ريما فارس – خاص الناشر |
ربما الكورونا مسحت ذاكرة بعض الناس، أو لعل مشهد الانهيار العام طغى على الحقائق البديهية. لكن ما يجري أمام أعيننا لا يحتاج لكثير من التحليل: “إسرائيل” لم تلتزم يومًا لا بقانون دولي، ولا بشرعة إنسانية، ولا بمواثيق أممية، بل كانت دائمًا دولة مارقة، فوق القانون، تحتمي بالدعم الغربي والصمت العربي.
ما حصل ويحصل في غزة، ليس مجرد عدوان عابر، بل نموذج حيّ على الإبادة الحديثة. عشرات آلاف الشهداء، آلاف الأطفال المحروقين تحت الأنقاض، تجويع ممنهج، قصف للمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، وحرمان الناس من الماء والدواء. كل هذا موثّق بالصوت والصورة، وبشهادات منظمات دولية تعترف بأن ما تقوم به “إسرائيل” يرتقي إلى جرائم حرب. فهل من يرتكب هذه الأفعال يُمكنه أن يدّعي الالتزام بأي قانون دولي؟ أم أن القانون في نظرهم يُطبّق فقط على الضعفاء الذين لا يملكون قدرة الرد؟
الحديث عن نزع سلاح المقاومة في هذا التوقيت بالذات ليس بريئًا. من يريد نزع السلاح، إنما يريد نزع الكرامة، نزع القدرة على الردع، تمهيد الطريق لعدوّ لا يفهم إلا منطق القوة. من يُطالب بذلك، يردّد حرفيًا ما تقوله “إسرائيل”، ويعمل بقصد أو دون قصد في خدمة مشروعها. فـ”إسرائيل” لا تخشى الدولة اللبنانية، ولا الجيش اللبناني، بل تخشى السلاح الذي لا تستطيع السيطرة عليه، السلاح الذي أثبت فاعليته في حرب 2006، وفي كل مواجهة قبلها وبعدها، والذي فرض على العدو توازن ردع لم يعرفه من قبل.
تصريحات بعض السياسيين اللبنانيين ليست سوى صدى لمطالب العدو. عندما يقول سمير جعجع إنه لا يريد الحرب لكنه لا يستطيع أن يعيش تحت ظل سلاح حزب الله، فإن كلامه لا يختلف كثيرًا عن تصريحات أي مسؤول إسرائيلي. هو يعلم جيدًا أن من يُسلّم السلاح، يُسلّم الأرض والقرار والسيادة، وأن من نزع السلاح في العالم لم يُعطَ السلام بل حُكم عليه بالإبادة. يريدوننا بلا سلاح، أي بلا قدرة، أي بلا حياة.
الأخطر من كل هذا، ما بدأ يظهر علنًا في الإعلام العبري. تقارير صحفية إسرائيلية تتحدث بوضوح عن وجود “تناغم” بين أطراف في الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية حول “ضرورة ضبط سلاح الحزب”. هذا لم يعد تحليلًا، بل واقعًا يُكتب بالحرف العبري ويُترجم على شكل مواقف داخلية لبنانية تتحدث عن “السيادة”، وكأن السيادة تتحقق بتسليم القرار إلى عدوّ لطالما احتقر سيادتنا، واعتدى علينا، واحتلّ أراضينا، وخطف وقتل وهجّر.
من لا يرى أن هناك تحالفًا خفيًا وربما علنيًا بين الداخل المتواطئ والخارج المعتدي، فهو إمّا أعمى، أو متواطئ. ومن يظنّ أن إسرائيل تسعى للسلام، فهو لم يشاهد غزة، ولم يسمع صراخ الأطفال تحت الركام، ولم يفهم بعد أن الذي يريد أن ينزع منك سلاحك، يُريد أن يُبيدك.
ما نعيشه اليوم ليس فقط أزمة سياسية، بل لحظة مفصلية. إما أن نُدرك أن المقاومة هي ما تبقّى لنا في هذا العالم المترنّح، أو نسلّم رقابنا بأيدينا. الذي نزع السلاح قُتل أطفاله أمام عينيه، فهل نُكرّر الخطأ، أم نمنع تكرار المأساة؟
التعليقات مغلقة.