غرب آسيا.. مشهدية بدأت تكتمل

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

علي نقر – خاص الناشر |

شارفت لوحة المشهد الجديد في المنطقة عمومًا ولبنان خصوصًا على الاكتمال، بانتظار أن يستكمل الجميع لعبة إعادة التموضع، الأمر الذي يؤسس إلى عقد جديد مليء بالأحداث والتطورات تحت عنوان غرب آسيا الجديد، المصطلح الذي أثبت فوزه على ما كان يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد هذه المرة، ضاربًا عرض الحائط بما كان يسوق له الأمريكي بكل أدواته، وأصبح من المنطقي جدًّا في الأدبيات السياسية استبدال المصطلحات حفاظًا على مصداقية الحدث من جهة واحترامًا لعقول القرّاء من جهة أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كيف نستطيع ترتيب مجموعة المشاهد الجديدة؟ وأين لبنان منها في ظل تسارع الأحداث وزلزال الانقسامات الذي يعصف به يومًا بعد يوم؟

البداية في المشهد القادم من بكين، العدو الاقتصادي اللدود للولايات المتحدة الأمريكية على طاولة مثلثة تشبه السهم المتوجه شرقًا كاسرًا الخط الأحمر الأمريكي، المشهد الذي يؤكد على نجاح ابن سلمان الحالم والساعي بشتى الطرق للوصول إلى عرش المملكة في العهد يقسم تاريخ العائلة الحاكمة في الحجاز إلى ما قبل ابن سلمان وما بعده، فضلًا عن تأكده أن الأمريكي فعليًا غير قادر على تطبيق الحماية التي وعد بها. ومن هنا كانت الانطلاقة بعد عقود من الطلاق عبر إرساء قاعدة اساسية في استئناف العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران وإعادة فتح السفارتين، تليها المستشاريات الثقافية في البلدين وإعادة الانطلاق في ورشة الترميم السياسي. وعلى خط موازٍ بين القاهرة وطهران للعودة من جديد وفتح القنصليات بعد نجاح الوسيط العراقي في هذه المهة.

لم الشمل وإعادة تسليط البوصلة نحو العدو الحقيقي -الكيان المؤقت- هو عنوان المشهد الإيراني، في عملية التفاف ذكية على كل الجهود الأمريكية التي أثبتت فشلها في المنطقة، مقابل سياسة أمريكية جديدة قوامها صفر مشاكل تحت عنوان الأيام الأخيرة للاستثمار في النفط والغاز لن تكون لغيرنا في غرب آسيا، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على الجمهورية العربية السورية وعودتها إلى الحضن العربي، وقد نراها أول الحاضرين في القمة العربية القادمة في الرياض، ناهيك عن سعي ابن سلمان بأي وسيلة للعودة الآمنة من مستنقعه وعبثيته في اليمن الذي ما زال صامدًا ويشكل الخطر الوجودي لمستقبله، كذلك الأمر بالنسبة إلى موضوع البحرين فقد تتدخل السعودية في أي لحظة للبدء في عملية الحل نظرًا لما تملكه من قدرة تأثير على النظام الحاكم، وإذا تمت هذه الخطوات بنجاح نستطيع أن نقول أن لا مكان لوجود الكيان المؤقت على الخارطة الجديدة.

أما لبنان فيحتفظ لنفسه بحصة الأسد في هذه المرحلة من عملية التحول الإقليمي والدولي خاصةً انه بلد قائم على تركيبة معقدة جدًا، وانقسام حاد في المواقف، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تفتك به بعد تلاقي جشع المحتكرين والفساد المالي والمصرفي والسياسي داخليًا مع الحصار الخارجي المفروض عليه أمريكيًا، كل ذلك في ظل الصراع البارد والمنافسة الصينية الروسية الأمركية في حوض المتوسط على من يمتلك ويستثمر ويتحكم في مصادر الطاقة في عقودها الأخيرة. وهنا سنفصل المشاهد في الساحة اللبنانية لتتوضح الصورة أمام أعين المتابعين.

في تشرين الثاني 2021، أطلت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف في لقاء جمعها مع نظيرها دايفيد هيل في ويلسون سنتر خلال ندوة متخصصة للحديث عن لبنان، وفيها أعلنت جهارًا تهديدات بالعقوبات والفوضى والتحريض وتنبؤات سوداء للسيناريوهات القادمة. وتلاها فعلًا مجموعة من الاحداث والوقائع، فقد حيث بادر بعض من يسمون بنواب التغيير بالدعوة للاعتصام في ساحة الشهداء لقياس ما تبقى من مدى تأثير لهم في الشارع. وقد أتت الدعوة تزامنًا مع جلسة اللجان النيابية المشتركة في المجلس النيابي. انضم إلى هذه الدعوة حراك العسكريين المتقاعدين، وكان المشهد الصادم القائم أولًا على طرد بعض رموز التغيير من نواب وناشطين وثانيًا على الصدام الحاد – عسكر عسكر – بين من هم في الخدمة الفعلية من جهة والمتقاعدين من جهة أخرى، الأمر الذي أزعج الإدارة الأمريكية بشكل مباشر، لان رغبتها لم تكن في هكذا صدام وخاصةً انها الراعي الرسمي لدعم المؤسسة العسكرية “نظريًا”. وبعد وصول باربرا ليف وجولتها التي انحصرت ببعض الشخصيات الرسمية وتوافد عدد من نواب التغيير إليها في مقر السفارة، فضلًا عن غياب تام للقاء اي من ممثلي المكون المسيحي في لبنان، وسط غياب تام لأي ردة فعل عنوانها حماية الوجود والحقوق وغيرها من الشعارات، واللافت ان جميع البيانات الصادرة عن ليف كانت متشابهة من ناحية عدم دخولها في الأسماء والتلويح بعصى العقوبات للمعرقلين، مع التأكيد الدائم على مبدأ التنبؤ بالفوضى القادمة لا محال.

تبع ذلك المشاهد السرابية التي أوهمت البعض بأنهم مرشحون حقيقيون لرئاسة الجمهورية، لكن سرعان ما اجهضوا حظوظهم بأيديهم تباعًا، فكانت السقطة الأولى للنائب ميشال معوض بعد تصريحاته التي سحبت منه الأهلية لتولي كرسي بعبدا في معرض رده على من وصفه “بالتجربة الأنبوبية”، تلاه مباشرة مشهد عنونه الإعلام اللبناني “عسكر بوج عسكر”، الذي حرم قائد الجيش جوزيف عون من بعض النقاط في السباق الرئاسي، ومن ثم تبعه النائب جبران باسيل الذي اطلق العنان لصراعه الأزلي مع رئيس المجلس النيابي متمسكا بالقاعدة السياسية “إذا لم تجد عدوًّا فاصنعه”، واستنفر كل الجهود حتى وصل به الأمر إلى استعمال الكلام الطائفي والأوصاف غير المناسبة، التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمعركة وهمية جديدة كادت أن توصل البلاد إلى حيث يريد المخربون، وبذلك عزل باسيل نفسه عن كرسي بعبدا بخطابه المتناقض بين المثالية والعنصرية، بعدما عاش نشوة الانتصار الدونكيشوتي على إثر تراجع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي كان من ابرز المحطات الأساسية لباربرا ليف في زيارتها. وأخيرًا كان سمير جعجع رئيس حزب القوات آخر المنضمين للركب الخارج من المعادلة الرئاسية بعدما تبنى الخطاب الطائفي الذي أزعج مموله الأساسي خاصةً في موضوع الرجعية، المصطلح الذي يؤلمه ويعود به إلى سنوات مضت، وبذلك سقط الجميع في كلامهم العنصري وبعدما كشفوا خطابهم الحقيقي الذي لا يؤهلهم للجلوس على كرسي جامع لكل الشعب اللبناني.

ما هو المشهد القادم إذًا قبيل أيام تفصلنا عن وصول السفيرة الجديدة ليزا جونسون بما تمثل وإنهاء عهد وديعة ترامب في لبنان دوروثي شيا؟ والجواب باختصار سيكون كالتالي: الانطلاق في تحريك الشارع من جديد وبفوضى منظمة محدودة للضغط أكثر على لبنان بحجة انتخاب رئيس الجمهورية وتنفيذ شروط صندوق النقد. لكن السبب الأساسي هو تمهيد الأرضية للحصول على احتكار نفط لبنان قبل أن يصل إليه الروسي أو الصيني، وبعدها تبدأ جونسون بلعب دورها الفعلي، في تقديم صورة جديدة قد تخدع الشعب اللبناني بعد سلسلة تقديمات، تبدأ بإقفال أبوابها تجاه الواشين والمطبلين ولا تنتهي بتسليم بعض من انتهت صلاحيتهم للقضاء وفضح بعض المضاربين على العملة الوطنية وحجز أموالهم، وخلق بعض الأحداث التي تستدعي تحقيق نبوءة باربرا ليف في حزم البعض لحقائبهم ومغادرة البلاد، ليصار فيما بعد إلى تشكيل جبهة معارضة خارجية لها برامجها وأدوارها، وبذلك تكون قد قدمت أول هدية ثمينة للشعب الفقير الذي قد يفكر بالعفو عن كل ما مضى معها، فكيف به الحال إذا ما استيقظ يومًا -قد يكون قريبًا جدًا- على خبر عودة الدولار الأمريكي الى 1500 وما دون، الأمر الذي يُعتبر تطبيقه سهلًا على الإدارة الأمريكية التي تطبع الدولار اصلًا دون أي غطاء، فضلًا عن أنه لن يشكل مصدر تضخم او مشكلة اقتصادية في أسواقها الداخلية، وهذا الامر فعلته الإدارة سابقًا أكثر من مرة في تمويلها لبعض حلفائها في مشاريعهم السوداء أثناء حروبها في السنوات الأخيرة في غرب آسيا وشمال أفريقيا؟ كل ذلك مرهون بمجرد التأكد من ضمان حصوله على النفط، ولو عبر شركات لا تحمل جنسيته بشكل مباشر.

أما إذا أراد المخرب -الكيان المؤقت- الانتقام من الإدارة الأمريكية التي أصبح يشكل ثقلًا عليها، على اعتبارانه لم يُثبت قدرته على العيش طيلة العقود الماضية، مع احتمالية جدية أن يكون الكيان المؤقت هو نفسه القربان الأمريكي الكبير عبر التخلي عنه مقابل الاستثمار الكبير، حينها سيكون للكيان المؤقت رأي آخر في مجريات الأحداث، ولربما يباشر بتحريك أدواته في لبنان لتنفيذ عمل أمني فتنوي قد تُخلط فيه كل الأوراق من جديد.

هذا ما قد نشهده في الأسابيع المقبلة في ظل تسارع الأحداث في لبنان والمنطقة، وللكلام تتمة…

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد