“أسطول الصمود”.. الإنسانية أعظم من الأخوّة

9

ريما فارس – خاص الناشر |

أسطول الصمود هو قافلة بحرية إنسانية انطلقت في أيلول/سبتمبر 2025، يُعد الأكبر من نوعا في التاريخ الحديث، إذ يتكوّن من أكثر من سبعين سفينة وقاربًا، تحمل على متنها مئات المتضامنين من أربعين دولة، ومساعدات طبية وغذائية وإنسانية موجهة إلى غزة، التي ترزح تحت حصار خانق منذ أكثر من 17 عامًا. انطلقت القافلة من ميناء برشلونة الإسباني، ومنه تحرّكت سفن أخرى من موانئ البرتغال، إيطاليا، المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا، في مشهد نادر لوحدة الشعوب وكسرها لحواجز الخوف والخذلان.

هذه القافلة لم تنطلق تحت راية مذهب، ولا حملت معها أجندة طائفية أو حسابات سياسية. كانت بوصلتها واحدة: غزة. وكانت هويتها واضحة: الإنسان. جمعت على سطحها يساريين وأطباء ورهبانًا، وفنانين ومهندسين وأمهات. لم يسأل أحد عن دين الآخر، ولا عن لونه، ولا عن طائفته. وحدهم الموجوعون من قسوة العالم، والممتلئون بإحساس العدل، شدّوا الرحال نحو البحر.

وفي الوقت الذي تُبحر فيه هذه السفن الصغيرة متحديةً الحصار، والرقابة، والعواصف، بل والموت المحتمل، كانت بعض العواصم العربية، وعلى رأسها السعودية، تفتح مسارحها للمهرجانات الغنائية، وتفرش سجادها الأحمر للفنانين والمشاهير، وتتنافس على استضافة أكبر عروض الترفيه العالمية. بينما تُقصف غزة وتُحاصر، تُضاء سماء الرياض بالألعاب النارية، وتُبثّ الحفلات مباشرةً على الشاشات العربية، وكأن الدم الذي في غزة لا لون له، وكأنّ الوجع الفلسطيني لا مكان له في جدول البرامج.

ليست القضية هنا في المهرجانات بحد ذاتها، بل في التوقيت، في المعنى، في المفارقة الصارخة بين شعوب تُخاطر بحياتها لكسر الحصار، وأنظمة تفرغ المال والاهتمام والهواء نحو كل شيء إلا فلسطين. هذا التناقض يفضح أزمة ضمير، ويضعنا أمام سؤال لا يمكن تجاهله: من ينتمي فعلًا إلى هذه الأمة؟ من يقف إلى جانب الإنسان لأنه إنسان، لا لأنه على مذهبه أو في دائرته الجغرافية؟

الإنسانية لا تُقاس بالانتماء المذهبي، ولا تُقاس بشعارات القومية أو الهتافات العابرة. تُقاس بالفعل، بالوقوف إلى جانب المظلوم، بالسعي لرفع الظلم، بامتلاك الشجاعة للقول: لا، في وجه من يصادر الحقّ والحياة. أسطول الصمود ليس مجرد قافلة بحرية، بل صفعة على وجه التخاذل، وتجسيدٌ حيٌّ لحقيقة أن انتماءك للإنسان لا يحتاج بطاقة هوية، بل قلبًا حيًّا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.