صنع القرار الإيراني قراءة في المحدّدات والآلية

مقدمة

 يعرّف صنع القرار بأنه عملية تفاعل جماعية بين المشاركين بصفة رسمية وغير رسمية، سواء كانوا أفرادًا أم مؤسسات في تقرير السياسات العامة. وتكمن أهمية العملية في ما يمثّله القرار من عنصر مركزيّ في بناء نماذج الحركة السياسية، بحيث تعد العملية من حيث طبيعتها، محاولة لتخطّي الحواجز التي تفصل الأهداف عن الإمكانات وفق الواقع السياسي. وبغض النظر عن اختلاف البعد في دراسة الباحثين للقرار، يقصَد بصناعة القرار “التوصل إلى صيغة معقولة من بين بدائل متنافسة. والقرارات كلها ترمي إلى تحقيق أهداف بعينها أو تفادي نتائج غير مرغوب فيها”[1]. وتختلف عملية صنع القرار من نظام سياسي إلى آخر بما فيها من كيفية صياغة المشكلة وتحديد الخيارات ودراستها وفهم اتجاهاتها وصولًا إلى تبنّي أحد الخيارات واتخاذه “قرارًا”. وعلى الرغم من اختلاف آليات صنع القرار، إلا أنها تشترك جميعها بالخضوع للسياسات العامة لدى النظام السياسي والرؤى التي يتبنّاها، وتاليًّا تُحدَّد استراتيجيات السياسة الداخلية كما الخارجية بناء عليها تحت سقف الدستور، الوثيقة القانونية الجامعة لعمل النظام.

 يتميّز النظام الإيراني بفرادة النموذج في الحكم الذي يجمع القانون الإلهي الديني الغيبي والقانون الإنسان الوضعي؛ وارتبطت محدّدات كلّ من “الجمهورية” و “الإسلامية” وأطرها في توليفة خاصة أمّنت للنظام السياسي الإيراني خاصية في عملية صنع القرار الإيراني بغية الحفاظ على منجزات الثورة وبناء الدولة. وفي حين تمثّل القيادة السياسية عاملًا أصيلًا في عملية صنع القرار؛ لجهة تحديد سياسة الدولة، وإنتاج القرارات، تؤثر مجموعة من القوى الاجتماعية السياسية، بخصائصها المميزة في صناعة القرار. والعوامل المؤثرة أو محدّدات صناعة القرار وإن اختلفت إلا أنها لا تسمح بنشوب الخلاف إلى درجة ينحرف بعيدًا بالنظام عن نقطة التوازن المحورية، أو باتجاه لا يمكن معه العودة إلى نقطة الارتكاز؛ فجميع المؤسسات والسلطات تعمل في نسق من التوازن أو استعادة التوازن وفق مقررات الدستور القانونية التي تحفظ النظام الجمهوري الإسلامي وتعطي الولي الفقيه حق إدارته. ويخضع صنع القرار الإيراني للمرجعية السياسية والفكرية الخاصة بالنظام الجمهوري الإسلامي. وعليه، تدرس الورقة محدّدات صنع القرار في بنية النظام السياسي الإيراني، والأطر الفكرية الثقافية لهذه العملية.

 وفي حين تؤثر مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية على صناعة القرار بشكل عام، والإيراني بشكل خاص، إلا أنّها تبقى عوامل مساعدة ثانوية، لا تخضع لها عملية صناعة القرار الإيراني. وهذه العوامل الداخلية المساعدة تضم مجموعة من المتغيرات منها الرأي العام وقوى المجتمع السياسية الحزبية والشعبية والاقتصادية، والأهمية الجيوسياسية للموقع الجغرافي، وعلماء الدين والحوزات. أمام العوامل الخارجية المساعدة فهي الظروف الدولية والإقليمية والسياسات الخارجية من بقية الأطراف ومجمل الأهداف والمصالح الإيرانية وتفاعلات الصراع والتعاون بين إيران وغيرها من الدول. هذه العوامل تُنظر من قبل مراكز صناعة القرار الإيراني ويُعتدّ بها في كيفية تحديد الخيارات السياسية، لكن القرار النهائي لا يخرج عن الأطر والمحددات السياسية والفكرية التي ألزم بها نظام الجمهورية الإسلامية نفسه بها.   

أولًا: بنية النظام السياسي الإيراني

 تؤمّن البنية السياسية في إيران المجال أو الفضاء الذي يسمح لكل من الشعب والقيم الثورية والقانون الديني-الوضعي بالتحرك وفق آليات عمل بنيوية في إطار المصالحة والموازنة والتكيّف في سبيل تجاوز تحديات النظام وإدارته وصنع القرار. وفي حين تخضع بنية النظام السياسي لمجموعة من السلطات: سلطة ولاية الفقيه، وسلطة المبادئ الثورية، والسلطة الشعبية، وسلطة الاحتكام لقانونيْ السماء والأرض، فإنها تعمل جميعها وعلى اختلاف توجّهاتها وشعاراتها تحت عباءة النظام الإسلامي. أضف إلى ذلك الدور النخبوي الحزبي الذي يمثّل تلك القوى داخل النظام، ويحاول بإشراف الولي الفقيه كبح تحوّل الاختلافات في بعض الرؤى أو الآليات الإجرائية إلى خلافات؛ والسبب هو التحرّك تحت سقف مصلحة النظام العامة والحفاظ عليها ومنع المساس بوجود النظام المعنوي قبل المادي. يشير الدمج المؤسساتي داخل النظام ما بين مؤسسات الدولة الحديثة والمؤسسات الخاصة بالنموذج الإسلامي، إلى فرادة بنية النظام الجمهوري الإسلامي عن سائر النظم السياسية، وتساهم هذه المؤسسات في صناعة القرار الإيراني تحت سقف الامتثال للدستور الإيراني. ومن أبرز محدّدات صناعة القرار الإيراني الخاصة بالبنية السياسية في نظام الجمهورية الإسلامية: توزّع السلطات أو مراكز القرار؛ التداخل الدستوري في صلاحيات السلطات؛ ومسار صنع القرار.

  • توزّع السلطات ومراكز صنع القرار في نظام الجمهورية الإسلامية

 تقوم طبيعة الحكم في النظام الجمهوري الإسلامي على هياكل سياسية واجتماعية وفكرية تحفظ منجزات الثورة وتعيد إنتاج ثقافتها في كيان سياسي حديث: كيان الدولة الجمهورية وبناء اقتدارها. وتفرض خصوصية الدمج المؤسساتي مجموعة من التداعيات تظهر في تحدّيات جدلية الثورة – الدولة _أقلها تحدي التوفيق ما بين سلطة الشعب وسلطة الولي الفقيه الدينية والسياسية في آن معًا في سياق تأمين متطلبات الصبغة “الجمهورية” من جهة، و”الإسلامية” من جهة أخرى، بما يحافظ على منجزات الثورة دستوريًّا، وإعادة إنتاجها داخل النظام. تضم البنية السياسية الإيرانية مجموع السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، إضافة إلى عدد من المجالس المستحدثة والخاصة بطبيعة النظام الجمهوري الإسلامي بما يتوافق مع خصوصيته الدينية. تؤدي هذه المجالس أدوارًا متعددة بموجب الصلاحيات التي يمنحها إياها الدستور، وتتوزع مهامها ما بين الرقابة والإشراف والاستشارة. وهي مجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الأمن القومي. وهناك سلطات تمارسها مجموعة من المؤسسات الأخرى الحزبية وغير الحكومية[2] وهي تساهم في صنع القرار، ولا تتفرد بالعملية أو لها كلمة الفصل. وتتوزّع مراكز السلطة والقرار وفق لمحة موجزة ومكثّفة على الشكل التالي:

  1. السلطة التنفيذية أو سلطة رئيس الجمهورية

 يمثّل رئيس الجمهورية أعلى سلطة رسمية في البلاد بعد منصب القائد، وفق المادة الرابعة عشرة بعد المائة. ويَنتخب الشعبالرئيس بالاقتراع المباشر، وبالأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين، لمدة أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين متتاليتين[3]. ويصبح الرئيس مسؤولًا أمام الشعب والولي الفقيه ومجلس الشورى ضمن حدود صلاحياته وواجباته، طبقًا للمادة الثانية والعشرين بعد المائة. ولا بدّ أن يحصل المرشح لمنصب الرئاسة على موافقة مجلس صيانة الدستور الذي يتولى التثبّت من توافر شروط أهلية المرشحين المحدّدة في الدستور قبل إجراء الانتخابات، في الوقت الذي يُستبعد فيه مَن لم تتوافر فيه شروط الأهلية لشغل المنصب[4].

 وتعد صلاحيات رئيس الجمهورية، وفق الدستور الإيراني، ضيقة بالمقارنةً بتلك الخاصة بالولي الفقيه[5]، القائد، مما يجعل الرئيس أقل نفوذًا من الولي، وسلطته السلطة الثانية في البلاد بعد سلطة ولاية الفقيه. ويكون الرئيس بمثابة رئيس السلطة التنفيذية بيده صلاحيات منصب رئيس الوزراء، يشكّل الوزارة لكن بعد موافقة مجلس الشورى على الوزراء فردًا فردًا، ويكون مسؤولًا أمام الشعب ومجلس الشورى والقائد وفق المادة 122 من الدستور. وموقع الرئيس جزء من المواقع الأخرى التشريعية والقضائية التي يحلّ القائد الخلافات في ما بينها. ومن أهمّ التطوّرات في الدستور الإيراني المعدّل عام 1989م، أنّه توسّع في حق رئيس الجمهورية بإلغاء منصب رئيس الوزراء، وتعيين معاونين ونواب للرئيس مع تميّز وضع النائب الأول. وقد نصّ الدستور على دور محدّد للنائب القانوني لرئيس الجمهورية يتمثل في النيابة عنه في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. والنائب الأول هو المخول أداء وظائف الرئيس والتمتع بصلاحياته في حالات وفاة الأخير أو عزله أو استقالته أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، وذلك بعد موافقة الولي الفقيه، الأمر الذي لا يحتاج إلا إلى تصويت مجلس الشورى الإسلامي، المنتخب من قبل الشعب، بالثقة عليه. وهناك العديد من المهام التنفيذية المنوطة بالوزراء في إطار الدستور وتعديلاته.

 يمثّل مجلس الشورى السلطة التشريعية، بل هو المكون الأول لها، وهو المؤسسة الوحيدة غير القابلة للحل، ما يعطي زخمَا لسلطة الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية. ويضم المجلس ممثلي الشعب الذين يُنتخبون مباشرة من قِبل الشعب وعبر الاقتراع السري، ومدة الدورة لأربع سنوات. وينصّ الدستور على أنّ عدد نواب مجلس الشورى هو مائتان وسبعون نائبًا، وبعد كل عشر سنوات يمكن إضافة عشرين نائبًا، كحد أقصى في مراعاةٍ للكثافة السكانية. كما تنتخب الأقليات الدينية: اليهود والزرادشت، والمسيحيون الأرمن، والمسيحيون الآشوريون والكلدانيون، ممثليها من النواب، بما يتناسب مع عدد كل منها. وعلى الرغم من سعة صلاحيات مجلس الشورى المدوّنة في الفصل السادس الخاص بالسلطة التشريعية، حيث يعكس حرية الشعب، وهو غير مسؤول أمام السلطتين التنفيذية والقضائية، إلا أنّ حرية عمله مقيدة بسلطة مجلس صيانة الدستور، طبقًا للمادة السادسة والتسعين، من خلال إشرافه على أهلية المرشحين للمناصب النيابية، أولًا، ومراقبته لأداء مجلس الشورى، ثانيًا، بما يتعلق بالقوانين التي تخالف أصول وأحكام مذهب البلاد.

 وعليه، سبب التحديد والرقابة وفق الدستور، هو “ضمان مطابقة التشريعات التي يصادق عليها مجلس الشورى الإسلامي للأحكام الإسلامية والدستور”[6]. ومن أهم وأشهر الأمثلة على معارضة مجلس الصيانة لعمل مجلس الشورى، كان تعديل قانون الصحافة الذي اعترض عليه مجلس الصيانة، إلى أن تمّ استبعاده من جدول الأعمال بذريعة مخالفة قانون الصحافة الجديد للمصلحة والشرع. وعلى الرغم من ذلك، يمكن لمجلس الشورى عدم قبول وجهات نظر خبراء مجلس صيانة الدستور وإحالة الموضوع، محل الخلاف، على مجمع تشخيص مصلحة النظام. وبالإضافة إلى دور مجلس الشورى التشريعي، يمكن أن تقوم السلطة التشريعية باستفتاء الرأي العام، إذا ما صادق ثلث أعضاء مجلس الشورى على قرار الاستفتاء. كما أنّ من صلاحيات مجلس الشورى مراجعة المرشحين من قبل السلطة التنفيذية، واستدعاء الوزراء لمحاسبتهم على أدائهم، كما حصل في أيلول 2018م، عندما انعقد المجلس التشريعي برئاسة رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني[7]، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران.

 يصبغ الدستور الإيراني القضاء الإيراني بصبغته الدينية، وقد أفرد الفصل الحادي عشر لموضوع القضاء بكل تفاصيله في تسع عشرة مادة. يتم اختيار القاضي وفق المعايير الفقهية، ويتوجّب عليه إصدار الحكم وفق المصادر الإسلامية المعتمدة أو الفتاوى المعتبرة، مع عدم إيجاد حكم خاص بالدعوى في القوانين المدوّنة، ولا يحق لقضاة المحاكم “تنفيذ اللوائح والمقررات الحكومية التي تخالف القوانين والمقررات الإسلامية أو تلك التي تكون خارج إطار صلاحيات السلطة التنفيذية..”[8]. تتكوّن السلطة القضائية من كبار مسؤولي السلطة القضائية في الدولة (شبيه بما يسمى بالفرنسية: Vérité de Lapalisse). وقد حل رئيس السلطة القضائية محل رئيس القضاء الأعلى، بعد تعديل الدستور، سنة 1989م، وأُلحِق به مجلس استشاري.

 يُعيّن رئيس السلطة القضائية من قبل الولي الفقيه لمدة خمس سنوات. ويؤكد الدستور على استقلالية القضاء، فلا تستطيع السلطة التشريعية ولا السلطة التنفيذية عزل رئيس السلطة القضائية. وقد حدّد الدستور الصلاحيات والواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق القضاء الإيراني الذي يتوزع إلى ثلاثة أنواع: القضاء العام؛ القضاء الخاص المتمثل في محاكم قطاعية خاصة بالأسرة والصحافة، والعسكر، ورجال الدين؛ والقضاء الثوري الذي يُعدّ قضاءً استثنائيًّا، انضم ّإلى المنظومة القضائية الإيرانية في عام 1994م، وهو ينظر في قضايا جرائم الأمن الداخلي والخارجي، وإهانة مؤسس الجمهورية الإيرانية، والتآمر ضد النظام والتجسس، وتهريب المخدرات، والربح غير المشروع.

 مجلس صيانة الدستورمجلس فقهي قانوني منتخب بالواسطة. يتألف من ستة فقهاء عدول مختارين من قبل القائد، ومن ستة قانونيين مسلمين مرشحين من قبل رئيس السلطة القضائية، ومصدّق على تعيينهم من قبل مجلس الشورى الإسلامي. ويشرف مجلس صيانة الدستور على انتخابات مجلس خبراء القيادة، ورئيس الجمهورية، ومجلس الشورى الإسلامي، والاستفتاء العام، طبقًا للمادة التاسعة والتسعين من الدستور الإيراني. أعطى الدستور مجلس الصيانة حق النظر في أهلية المرشحين، وقبولهم أو رفضهم للترشح في الانتخابات الدورية الرئاسية أو النيابية أو مجلس الخبراء. وتطال قائمة الرفض مرشحي كلا التيارين الإصلاحي والمحافظ. هذه المَهمّة تجعل المجلس على قدر كبير من الأهمية، إضافة إلى كونه، وفق المادة الثالثة والتسعين من الدستور، يسبغ المشروعية على عمل مجلس الشورى، إذا ما تطابقت قرارات الأخير مع الأحكام الإسلامية ومواد الدستور. لما كان المشرّع هو الله، وفي محدودية نطاق تشريعات مجلس الشورى الإسلامي في نظام الجمهورية الإسلامية، فإن التشريعات المدنية التي تتعلق بالقوانين وإدارة البلاد غير المتعارضة مع الشريعة الإلهية من مهام مجلس الشورى، ومع التعارض يتدخّل مجلس صيانة الدستور. ومهمّة النظر في أهلية المرشحين تمنع اختراق ساحة النظام من قبل الشخصيات المختلفة فكريًّا أو عمليًّا مع أسس النظام. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدستور الإيراني لم يفصل بين سلطة مجلس الصيانة وسلطة مجلس الشورى. ويرى السفير الإيراني في لبنان، غضنفر ركن آبادي، عدّة أسباب لذلك، منها[9]:

  • توخي ألّا يكون في الدستور الإيراني بند خاصّ بسلطة مجلس فريد من نوعه، أي مجلس الصيانة، كي لا يتميّز الدستور الإيراني عن غيره من دساتير العالم بعدد السلطات الموزعة فيه.
  • عدم عرقلة عمل مجلس الشورى في حالة الفصل بين السلطتين؛ ما يبقي الصراع، في حال حدوثه، جدليًّا داخل المؤسسة الواحدة.
  • إلغاء ازدواجية التشريع، بمعنى ألا ينظّر الدستور الإيراني لمصدري تشريع: قانوني وضعي وشرعي إلهي. فالدستور يريد مصدرًا تشريعيًّا واحدًا؛ تتكامل فيه عملية التشريع الدينية القانونية.

5. مجلس خبراء القيادة

      مجلس الخبراء كناية عن مجلس خاص بنظام الولي الفقيه، يُنتخب من قبل الشعب لمدة ثماني سنوات، ويضم 86 عالمًا دينيًّا، لا تقل سِنّ أحدهم حسب القانون عن ستين عامًا، ويتوجّب عليهم اجتياز امتحان الاجتهاد الذي يضعه مجلس صيانة الدستور، أي أنّهم 86 فقيهًا مجتهدًا. كما أنّهم غير ممنوعين من تولّي المناصب الحكومية المختلفة مثل عضوية مجلس الشورى. يختصّ المجلس بتعيين الوليّ الأنسب وبتدوين الدستور، والمصادقة على القرارات المتعلقة بواجبات الخبراء وقوانين المجلس الخاصة. وكان أول مجلس لصيانة الدستور هو المسؤول عن إعداد القوانين المتعلقة بمجلس الخبراء، في دورته الأولى[10]. وقد انتخب الشعب أعضاء مجلس الخبراء لأول مرة في 3/8/1979م، لوضع الدستور الجديد الذي أعطى بدوره المجلس مهام تحديد آلية اختيار الولي الفقيه وتعيينه، والإشراف على مهامه. أما المهامّ الأخرى للمجلس، وفق المادة الحادية عشرة بعد المائة، فهي عزل الولي الفقيه وإقالته على رغم سلطتيه الدينية والسياسية، وذلك عند عجزه عن أداء مهامه القانونية، أو فقد أحد شروط تعيينه، أو ارتكابه ما يخالف الإسلام أو أسس النظام.

 في هذا السياق، يعقد المجلس جلسات دورية كلّ ستة أشهر لتقييم أداء الولي الفقيه. ويكون على المجلس القيام في أسرع وقت بتعيين القائد البديل، لاسيما عند وفاة القائد القائم. وفي حال شغور المنصب، يتم تأليف مجلس شورى تحت عنوان مجلس شورى القيادة، يتحمل جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقّت إلى أن يعيّن مجلس الخبراء القائد الجديد. ويضم مجلس شورى القيادة رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور الذي ينتخبه مجلس تشخيص مصلحة النظام. وهذه الصلاحيات خاصّة بمجلس الخبراء دون غيره، إذ تؤمّن صلاحيات مجلس الخبراء استحالة تغيير مَهامه من قبل أيّ مجلس تمثيلي آخر. والعمل على تغيير الدستور، أو تقييد صلاحيات الولي الفقيه يتمّ فقط بناءً على تشاور القائد نفسه مع مجلس تشخيص مصلحة النظام، وذلك في حالات ضرورية، وبآلية معيّنة تحدّدها المادة السابعة والسبعون بعد المائة من الدستور الإيراني.

6. مجمع تشخيص مصلحة النظام

 تأسّس هذا المجلس رسميًّا سنة 1988م بأمر من الإمام الخميني الذي عيّن أعضاءه للمرة الأولى. وتستمر دورته خمس سنوات. يتكوّن من 31 عضوًا يمثلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية؛ يجمع عددًا من الرؤساء السابقين ووزراء الدفاع وقادة الحرس الثوري السابقين وبعض اللجان المتخصصة. يعين الولي الفقيه أعضاءه الدائمين والمتغيرين، وينضم إليه رؤساء السلطات الثلاث بشكل آلي. ويلتحق بعض الأعضاء فيه بشكل غير دائم إذا كانت المسائل المطروحة على طاولة التشخيص تتعلق بصلاحياتهم، كبعض الوزراء مثلًا.

 تتركز مهام المجلس على الشق الاستشاري؛ التشاور مع الولي الفقيه في حال وجود مشكلة ما تتعلق بسياسات الدولة العامة، إضافة إلى الحكم بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور في حال نشوب أزمة بينهما. وتعدّ قراراته نافذة بعد موافقة الولي الفقيه على ما صادق عليه أعضاء المجلس من مقررات. ويفسر القائد الخامنئي السياسات العامة بأنها تلك التي تتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والإعلامية والقانونية، أيّ كلّ ما هو من صلاحيات الحكومة، وكذلك إشاعة حالة من الانسجام بين أجهزة النظام، وإرساء آلية تطبيق سياسية واحدة تمكّن القائد من إزالة العقبات عن طريق الحكومة، والأجهزة المختلفة. ومن مهامّ المجلس المهمة، كما مرّ سابقًا، أنه في حال اعفاء القائد من منصبه لسبب ما، فإنه يتولّى مسؤولية انتخاب أحد فقهاء مجلس صيانة الدستور لمشاركة رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية في مجلس شورى قيادي مؤقت، إلى أن يقوم مجلس الخبراء بتعيين القائد الجديد. وتجدر الإشارة إلى أنّ مجلس تشخيص مصلحة النظام ينوب عن مجلس شورى القيادة في حال عجزه عن القيادة المؤقتة.

7. سلطة الوليّ الفقيه

 يتبنّى الدستور الإيراني نظرية ولاية الفقيه المطلقة[11]. وتنصّ المادة الخامسة منه على أنّ ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية تكون بيد “الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير”. أعطت المادة السابعة عشر بعد المائة الولي الفقيه صلاحية اتّخاذ القرار الأول بعد التشاور مع مجلس تشخيص مصلحة النظام. فالوليّ هو الذي يحلّ مشكلات النظام، ويشرف على حسن إجراء السياسات العامّة، وينظّم العلاقات بين السلطات الثلاث، ويعيد توازنها، وينظّم تداخلها. وتمارِس كلّ السلطات في النظام الجمهوري الإسلامي صلاحياتها تحت إشراف الولي الفقيه بحسب المادة السابعة والخمسين، فهو كلّ السلطات من جهة، وهو الحكَم بينها دستوريًّا، من جهة أخرى[12]. ويشير توزّع صلاحيات القائد والمؤسسات المرتبطة به إلى أن الدستور منحه، من الناحية العملية، سلطة التعيين والإشراف على كل المفاصل الحساسة. وعلى الرغم مما يمتلكه الولي الفقيه من صلاحية عزل رئيس الجمهورية، إلا أنه لم يستخدم هذه الصلاحية إلا الإمام الخميني عندما أقال أول رئيس للجمهورية، الرئيس بني صدر.

 تنصّ المادة العاشرة بعد المائة من الدستور الإيراني على أنّ الولي الفقيه هو الذي يعين السياسات العامة لإيران بالتشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، والسياسة الخارجية جزء من هذه السياسات العامة. وبالتالي، فإنّ جزءًا من قرارات السياسة الخارجية يقع بشكل مباشر أو غير مباشر في إطار صلاحيات المرشد. كما يؤمّن ارتباط صلاحياته الاستشاريّة بمجلس تشخيص المصلحة تثبيت دعائم نظام الشورى الإسلامي، فضلًا عما يمثله تعيينه من قبل مجلس الخبراء المنتخَب بواسطة الشعب صوت الأخير ذاته، وإن بصورة غير مباشرة[13]. بالنتيجة، تشير الصلاحيات الواسعة للولي الفقيه إلى مركز قوة يخولّه أن يكون صاحب الكلمة الفصل، لاسيّما وأنّ نظام ولاية الفقيه يضفي على هذه الصلاحيات الواسعة بُعدًا مقدّسًا يجعل هذا المنصب أقوى مؤسسة في إيران إلى حدّ بعيد، وينعكس على صناعة القرار في إيران. ويرى أحد أهمّ منظّري “ولاية الفقيه” في إيران، آية الله مصباح يزدي، أنّ ولاية الفقيه هي التي تؤمّن مشروعية النظام الإسلامي، فالسلطات الثلاث خاضعة لسلطة الوليّ الفقيه _ القائد، وأمره نافذ، وهو ما يسمى بـ “الأمر الولائي”، ويُطلق عليه بالفارسية “حكمِ حكومتي”[14]، وذلك بموجب المادة السابعة والخمسين من الدستور التي تنصّ على أنّ “السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وكلها تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة”.

8. سلطات متفرقة

 يبقى أن يشار إلى وجود مجموعة من السلطات الأخرى منها الحزبية ومنها غير الحكومية، ومرجعية سلطتها هي الدستور والسلطات المركزية أعلاه، واستقلاليتها لا يجعلها في موقع التفرّد بصنع القرار الإيراني. تضمّ السلطات غير الحكومية البازار والحوزات العلمية والمؤسسات المختلفة، على ثلاثة مستويات رئيسية: نخبة الدائرة الداخلية وتتألف من علماء الدين ومجموعة من المستشارين والمقربين ورجالات الثورة ورؤساء المؤسسات التي يشرف عليها الولي الفقيه بشكل مباشر مثل رئيس السلطة القضائية، ومجلس ممثلي الولي الفقيه في كل مؤسسات الدولة الهامة وفي المحافظات ورؤساء مختلف المؤسسات الدينية؛ ونخب السلطة الإدارية وتشكل تنوعًا أكبر من الدائرة الداخلية من حيث التوجهات والأفكار السياسية والأيديولوجية ومعظم أعضائها من الموظفين المدنيين، وهو ما يمثل السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية؛ ونخبة المفكرين السياسيين، والأكاديميين والكتاب والصحافيين، وعدد من قادة المنظمات غير الرسمية.

 تُختزل السلطات الحزبية بتيارين أساسيين” المحافظين والإصلاحيين، يضم كل منهما عدة أجنحة. والاختلاف بين القوى الحزبية متفاوت سواء ما بين التيارين، أو داخل التيار نفسه. يتدرّج المحافظون في التشدّد سواء في الطرح النظري أو عند التطبيق، وكذلك هم الإصلاحيون الذين ليسوا على نفس الدرجة من الانفتاح، خصوصًا لجهة عمق التغيير المنشود ونطاقه، كما لجهة المدى الزمني لتحقيقه. ويتباين التياران في قضايا داخلية، وخاصة ما يتعلق منها بالحريات العامة، والحريات الشخصية، وكيفية بناء الدولة، ومهام مجلس صيانة الدستور وكيفية تعيين أعضائه، وصلاحيات الولي الفقيه، بل ويطالب البعض من الإصلاحيين بمناقشة مدة حكمه، وكيفية إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة، وكيفية مواجهة التحديات والضغوط الخارجية. وعلى الرغم من التنافس السياسي الداخلي، وتنوّع الآراء والمناقشات إلا أن القرارات تتخذ على أساس نتيجة المصلحة المشتركة تحت سقف حماية النظام ومصالحه وفق الالتزام بثوابت النظام القيمية ومبادئه. قد يتفق الفريقان على القضايا الاستراتيجية والأمنية القومية وذات المصلحة الوطنية العليا، لكن من الممكن أن تتباين الآراء حول كيفية المعالجة، ويختلف الطرفان في الرؤى والعناوين الجزئية الفرعية في كيفية الترجمة العملية لسياسة المواجهة، الأمر الذي يتطلّب ضبطًا من المؤسسات المختصة وفق مقررات الدستور، وعلى أعلى مستوى من سلطة الولي الفقيه.

 يسهم تقسيم السلطات وفق الدستور الإيراني في الحؤول دون تمركز السلطة في موقع واحد، بما يمنع من العودة بالمجتمع الإيراني إلى الاستبداد القاهر والسائد إبان الحكم ما قبل الثورة، سواء القاجاري أو البهلوي. يوزّع الدستور الإيراني أدوار المؤسسات وفق “لامركزية” تحول دون تفرّد أي مؤسسة بحكم أو قرار، لكن مع خصوصية واضحة لسلطة الولي الفقيه أو الولي الفقيه؛ تمنحه أعلى سلطة. فتتّسم اللامركزية في توزيع سلطات المؤسسات الحاكمة وصلاحياتها بخاصية التداخل في حدود الحفاظ منجزات الثورة الإسلامية، وفي طليعتها النظام الجمهوري الإسلامي نفسه. تتداخل المهام بين جميع المؤسسات التي تراقب بعضها البعض في ذات الوقت، ويشرف بعضها على الآخر، أو يعترض عليه، حتى يصل الأمر لمجلس تشخيص مصلحة النظام الذي تحتاج مقرراته موافقة الوليّ الفقيه عليها لتصبح نافذة. يعكس هيكل النظام السياسي الإيراني نوعًا من اللامركزية الخاصة التي تظهر في التوازي والتقاطع في آنٍ معًا، ما تمنع التفرّد والاستئثار بالسلطة من ناحية، وتضمن التفاعل بين مختلف السلطات من ناحية ثانية، فضلًا عن حفظ الدور المركزي لولاية الفقيه.

  وهذا الأمر يفيد خضوع معايير القرارات دستوريًّا لمصلحة النظام، بحسب ما يراها القيّمون عليه من العلماء، وعلى رأسهم الوليّ الفقيه. وبإطلالة سريعة وموجزة على تداخل الصلاحيات وتقسيم الوظائف والأدوار وفق الدستور الإيراني، يقيّم مجلس الخبراء عمل مرشد الثورة وهو مخوّل بمحاسبته في حال التقصير، بل ويمتلك حق إقالته. وفي حين يتشاور الولي الفقيه مع مجمع تشخيص مصلحة النظام يتدخل الأخير لحل أي خلاف بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور لصالح الحفاظ على المنهج الإسلامي ومنع انحراف الدولة عنه. يخضع مجلس الشورى الإسلامي لرقابة مجلس صيانة الدستور، الذي يضبط “إسلامية” جميع القوانين والقرارات، ويشرف على انتخاب أعضاء مجلسي الشورى والخبراء، ورئيس الجمهورية.

 يشكّل النظام الجمهوري الإسلامي بتداخل مهام مؤسساته شبكة من العلاقات ذات أقطاب متعددة أكثر من كونها علاقة هرمية؛ الشعب يمثّل ركيزة النظام وقاعدته، ويشغل منصب الوليّ الفقيه محور الشبكة لدوره المركزي لاسيّما في التوجّهات الاستراتيجية العليا. تَشابُك المهام في نظام الجمهورية الإسلامية بارز إلى حدّ تنجم معه سياسة الحكومة عن تفاعل القوى وتوازنها وإن اختلفت، كما يجعل من صنع القرار الإيراني مجالًا لتجاوز الاختلاف وبناء الإجماع، تحت سلطة الولي الفقيه؛ العلاقة التي تشير إلى خضوع التداخل في المهام والصلاحيات إلى نوع من الضبط والتوازن كمحدِّد جوهري في رسم السياسات وصنع القرارات. تفعّل علاقة الرقابة والضبط المتبادلة بين مؤسسات النظام المتشابكة وكبح جماح بعضها البعض آلية “التعطيل المتبادل” لعدم استئثار أي من المؤسسات بالقرار. وهذه الآلية تتيح بدورها للنظام القدرة على التكيف والتوزان تحت عباءة النظام الجمهوري الإسلامي عند التهديدات والتحديات. انظر جدول رقم (1).

جدول (1): توزّع مراكز صنع القرار الإيراني وفق النوع وصفة الأعضاء والمهام وآلية الانتخاب وجهات الضبط

السلطةنوع السلطةالأعضاءأهم المهامالجهة الانتخابيةمسؤوليات الضبط والرقابة
الولي الفقيهتنفيذية اشرافية أعلى سلطةعالم دين مجتهدحل الخلافات بين السلطاتقائد القوات المسلحة والحرس الثوري.رسم السياسات العامةعزل رئيس الجمهورية تعيين من قبل مجلس الخبراء  التشاور مع مجمع تشخيص النظامتقييم عمله من قبل مجلس الخبراءتعيين رئيس السلطة القضائية وتعيين 6 فقهاء في مجلس صيانة الدستور
رئيس الجمهورية والوزراءتنفيذية إدارية ثاني سلطةشخصية متدينة سياسية إيرانيةتطبيق الدستور.الإدارة التنفيذية للبلاد. التوقيع على التشريعات. التوقيع على الاتفاقات والمعاهداتالشعبموافقة مجلس صيانة الدستور على الأهلية ومصادقة الولي الفقيه بعد انتخابه
مجلس الشورى الإسلاميتشريعية رقابيةفقهاء ورجال قانون، رجال سياسة ورجال دينسن القوانين والرقابةالشعبصلاحياته مقيدة بمجلس صيانة الدستور
السلطة القضائيةقضائيةرئيسها ورئيس المحكمة العليا والمدعي العام للبلاد مجتهد عادل ضليع بالأمور القضائيةالدفاع عن الحقوق الفردية والاجتماعية، وتحقيق العدالة، التحقيق في الذمم المالية بدءًا بصاحب أعلى منصب مع عائلاتهم قبل توليهم السلطة وبعدها.تعيين من قبل الولي الفقيه.بيد الولي الفقيه عزل وقبول استقالة رئيس السلطة القضائية
مجلس الخبراءإشرافية، رقابية وتعيينيةنخبة من الفقهاءتدوين الدستورتعيين وإعفاء الولي الفقيه من منصبهالشعبموافقة مجلس صيانة الدستور على أهلية المرشحين
مجلس تشخيص مصلحة النظامتشريعية رقابية استشارية إداريةممثلو رؤساء السلطات وفقهاء مجلس صيانة الدستور والنائب الاول للرئيسمنع انحراف الدولة عن المنهج الإسلامي.حل التعارض ما بين قرار مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور.صلاحيات واسعة أثناء الفراغ السياسي القيادي. تعيين من قبل الولي الفقيه.الموافقة على قراراتهم تخضع لموافقة الولي الفقيه
مجلس صيانة الدستورتشريعية رقابية إشرافيةفقهاء ورجال قانونضبط إسلامية جميع القوانين والقرارات.إشراف على انتخابات مجلسي الشورى، والخبراء، والموافقة على أهلية المرشحين لرئاسة الجمهورية والإشراف على انتخاباتها. تعيين الفقهاء من قِبل الولي الفقيه، ومصادقة مجلس الشورى على أسماء القانونيين بعد تسميتهم من قبل رئيس السلطة القضائية.بيد الولي الفقيه تنصيب وعزل وقبول استقالة الأعضاء
المجلس الأعلى للأمن القوميدفاعية وامنيةمجموعة كبيرة من كبار مسؤولي الدولةتعيين السياسات الدفاعية والأمنية، وتنسيق النشاطات المتعلقة بها، والتصويت على قرارات الدولة المصيرية.تعيين دستوريقراراته نافذة بسلطة الولي الفقيه

 يقرأ الجدول شبكة توزع السلطات المتداخلة بطريقة موجزة لأهم التفاصيل حول تلك السلطات، كما يحدد نوعها وأهم مهامها وأعضائها، وطريقة وصولها إلى الحكم؛ بما يكشف لامركزية بنية نظام الجمهورية الإسلامية، والتداخل البنيوي الوظيفي في مراكز صنع القرار في النظام. هكذا، تتداخل شبكة العلاقات بين المؤسسات، وتتشابك بطريقة تمنع انهيار النظام مع انهيار أحدها، وتكون جميعًا من الناحية العملية تصب في خدمة النظام كامتداد للثورة بما تمثله من مشروع وجودي معنوي يتخذ من المنحى الفقهي والسياسي في الحكم وفي التعامل مع التحديات المحيطة وسيلة للحياة والبقاء، لأن امتداد الثورة لا يكون إلا في بقاء النظام، وبقاء النظام لا يكون إلا في امتداد الثورة فيه.

 تتوزّع مسؤولية مهام صنع القرارات_ التي تكون على مستوى مصالح البلاد العليا وتمس بالأمن القومي للبلاد_ ما بين القائد ورئيس الجمهورية ومجلس الشورى ومجلس الأمن القومي الذي يرأسه رئيس الجمهورية، ويكون التصديق على القرار من مهامّ الوليّ الفقيه. كما تخضع عملية صناعة القرار في المجال الاقتصادي تمامًا كالقرار السياسي، لديناميات تفاعلية بين مركز القيادة والمجلس الأعلى للأمن القومي، وتساهم فيها كلّ من المؤسسة التنفيذية بوزرائها الاختصاصيين ومجلس الشورى. وعليه، يتشارك كل من القائد الولي الفقيه والرئيس ونواب الشعب مسؤولية البت بالقرار. ويتضح الدور التشاركي ما بين القيادة والرئاسة على المستوى القانوني في إدارة تحديات البلاد رغم اقتصار صلاحيات الرئيس على الفرع التنفيذي، وما تواجهه من قيود، إلا أن الرئيس يمتلك بعد القائد الأعلى، التأثير الأكبر على السياسة الخارجية، نظرًا للطبيعة شبه الرئاسية وشبه البرلمانية لجمهورية إيران الإسلامية، ويبقى باستطاعته معارضة سلطة الفقيه الحاكم في العديد من القضايا[15]. بيد أن مسألة اختلاف وجهات النظر بين الرئيس والي الفقيه يفصل فيها الدستور الذي لا يعطي للرئيس حق معارضة الولي الفقيه، بل يحتاج موافقته.

 إن من مهام رئيس الجمهورية على سبيل المثال رئاسة المجلس الأمن القومي، لكنه يحتاج إلى موافقة الولي الفقيه حول المسائل الأمنية الشديدة الأهمية كي تصبح قراراته ذات الصلة نافذة. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الولي الفقيه يقوم هو نفسه بتقديم آرائه في المجلس، مع العلم أن القرار النهائي بيده، لكن كبار مسؤولي الدولة المعينين دستوريًّا في المجلس الأعلى للأمن القومي هم المساهمون فعلًا في صياغة السياسة وصقلها[16]، ويمكن مراجعة المادة 176 من الدستور للاطلاع على أعضاء المجلس. وعليه، فإن عدم تفرّد الرئيس وفق الإطار الحقوقي والحدود الدستورية بصنع القرار مع ما يمتلكه من دور مؤثر وصلاحيات هو من باب ما تتطلبه خصوصية البنية السياسية في النّظام الجمهوري الإسلامي من مصالحة سياسية في إطار السياسة الخارجية، وإلغاء إمكانية استئثار أحد الأطراف بصنع القرار، إذ لا توجد حرية غير محدودة للعمل، والكلّ يتحرّك في إطار دوره[17]، حتى الولي الفقيه.

 تعبّر المهام الملقاة على عاتق كل من الرئيس والقائد ومجلس الأمن القومي في صنع القرار وفق مساره الطبيعي، وإن لم يحصل القرار على موافقة القائد الخامنئي في اللحظة الفصل، عن عملية تنظيمية تشاركية لقرارات النظام وفق ما تقتضيه المصلحة العليا، وهو ما يشير إليه الرئيس روحاني في مذكراته، قبل تولّيه منصب رئاسة الجمهورية، بقوله: “في الوقت الحاضر، أصبح هيكل اتخاذ القرار في البلاد، إلى حدود معينة، أكثر تنظيمًا وتأطيرًا مؤسساتيًّا”[18]؛ تساهم المؤسسات جميعها وتتعاون في صناعة القرار. وإذا كان رئيس الجمهورية لا يتحكّم وحده في إيران بالسياسة الخارجية، أو القوات المسلحة، أو الملف النووي، بحيث أن هذه الأمور الأساسية كلها تدخل في نطاق صلاحيات الولي الفقيه[19]، إلّا أنّ القائد لا يمارس صلاحياته في هذا المجال في فراغ، بل في سياق سياسي تمارس فيه مختلف القوى الضغط والتدافع، ومنها الرئاسة والمؤسسات المرتبطة بها، من أجل طرح وجهة نظرها وإقناعه بها. ويبقى القرار الفصل عند القائد منعًا لتجاوز مبادئ النظام وثوابته.

ثانيًا: مركزية السلطة الشعبية

 يتمتّع الشعب الإيراني بموقع مميز في البنية السياسية والاجتماعية في نظام الجمهورية الإسلامية الذي يتبنّى مفهوم “السيادة الشعبية الدينية” مع التأكيد على أسبقية “مفردة الشعبية” على “الدينية” للدلالة على أنه النظام الذي اختاره الشعب بنفسه، وتعبيرًا عن محورية دور الشعب في بقائه. وينظم الدستور الإيراني علاقة السلطة السياسية بالسلطة الشعبية تحت حكم الشريعة الإسلامية بإشراف الفقهاء العدول، وعلى رأسهم الولي الفقيه. يخصّص الدستور الفصل الخامس للحديث عن سيادة الشعب؛ يتعرّض فيه لكيفية ممارسة الشعب حقه _ الممنوح له من الله _ من خلال الحق الانتخابي والتمثيلي. ويرى سماحة السيد القائد الخامنئي ان حضور الناس في الساحة السياسية ومشاركتهم الحقيقية هي إحدى الحقائق النابعة من الإسلام، بما يعنيه ذلك من أصالة لدور الأمة في تقرير المصير السياسي. ويقول الإمام الخميني في هذا الخصوص: “هناك فكر جاء بحكومة تمكّنت من استخراج الحرية والحكومة الشعبية الدينية المعتمدة على آراء الناس من داخل المفاهيم والتعاليم الدينية”[20].

 ينتخب الشعب بطريقة مباشرة رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى، وأعضاء مجلس خبراء القيادة، كما يمارس سلطته في الاستفتاء العام في حالات خاصة ينصّ عليها الدستور. بينما ينتخب بطريقة غير مباشرة من خلال المساهمة بانتخاب السلطات المعيّنة مثل سلطة الولي الفقيه عبر انتخاب مجلس الخبراء المسؤولين عن تعيينه، وفي ذات السياق يساهم بطريقة غير مباشرة في انتخاب مجلس صيانة الدستور، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، والسلطة القضائية؛ فالشعب مثلًا ينتخب مجلس الشورى الذي يشارك بدوره في انتخاب مجلس صيانة الدستور. كما يمارس الشعب حقه في تشكيل الوزارات عبر مجلس الشورى الذي يمنح الوزراء الثقة أو يحجبها عنهم، كما تقرّ المادة الثالثة والثلاثون بعد المائة. وعليه، تنعكس السلطة الشعبية في الدور التشاركي مع موقعي القيادة والرئاسة في عملية صنع القرار في ما يخص انتخاب المؤسسات الخاصة بالنظام الإسلامي.  وتعدّ الانتخابات مؤشرًا جوهريًّا على قوة النظام وتماسكه؛ فالنظام، وفقًا لخطاب القائد، هو في الحقيقة لا شيء من دون دعم الجماهير ‏وأصواتهم وإرادتهم[21]، والانتخابات بدورها وسيلة صيانة لدور الشعب ومؤشر اقتدار له، وعملية إمداد كلا الشعب ‏والنظام بالقوة في مواجهة التحديات العالمية المختلفة أكثر من الماضي[22]. وبناء عليه، يعدّ الشعب قاعدة أساسية في تحديد القوى المركزية المنوط بها رسم صورة مستقبل النظام وشكله السياسي وصناعة قراراته. ومن هذه الزاوية بالذات يمكن فهم دور الولي الفقيه في الحفاظ على علاقة النظام بالقاعدة الشعبية في إطار ثبات أهداف الثورة وبقائها وديمومتها مع مرور الزمن، وعدم الانحراف عنها بغية تحقيقها تدريجيًّا، وهي: تحقّق العدالة الاجتماعية، وتحقيق الحياة الإسلامية، وإقامة مجتمع إسلامي يتوافر فيه العلم والعدل والأخلاق والعزة والتقدم معًا. من هنا، كان دور القائد حاسمًا في إحياء الثورة في الأذهان، وحفظ الفكر الثوري والتوجّهات الاستراتيجية الثورية، وحراستها سواء باستخدام البيان أو إعلان المواقف والسلوك واتخاذ القرارات والضوابط والقوانين[23].

ثالثًا: المرجعية الفكرية في نظام الجمهورية الإسلامية

تقوم عملية صنع قرار السياسي على التكيف مع المتغيرات المختلفة، ومحاولة التأثير فيها، بشكل يتوافق مع رؤية صاحب القرار. تشكّل المرجعية الفكرية لنظام الجمهورية الإسلامية مرتكزًا في فهم صناعة القرار الإيراني. ويعدّ فكر الإمام الخميني، ما يعرَف بـ “خط الإمام”، نقطة الارتكاز المعرفية والفكرية والعقائدية والعملية في فهم المرجعية الفكرية لنظام الجمهورية الإسلامية وتأثيرها في رسم السياسات العامة الإيرانية على مستوى الخارج والداخل. ويُقصَد بـ “خط الإمام” نهج الإمام الخميني وفكره في قيادة الثورة بكلّ أبعادها وأهدافها ومفاهيمها ومبادئها وآلياتها. وهو ذات بعدين: ديني نظري، وديني عملي. وفي حين تعبّر وثيقة النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم التي طرحها سماحة الإمام السيد القائد الخامنئي العام 2018، عن هذه المرجعية الفكرية في صناعة القرار في السياسة الداخلية، يُعدّ مفهوم “مقارعة الاستكبار” الذي طرحه الإمام الخميني المفهوم الجامع للبعد العملي في خطّ الإمام والمؤثر الجوهري في عملية صناعة القرار في السياسة الخارجية، حيث تنعكس المبادئ الثورية التي ارتكز عليها النظام في قيام الحكم الإسلامي ومواجهة التبعية والاستلاب والتغريب ورفض “الاستضعاف”.

 يحدّد السيد القائد الأسس والدعائم الداخلية المحكمة في سياق تحقق التقدّم الحقيقي والعميق للبلاد بأنها: التقدم العلمي والاقتصاد والمقاوم والمناعة الثقافية في سبيل المحافظة على الخصائص الثورية، والحركة الجهادية، والعزة والهوية الوطنية، وعدم الذوبان في الجهاز الهضمي العالمي الثقافي والاقتصادي الخطير[24]. وتختزن وثيقة النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم التي شارك بإعدادها مجموعة كبيرة من المفكرين والخبراء الإيرانيين المباني الأساسية في مسار تقدّم إيران، بناء على “الرؤية الكونية والأصول الإسلامية وقيم الثورة الإسلامية وفي ضوء المقتضيات الاجتماعية والإقليمية لإيران وتراثها الثقافي طبقاً للمناهج العلمية وبالانتهال من المكتسبات البشرية والدراسات المستقبلية للتطورات العالمية”[25]. وتحدّد الوثيقة أسس علاقة النظام بالقاعدة الشعبية في إطار ثبات أهداف الثورة وبقائها وديمومتها مع مرور الزمن، وعدم الانحراف عنها بغية تحقيقها تدريجيًّا، وهي: تحقّق العدالة الاجتماعية، وتحقيق الحياة الإسلامية، وإقامة مجتمع إسلامي يتوافر فيه العلم والعدل والأخلاق والعزة والتقدم معًا [26]. هذه الوثيقة الرؤيوية الشاملة بما فيها من الركائز والأهداف والرسالة والآفاق والتدابير تمثل الميثاق المشترك بين الشعب ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتقدم، وأهداف النموذج للمجتمع وبلاد إيران في النصف قرن القادم وتعين الأهداف الواقعية لأبناء الشعب والمجتمع والدولة في إيران. وتاليًّا، تعدّ الوثيقة أبرز محددات القرار الإيراني على مستوى الداخل في التعامل مع أي ملف أو قضية خاصة بإيران وشعبها.

  • المباني الفكرية في قرار السياسة الخارجية

تقوم العملية في السياسة الخارجية “على تحديد قواعد التعامل مع المتغيرات والظواهر الدولية الحالية، والمحتملة، وصياغة برنامج للعمل في المجال الخارجي”. يتبنّى النظام القضايا الاستراتيجية المركزية في مواجهة “الاستكبار” استنادًا إلى فكر الإمام الخميني: الوحدة الإسلامية، مناهضة أميركا والعداء لـ “إسرائيل”، الدفاع عن القضية الفلسطينية، ودعم الحركات المقاومة. تساهم هذه القضايا إلى جانب موقع إيران الجغرافي المهم من منظور الجغرافيا السياسية[27] في تحديد طبيعة العلاقات مع الدول الأخرى، أيّ أنها ترسم سياسة إيران تبعًا لها.

  1. تعزيز الوحدة

 يولي النظام الجمهوري الإسلامي مفهوم الوحدة بشكل عام اهتمامًا كبيرًا، سواء وحدة القوميات الإيرانية المختلفة تحت لواء المواطنة الإيرانية، أو الوحدة بمعناها الأوسع والأشمل للأمة الإسلامية كرابط دينيّ يتجاوز جميع أشكال الروابط الأخرى، من أصول قوميّة وعرقيّة ولغويـّة وغيرهـا. يعزّز الدستور الإيراني، في طليعة مقدمته، الانتماء الوطني وضمان حقوق الأقليات الدينية والقومية، واحترام حرّياتها. تمتلك القوميات الإيرانية على اختلافها بطاقة يحملها كل مواطن إيراني؛ ينتخب بواسطتها في أيّ مكان في البلاد، كما تجتمع القوميات حول اللغة الفارسية، لغة البلاد الرسمية، مع استمرار استخدام اللغات المحلية والقومية المختلفة كالتركية، والآذرية، والكردية، والعربية[28]. وتعدّ الوحدة الإسلامية نهجًا متقدّمًا في الالتفاف حول الأصول والأسس المشتركة التي تجمع الأمة وتوحّد كلمتها بما لديها من مشتركات كثيرة يجب التأكيد عليها[29]، بما يحول دون تبعات الاختلافات المدمّرة، فالفشل نتيجة حتمية للتنازع، ومواجهة تهديد مشاريع الغطرسة والهيمنة التي تطال العالم الإسلامي أجمع، تحتم ضرورة الوحدة.

  • نصرة القضية الفلسطينية والعداء للكيان المؤقّت

 انعكست التغيّرات الجذرية التي أحدثتها الثورة الإسلامية العام 1979م، ورؤيتها الجديدة للعالم الخارجي على سياستها الخارجية. رفضت قيادة الثورة أن تكون إيران “شرطي الخليج” الذي كان نظام الشاه قد كرّس مهامه في خدمة المصالح الأمريكية وتصدير النفط الإيراني للكيان المؤقت، كما أكّدت على أن يكون أمن الخليج بيد أهل الدول الموجودة حوله. شكّلت رؤية النظام السياسي الجديد محور عداء الولايات المتحدة مع إيران، وتحديدًا مع نظام “ولاية الفقيه”، لطبيعة البعد العملي الإجرائي فيه الدافع باتجاه مواجهة الهيمنة الأمريكية والأطماع الدولية في المنطقة. وتتحرك إيران في قراراتها بناء على طبيعة الصراع بينها وبين الولايات المتحدة، والوجه الحقيقي لهذا الصراع المتمحور حول حماية الأمن القومي الإسرائيلي. وقد شكّلت العقوبات الأميركية على إيران بحجة ملفّها النووي “ملمحًا رئيسيًّا من ملامح سياسة الولايات المتحدة حيال إيران”[30].

  يتّخذ نظام الجمهورية الإسلامية من تبنّي القضية الفلسطينية ودعم فصائل المقاومة آلية استراتيجية في ترجمة الرؤية النظرية للوحدة الإسلامية. وتنعكس الرؤية بشأن القضية الفلسطينية في السياسات العامة للنظام الإيراني، ما يؤكّد عليه الإمام القائد الخامنئي؛ فالنظام يؤمن بالقضية الفلسطينية ويجدها قضيّة استراتيجيّة، وليس تكتيكًا يُتّبع على أساس مصلحة معينة[31]. ويشترك الجانبان في منحى قيمي ثوري قوامه نصرة حقوق المستضعفين ورفض سياسة الانبطاح أمام الاحتلال الصهيوني وعدم الخضوع لسياسات التطبيع وما عرِف بـ ” باتّفاقيات السلام” التي بدأ معها التصدّع في بنيان الأمن القومي العربي. كما يرفض نظام الجمهورية الإسلامية تسخير إمكانات إيران ومقدراتها للصهيونية، أو تنفيذ المخططات الغربية التي تعمل لصالح الأخيرة وتعزيز وجودها على حساب شعوب المنطقة. وفي حين تركّز إيران البوصلة على الجانب الإنساني والإسلامي من القضية، إلا أنها لا تترك فرصة دولية إلا وتسلّط الضوء على مظلومية الشعب الفلسطيني، وأهمية مواجهة الاحتلال على المستوى الحقوقي، وبلورة إجماع حول القضية الفلسطينية، باعتبارها رمزًا لوحدة الصف بين المسلمين وأحرار العالم والشعوب المدافعة عن الحق والعدالة.

 تنعكس المرجعية الفكرية للنظام، وقوامها مواجهة الاستكبار التي تظهر في الموقف من القضية الفلسطينية والعداء للكيان والمناداة بالوحدة ونصرة المستضعفين في تحديد طبيعة علاقة إيران بحركات المقاومة كافة. شكّلت الثورة الإسلامية في إيران نقطة تحوّل في علاقة الولايات المتحدة مع “إسرائيل”، لأنها اتّخذت من القضية الفلسطينية أساسًا لمواقفها السياسية[32]. والموقف من الكيان المؤقّت في المعنى الاستراتيجي يفيد خروج إيران من المثلث السابق (الأميركي-التركي-الإسرائيلي) لمواجهة النفوذ السوفياتي ولحماية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ودخولها إلى قلب الصراع ضد هذه الدولة، وضد خط التّسويات معها[33]. ودخلت إيران في حرب ضد المصالح الأميركية وسعت إلى تعزيز مواجهة المشاريع الصهيو-أمريكية في المنطقة الهادفة إلى تثبيت الاستيطان والتوسّع[34]. وقد أحدث الدعم الإيراني تحوّلًا هائلًا في الاستراتيجيات العدوانية والهجومية، وتراجعًا في دور الولايات المتحدة في المنطقة، نتيجة مسار تراكمي لمحور المقاومة قلب معادلة موازين القوى[35].

 في نموذج الترجمة العملية لمدى تأثير هذه المحددات على القرار الإيراني، يمثل الدعم الإيراني لسوريا والعراق في سياق مواجهة المشروع الأميركي _ الإسرائيلي. فالحرب على سوريا وفق مقال البروفسور جايمس بتراس (Petras) على الموقع الكندي البحثي globalresearch.ca مشروع أميركي _ إسرائيلي هدفه تفكيك الدولة السورية العلمانية، وذلك في سياق الدعم الأميركي للمشروع “الإسرائيلي” الرامي إلى تقسيم دولة العراق القوميّة، كجزء من خطة “إسرائيلية” لتجزئة الشرق الأوسط إلى “دويلات” قبلية عاجزة[36]. وبينما دعمت واشنطن المشروع ودرّبت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ثمانين جماعة متمردة في سوريا (نحو 50000 عنصرًا)، وزوّدتها بالسلاح[37]، نجحت حركة المقاومة العراقية، “الحشد الشعبي” بمساندة “فيلق القدس” الإيراني في إنزال هزيمة “مهينة” بالولايات المتحدة تردع التدخلات العسكرية الأمريكية المستقبلية في المنطقة[38]. وعليه، نضج قرار إنشاء محور ممانعة ومقاومة في منطقة الشرق الأوسط يضمّ إيران والعراق وسوريا واليمن والمقاومة في لبنان وفلسطين، رفضًا للهيمنة الأميركية، وإفشال مشاريعها، ولو عنى ذلك تعرّض إيران للعقوبات والضغوط ووصفها في 2011م بأنها “الدولة الراعية للإرهاب الأكثر فعالية”[39]، بعدما سبق وأن أدرجتها على لائحة “الدول الراعية للإرهاب”، منذ عام 1984م. انطلاقًا من إيمان نظام الجمهورية الإسلامية بهذه المبادئ الاستراتيجية في تحديد سياساتها العامة، لم تدفع السياسات الأمريكية وتقاريرها العدائية تجاه طهران باتخاذ إيران قرار وقف دعم حركات المقاومة أو نصرة فلسطين وشعبها، بل صمدت حتى شهد العالم خلال الحرب على غزة قوة وحدة الساحات والتحوّلات الإقليمية التي فرضتها على الولايات المتحدة الأمريكية والكيان في إدارة الحرب.

خلاصة

تتسم البنية السياسية في النظام الجمهوري الإسلامي بعلاقة متشابكة بين مختلف السلطات الدينية والقانونية الوضعية؛ تتميّز فيها المؤسسات الحاكمة بتوازي أدوارها وتقاطعها في آن، بما يمنع سيطرة مؤسسة على أخرى، ولكن يؤمن، في الوقت نفسه، التفاعل ما بينها. وهذا يعني أن صنع القرار الإيراني في سياسة الحكومة نتيجة تفاعلية، تحت إشراف مركزي من الولي الفقيه. تعزز البنية السياسية آليات المحاسبة والمراقبة المتبادلة ما بينها، بما في ذلك حتى مراقبة أداء الولي الفقيه، على الأقل دستوريًّا. وفي الحالات الاضطرارية، يتدخّل الولي الفقيه للفصل في الخلاف، إن حصل، ما بين مختلف المؤسسات، من موقع إدارة شبكة العلاقات وتنظيمها، والتأسيس لصنع القرارات، بغضّ النظر عن الانقسامات بين مختلف مراكز القوى في بعض التفاصيل الجزئية أو طريقة الأداء. المحددات المؤثرة في صناعة القرار هي: 1) البنية السياسية لنظام الجمهورية الإسلامية على فرادة نموذج الحكم فيها سواء على مستوى الدمج المؤسساتي للسلطات الدينية والشعبية أو على مستوى التطبيق العملي لرؤية “ولاية الفقيه” في مواجهة الاستكبار ونصرة المستضعفين؛ 2) الهوية أو المرجعية الفكرية لنظام الجمهورية الإسلامية، وقوامها فكر الإمام الخميني أو ما يُصطلح عليه بـ “خط الإمام” الجامع لهوية الثورة بمبادئها وقيمها والمبادئ الفكرية النظرية والعملية في قيام النظام وحمايته، ووثيقة النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم التي طرحها سماحة الإمام السيد القائد الخامنئي. 

وتخضع عملية صناعة القرار لآلية دستورية بنيوية في النظام تجعل من الأخير كلًّا متكاملًا يتحرّك تحت إشراف الولي الفقيه، بما يحفظ الثورة في النظام ويؤمن استمرارية النظام واقتدار الدولة. إذ وعلى الرغم مما يمتلك الولي الفقيه من صلاحيات واسعة إلا أن العملية السياسية تؤكّد وجود شراكة بين الولي الفقيه وباقي مؤسسات صناعة القرار، خاصة وأن سلطة مجلس الشعب سلطة شعبية، وهو مصدر السلطات، ولا يستطيع الولي الفقيه حل مجلس الشعب ومشروعية السلطات مستمدة من الشعب ومن الله.

وتمثّل النقاط التالية أبرز المحدّدات العملية الإجرائية في عملية صنع القرار الإيراني:

  1. التقدم الحقيقي لإيران العلمي والثقافي وتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة المجتمع الإسلامي والحياة الطيبة.
  2. الصمود في مواجهة نفوذ القوى الأجنبية، وعدم القبول بالمساومة لتسوية الخلافات مع الولايات المتحدة الأميركية مقابل التخلّي عن دعم المقاومة في العراق وسوريا ولبنان واليمن أو أي مشروع تغييري أو تحرّري، أو فرض تغيير أيّ من استراتيجياته لصالح الولايات المتحدة.
  3.  الثبات السياسي الإيراني على المواقف المبدئيّة تجاه كل القضايا السياسية، وعدم التنازل عن حقوقها كحق امتلاك الطاقة النووية السلمية مثلًا، فتلك رخصة لا تنتظرها إيران من الولايات المتحدة أو أيّ من الدول الغربية، كما يقول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء البروجردي.
  4. الجمع بين المصالح القومية العليا والمبادئ الإسلامية بطريقة متوازنة تحفظ ديمومة النظام، وتلبّي متطلبات شعبها وتزايد اقتدار الدولة وبنائها.
  5. رفض الارتهان للإملاءات الخارجية أو الشروط الخضوع لمشاريع الولايات المتحدة في الهيمنة واستلاب حقوق شعوب قوى الممانعة، والتحكم بمصيرها. على سبيل المثال، تعامل نظام الجمهورية مع الملف النووي بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018، وحتمية الرد الإيراني وطبيعته على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.
  6. الحفاظ على البوصلة باتجاه فلسطين وتعزيز الوحدة الإسلامية، والعداء للكيان “الإسرائيلي”، ودعم حركات المقاومة في مواجهة المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيم منطقة غرب آسيا ومحاولة صياغته بما يتلاءم مع المصالح الأميركية _ “الإسرائيلية”.
  7. عدم السماح بالمساس بالخطوط الحمراء الإيرانية، من قبيل تقديم تنازلات تمسّ بالأمن القومي للبلاد، كالسماح بتفتيش المراكز العسكرية الإيرانية، مثلًا، واستجواب العلماء النوويين.
  8. تثمين دور الشعب السياسي في المشاركة والحفاظ على نبض الشارع المتماسك والملتف حول النظام وتخفيف أي احتقان داخلي بين الإصلاحيين والمحافظين.
  9. مواجهة تحديات النظام وضبط التهديدات وخفض تداعيات الأزمات الخارجية قدر الإمكان بالتوازي مع تأمين الاصطفاف السياسي وتحصين الجبهة الداخلية وتماسكها ومعالجة الثغرات ونقاط الضعف، والحفاظ على المبادئ القيمية الثورية في النظام، كالعمل على توحيد كلمة صناع القرار في مواجهة المخاطر الطارئة على المصالح الوطنية والأمن القومي واستقرار البلاد.

وعليه، يخضع القرار الإيراني لمجموعة من العوامل والمحدّدات تلتقي جميعها تحت عنوان واحد؛ هو حماية النظام السياسي الجديد الناجم عن الثورة بكل مبادئه وثوابته وقيمه.


[1] مقلد، اسماعيل صبري، العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات، جامعة الكويت، الكويت، 1971م، ص 249.

[2] عبد الحسين، ياسر، السياسة الخارجية الإيرانية، مستقبل السياسة في عهد الرئيس حسن روحاني، المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ط1، 2015م، ص 83.

[3] شغل منصب رئاسة الجمهورية منذ الثورة (1979م) ثمانية رؤساء، وإيران حاليًّا على أعتاب انتخاب الرئيس التاسع. والرؤساء هم: أبو الحسن بني صدر (كانون الثاني 1980م – حزيران 1981م) وقد عزله مجلس الشورى؛ محمد علي رجائي (آب 1981م – آب 1981م)، السيد علي خامنئي (1981م –1989م)؛ الشيخ هاشمي رفسنجاني (1989م-1997م)؛ السيد محمد خاتمي (1997م-2005م)؛ محمود أحمدي نجاد (2005م-2013م)؛ الشيخ حسن روحاني (2013م-2021م)، الشهيد السيد إبراهيم رئيسي (آب 2021م- أيار 2024م).

[4] دستور الجمهورية الإسلامية، المادة العاشرة بعد المائة، البند التاسع، ص 64.

[5] دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الفصل التاسع الخاص بالسلطة التنفيذية، ص 69.

[6] دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، المادة الواحدة والتسعون، ص 52.

[7] مؤلف مجهول،”رفع چالش هاى اقتصادى؛ ضامن استقلال سياسى وامنيت ملى”، (مواجهة التحديات الاقتصادية وضمان الاستقلال السياسي والأمن القومي). 16/4/2018، 1396http://www.iribnews.ir/fa/news/1576581/%D8%B1%D9%81%

[8] دستور الجمهورية الإسلامية، المادة السابعة والستون بعد المائة، ص 92.

[9] ركن آبادي، غضنفر، الإسلام والنظام السياسي في الجمهورية الإسلامية، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط2، 2013م، ص457-460.

1 دستور الجمهورية الإسلامية، مصدر سابق، المادة الثامنة بعد المائة، ص 62.

[11] كانت الحوزة تاريخيًا مؤسسة مستقلة عن مؤسسة الحكم، وتنأى بنفسها عن الاقتران بالسلطة. وعرفت هذه المؤسسة الشيعية أول أشكال العلاقة بالسلطة مع قيام الدولة الصفوية(1501م-1722م)، لكنها ظلت برغم ذلك محكومة بثنائية السلطان-الفقيه، محافظة على استقلال يحفظ لها دورها في المجتمع. وعندما بدأت تجربة الحكومة الإسلامية في إيران مع قيام الجمهورية الإسلامية(1979م)، انتفت هذه الثنائية كمدخل لتفسير الحالة الشيعية، لتحل محلها مقولة جديدة تتماهى فيها الثنائية في واحدية تمثلت بـ “ولاية الفقيه”، وأصبح الولي الفقيه هو السلطان الفقيه (للتعرف على نظرية ولاية الفقيه، يراجع: كديفر، محسن، نظريات الحكم في الفقه الشيعي، بحوث في ولاية الفقيه، دار الجديد، بيروت، 2000م؛ وأيضًا: كوثراني، وجيه، الفقيه والسلطان، جدلية الدين والسياسة في إيران الصفوية-القاجارية والدولة العثمانية، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2001م).

[12] ركن آبادي، غضنفر، مرجع سابق، ص 446_447.

[13] المرجع نفسه، ص 432- 450.

[14] تهراني، آيت الله هادوي، “حكمِ حكومتي وامضاي ولي فقيه”،” الأمر الولائي، وتوقيع الولي الفقيه”، 3/5/2011. متوفر على الرابط التالي: http://www.tebyan.net/newindex.aspx?pid=163758

[15] خلجي، مهدي،” إحكام السيطرة: كيف يتخذ خامنئي القرارات”. خلجي، مهدي،” إحكام السيطرة: كيف يتخذ خامنئي القرارات”، نيسان 2014م. متوفر على الرابط التالي: https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/tightening-the-reins-how-khamenei-makes-decisions

[16] فرحي، فريدة،” الموانئ الصخرية”، مجلة رأي آخر، العدد الأول، ربيع 2015م، 8/4/2015م.

[17] فیروز آبادی، وجلال دهقاني، ” گفتمان اعتدال ‌گرایی در سیاست خارجی جمهوری اسلامی ایران”، (حوار الاعتدال في السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية)، فصلية السياسة الخارجية، السنة الثامنة والعشرين، ربيع 2014، العدد 1، ص 101.

[18] روحاني، حسن، روايت تدبير واميد”، “رواية التعقل والأمل، مركز التحقيقات الاستراتيجي، ط2، ربيع 1392، ص 46.

[19] اللباد، مصطفى، “الإطار الدستوري لمنصب الرئيس الإيراني وصلاحياته”، جريدة السفير، 8/6/2013م.

[20] الواعظي، أحمد، (وآخرون)، السيادة الشعبية الدينية، دار المعارف الحكمية، بيروت، ط1، 2013، ص 54.

[21] خطاب القائد، “الانتخابات من وجهة نظر القائد، مجموعة بيانات، كلمة القائد في حشد من زوار المرقد الطاهر للإمام الخميني (رض)”، 5/12/2001، مرجع سابق. تاريخ الدخول: 12/ 12/2018

[22] خطاب القائد، “الانتخابات من وجهة نظر القائد، مجموعة بيانات، كلمة القائد في حشد كبير من أهالي كرمان”، 2/11/2005، مرجع سابق. تاريخ الدخول: 17/12/2018

[23] خطاب القائد، “كلمة الإمام الخامنئي في لقائه قادة وكوادر القوة الجوية في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة: 19 بهمن انقلاب المعادلات في البلاد لصالح الثورة”، 8/2/2016. متوفر على الرابط التالي:

https://www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=16916&subcatid=2188&cid=717&supcat=72

[24] خطاب القائد، “الملتقى التاسع عشر للدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة”، 10/3/2016. متوفر على الرابط التالي: https://arabic.khamenei.ir/news/4201

[25]  خطاب القائد، النص الكامل للنموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم، 17/10/2018. متوفر على الرابط التالي: https://arabic.khamenei.ir/news/3037

[26] خطاب القائد، “كلمة الإمام الخامنئي في لقائه قادة وكوادر القوة الجوية في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة: 19 بهمن انقلاب المعادلات في البلاد لصالح الثورة”، 8/2/2016. متوفر على الرابط التالي:

https://www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=16916&subcatid=2188&cid=717&supcat=72

[27] موقع إيران مهم لعدة أسباب، منها إطلالتها على منطقة الخليج المركزية لاستمرار صحة اقتصاد العالم واستقراره، وموقعها في قلب المنطقة التي من يسيطر عليها يسيطر على العالم (انظر: أبو زيد، سركيس، إيران والمشرق العربي، مواجهة أم تعاون؟، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط1، 2010م، ص 14.)

1 دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، ص 23.

3 “خطاب القائد الخامنئي في صلاة الجمعة”، 3/2/2012.

[30] كاتزمان، كينيث، مرجع سابق، ص 9.

[31] “رؤية الامام الخامنئي للوحدة الاسلامية، خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه القائمين على مؤتمر أهل البيت العالمي”، 15/4/1990. متوفر على الرابط التالي: http://arabic.khamenei.ir/news/1737

[32] واكيم، جمال، “الجغرافيا السياسية: الولايات المتحدة الأميركية تركيبتها، نظامها السياسي، علاقاتها مع العرب والمسلمين”، مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، 1/9/2016.

[33] عتريسي، طلال، الجمهورية الصعبة، إيران في تحولاتها الداخلية وسياساتها الإقليمية، دار الساقي، بيروت، ط1، 2006م. ص 21.

[34] بعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، طرح شمعون بيريز مفهوم الشرق الأوسط الجديد، وألف كتابًا حمل العنوان ذاته، يدعو فيه إلى اختراق العالم العربي، من خلال النشاط الاقتصادي بالتوازي مع الدعم الأميركي السياسي والاقتصادي للمنطقة العربية. وظهرت أيديولوجيا الشرق الأوسط الكبير في طروحات المؤرخ البريطاني برناند لويس في مقال له، نشر في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان ”إعادة هيكلة الشرق الادنى“ عام 1992م. ثمّ ظهر مفهوم الشرق الأوسط الكبير في التقرير الاستراتيجي السنوي لعام 1995م، الصادر من معهد الدراسات الاستراتيجية القومية التابع لوزارة الدفاع الأميركية (يراجع: دشر، ميثاق مناحي، “مشروع الشرق الاوسط الكبير: قراءة في الفكر السياسي الاميركي المعاصر”، مجلة أهل البيت، العدد 19 موقع جامعة أهل البيت الإلكتروني، متوفر على الرابط التالي:

https://abu.edu.iq/research/articles/13768.

[35] خواجة، محمد، “تحوّلات البيئة الاستراتيجية في “إسرائيل”، مجلة دراسات باحث، مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، بيروت، العدد 55، ص 127-132، صيف 2016.

[36] بيتراس، جايمس، “نتنياهو يقود ترامب إلى حرب مع إيران: هل يستطيع الجنرالات منع وقوع الكارثة؟“، مجلة رأي آخر، العدد 14، أيلول/ تشرين الأول 2017، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، ص 64-72.

[37] ديكل، أودي، “معركة حلب: انعكاسات الحرب المستمرة في سوريا”، مجلة رأي آخر، العدد 9، ص 189-195.

[38] آيزنشتات، مايكل، ومايكل نايتس، وأحمد علي، “نفوذ إيران في العراق مواجهة منهج حكومة طهران الشامل”، 28 /4/2011. متوفر على الرابط التالي:

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/irans-influence-in-iraq-countering-tehrans-whole-of-government-approach.

[39] Biddle, Craig, “The Iranian and Saudi Regimes Must Go”. Available on:

https://www.theobjectivestandard.com/issues/2011-summer/iranian-saudi-regimes/.

مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

اساسيايران