رهان “اسرائيلي” جديد على جعجع لمواجهة حزب الله

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

غسان مراد – خاص الناشر |

توقفت عقارب ساعة سمير جعجع في ثمانينيات القرن الماضي. صحيح أنه خلع مرغمًا زي ميليشيات قواته “الزيتي”، واستبدله بـ”كرافات” منمّقة، لكنّه عاد اليوم ليمارس السياسة بالذهنية ذاتها، فعادت “حالات حتمًا” ودويلة “كفرشيما المدفون” تدغدغ احلامه من جديد، وعادت معه نفس المقامرات السابقة، ولكأن قاطن معراب لا يمتهن ويجيد سوى الرهانات الخاسرة.


لجعجع لغة خاصة، لا يؤمن بالأوطان ورحابها، يجيد دومًا اللعب في الزواريب الضيقة، وإن خرج منها فليس إلى فسحات الحوار والتلاقي، بل إلى هدم الجسور، وفتح أتوسترادات هواجسه وأوهامه، وحبك المؤامرات بين مختلف الأطياف. في تجاعيد وجهه المتعرجة، تتلمس خطوط التماس، وحاجز البربارة، والقتل على الهوية، وفي زلات لسانه ترتسم طيّات “الفدرلة” والتقسيم، فتتجلى بعبارات “ما بتشبهونا”، “لبناننا آت”، “لنا لبناننا ولكم لبنانكم”. عبارات مستوحاة وبعضها مسروق حرفيًا من كتاب “البدائع والطّرائف”، تلك المنحوتة الأدبية التي لو قدر لكاتبها الأديب جبران خليل جبران أن يبعث إلى الحياة من جديد بعد مرور مئة عام، ما كان ليفرح بتخليدها اسمه وذكره، ولربما ندب حظه لتوظيفها شعارًا سياسيًا تقسيميًا يشوه جمالية لبنان ويعاكس مراده. لو قدر له العودة لتوجه إلى جعجع: “أخطأت العنوان ما بين جبران باسيل وجبران خليل جبران”.


لم يتغير “حكيم معراب” بتبدل الظروف قبل الطائف وبعده، سلوكه “الميليشياوي” ما زال طاغيًا وإن اختمرت تجاربه، لم تتغير روزنامته الانقلابية والتآمرية، حنينه يشده دومًا إلى زمن الحرب الأهلية، وإعادة لبنان إلى العصر “الاسرائيلي” يوم اجتاحت الدبابة “الاسرائيلية” بيروت، ونصّبت أقرانه على كرسي بعبدا. لعله يحلم بتكرار التجربة، فيسعى بما أوتي من “قوات” لإزاحة خصومه في الساحة المسيحية، ويعارض حزب الله، ويقارعه لعله يحظى برد يثبت وجوده عبره.


يطل جعجع بين الفينة والأخرى من شرفة معرابه كما فعل قبل أيام، منظرًا، وقد تفتقت عبقريته “المليشياوية” “التآمرية” عن سلسلة هواجس وأوهام، أسقط فيها زواريب تفكيره على الآخرين، تفكير يصمه حتمًا بالـ”فتنجي” والـ”تحريضي”، ويضيف إلى سجله الأسود ألقابًا جديدة، ما يطرح أسئلة كثيرة: كيف يليق بمن يرى نفسه “رئيس حزب” أن يتحول محللًا سطحيًا درجة عاشرة؟! من أين استقى معلوماته مثلًا بأن الحزب كان يؤمّن حماية للقيادي الحمساوي صالح العاروري وفرز له 6 عناصر ولم يصب أحد منهم في عملية الاغتيال؟!.. حبذا لو تكرم علينا جعجع بالإجابة كي لا يودي بنا التحليل السطحي، ومنطق التساؤلات التشكيكية الذي انتهجه، إلى أجوبة ستودي حتمًا لمكان آخر.


كيف يستند “الحكيم” إلى موقع اغتيال العاروري في الضاحية، ليشكك بما جرى ويضعه في خانة اتهام الحزب وفي سياق التفاوض الإيراني الأميركي؟ ألا يدين جعجع وفق هذا المنطق نفسه، وكأنه يقول إن عمليات الاغتيال التي شهدتها المناطق المسيحية طوال الحقبات السابقة من الـ2005 هو المتهم بها كونها تمت في مناطق نفوذه مسيحيًا، وآخرها جريمة قتل “الحنتوش” في عين إبل، وما تردّد عن تورط “القوات” بقتله على خلفية خلافات مالية، ومن ثمّ تصفية زوجته بعد ذلك لإخفاء الأدلة، وتضييع الفاعل لمواصلة الاستثمار الاعلامي والسياسي بدمه؟!. فهل أصبح بإمكاننا أن ندعي أن أي جريمة تحصل في بشري مثلًا فإن “القوات” خلفها حتّى يثبت العكس؟!.


أما مسلسل الرهان “الاسرائيلي” على جعجع فيبدو أنه متواصل ولا يقتصر على ما شهده لبنان من أحداث في ثمانينيات القرن الماضي، وهو الذي قدّم ويقدم أوراق اعتماده مرارًا وتكرارًا للسفارات في حرب تموز 2006 وفي أيار 2008، يوم أبلغ القائمة بالاعمال الأميركية ميشيل سيسون أن لديه بين 7000 إلى 10000 مقاتل مستعدين للتحرك، ليعود عام 2020، ويكرّر الرهان فيخبر جنبلاط بأن “لديه 15 ألف مقاتل ومستعد لمواجهة حزب الله”.


واليوم يتجدد الرهان “الاسرائيلي” على جعجع عند كلّ محطة مفصلية، هذا ما شهدناه في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2022، يوم وصف الصحافي “الاسرائيلي” ايهود يعري سمير جعجع، بـ”صديقنا في حرب لبنان الأولى”، وذلك في حديث بثته آنذاك القناة “الاسرائيلية 12″، ليعود ويتكرّر الرهان مجددًا قبل أيام في كلام أتى على لسان قائد أركان المنطقة الشمالية السابق (بين عامي 1991 و1995 ) في جيش العدوّ “رافي نوي “لقناة “كان” العبرية، حينما اشار إلى جعجع بأنه “قائد “القوات المسيحية” في لبنان، ويعارض بشدة حزب الله، وأنه ينتظر الفرصة ليفعّل كتائبه وهو يعرف كيف يحارب ولا يعترف بحقوق الإنسان وأظهر لنا ذلك في صبرا وشاتيلا، وانه سيفعل ذلك في اللحظة التي تشتعل فيها بيروت، وبذلك يستطيع الجيش “الاسرائيلي” ان يحسن العمل بالاشياء الأخرى ويمكنه انهاء الأمر في اربعة ايام دون أن يعيد خطأ حرب لبنان الثانية بإدخال قوات إلى لبنان”.


واليوم، يبقى السؤال: إلى متى يستمر جعجع وميليشياته بتقديم الخدمات الجليلة لـ”اسرائيل” وينوب عنها بأدوارها الوظيفية، ما يدفعها دومًا لشد ظهرها به، والتفكير به على اساس أنه “صديقها” القادر على إراحتها من أعدائها لا سيما حزب الله؟ّ! ثمّ متى تخرج القوات ومعها جعجع من دائرة “الميليشيا” إلى حضن الوطن؟ هل ثمة من يتبرع ويصلح ساعة جعجع، ويوقظه من أحلامه الهمايونية، علّه يستفيق على قرن جديد وعام جديد ونهج جديد، ويكتشف أن الزمن تغير قبل أن تسير عقارب الاحداث من دونه، وتتركه بعزلته في جزيرة “معراب” يحارب طواحين الهواء، ويجعجع وحيدًا فريدًا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد