مع دمشق غداة اغتيال والده كمال جنبلاط عام في آذار من العام 1977. وفي هذا السياق، ترفض المصادر التعليق على ما نُشر من معلومات عن زيارة خفية قام بها تيمور جنبلاط الى الشام، لكنها تؤكد أن التواصل موجود بصرف النظر عن شكله.
الحديث عن استدارة جديدة لجنبلاط، يؤشر الى تطورات خارجية على علاقة بالملف اللبناني، وهو الذي عُرف بـ”أنتيناته” الدقيقة التي تلتق ذبذبات إقليمية ومحلية. ويؤشر أيضاً إلى أن أطرافاً تتحضّر لزيارة الشام وفتح تواصل معها، بصرف النظر عن مستواه وشكله.
وفي هذا الإطار، تؤكد المصادر على أن أكثر من حزب وتيار وحركة يحزم حقائبه ويرتب أوراقه في انتظار موعد من سيد قصر المهاجرين. أحزاب وتيارات وحركات من 8 آذار و14 على السواء. فيما الصراخ المرتفع في بيروت هذه الأيام، يُستخدم كقنابل دخانية للتغطية على تبدل الخطابات واللهجات.
بالطبع، تبقى بعض القوى والشخصيات والتيارات، خصوصاً اليمينية منها، والتي تؤمن بتفوّق العِرق اللبناني، بعيدة عن هذه الصورة، وهي تضع بيضها كله في سلة المشروع الخارجي المعادي لسوريا. هنا بالتحديد تقع الحيرة لدى هؤلاء، فالتقارب السعودي الإماراتي مع دمشق، وتالياً تصاعد الحديث عن تخلي السعودي عن سعد الحريري المشرف على الاعتذار عن مهمة تكليفه بتشكيل الحكومة، كلها وقائع تؤشر الى خسارة أوراق كثيرة كان هؤلاء يتحصّنون بها.
إلى أن يستقر المشهد اللبناني على حلّ، بناء على التطورات الداخلية وربطاً بالحراك الخارجي، سيبقى المشهد الداخلي تسوده الفوضى، وسط تخبط وعشوائية التوجهات لدى بعض الأفرقاء الذين يختبرون اليوم خسارة رهاناتهم الخارجية، خصوصاً من البوابة السورية. وإلى ذلك الحين، لن يبقى مشهد زيارة وفد الأحزاب الحليفة لدمشق وحيداً. ستتوالى المشاهد والأخبار والمعلومات عن فتح القنوات مع دمشق تباعاً.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.