مقدمة:
انتهت الانتخابات الإسرائيلية بفوز كبير لمعسكر اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu رئيس حزب الليكود Likud. وقد أفضت النتائج عن صعود شعبية اليمين المتطرف والديني في “إسرائيل” وانهيار اليسار الصهيوني، متمثلاً في فشل حركة ميرتس Meretz اليسارية في تجاوز نسبة الحسم، وتراجع تمثيل حزب العمل، الحزب الذي أسس “دولة إسرائيل”، إلى أربعة مقاعد؛ أقل نتيجة حصل عليها في تاريخه السياسي.
نتائج الانتخابات:
وصلت نسبة التصويت في انتخابات الكنيست الـ 25 الى نحو 70.6%، وهو معدل المشاركة الأعلى منذ انتخابات 2015. نجح معسكر نتنياهو في الحصول على 64 مقعداً في هذه الانتخابات بعد فشله المتكرر في الدورات الانتخابية الأربعة الأخيرة في الحصول على 61 مقعداً. يتكوَّن هذا المعسكر، والذي يطلق عليه أيضاً معسكر نتنياهو، من حزب الليكود، والأحزاب الدينية الحريدية (حركة شاس Shas وقائمة يهود التوراة (يهدوت هتوراة) United Torah Judaism—Yahadut HaTorah)، وحزب “الصهيونية الدينية Religious Zionism” برئاسة بتسلئيل سموتريتش Bezalel Smotrich. وهو تحالف بين حزب الصهيونية الدينية وحركة قوة يهودية برئاسة إيتمار بن غفير Itamar Ben-Gvir. ازداد تمثيل معسكر نتنياهو بنحو 12 مقعداً عن انتخابات آذار/ مارس 2021. حيث حصلت قوائم المعسكر حينها على 52 مقعداً. في هذه الانتخابات ازداد تمثيل ثلاثة قوائم وحافظت قائمة واحدة على تمثيلها.
جدول رقم 1: نتائج معسكر نتنياهو في انتخابات الكنيست 2021–2022[2]
استطاع معسكر نتنياهو أن يزيد عدد المصوِّتين له بشكل كبير في المدن التي تصوت لليمين من خلال رفع نسبة التصويت في معاقل اليمين. وكان السبب الرئيسي لنجاح معسكر نتنياهو هو تعزيز قوة حزب الصهيونية الدينية الذي ارتفع من 6 مقاعد سنة 2021 إلى 14 مقعداً في هذه الانتخابات. كما ارتفع عدد المصوِّتين لحركة شاس التي تمثل اليهود الشرقيين المتدينين والمحافظين، إلى 11 مقعداً، وهو تمثيل لم تحصل عليه منذ أكثر من 15 عاماً تقريباً. وحافظ حزب يهود التوراة (يهدوت هتوراة) على تمثيله بفضل ثبات قواعده الانتخابية التي تعتمد على اليهود المتدينين المتزمتين (الحريديم Haredim).
يشكل الإنجاز التاريخي الذي حقَّقه حزب الصهيونية الدينية الإنجاز الأكبر في هذه الانتخابات، ويمكن تفسير ذلك بأن هذا الحزب، الذي يعدّ ممثلاً لليمين الديني القومي المتطرف في “إسرائيل”، استعمل خطاباً شعبوياً يدغدغ مشاعر اليهود خلال العام الأخير، ويركّز على فكرة السيادة اليهودية والكرامة الوطنية. وقد وعد الحزب عموماً، وإيتمار بن غفير خصوصاً، وهو “نجم” هذه الانتخابات، بإعادة الأمن الشخصي لليهود في البلدات اليهودية، مستعملاً خطاباً عدائياً للعرب. بن غفير هو جزء من ظاهرة عالمية بصعود اليمين الشعبوي المتطرف. ويتركز خطابه على عناصر أهمها كراهية الآخر في ظلّ صعود العولمة، والاقتصاد الليبرالي الذي مكّن مجموعات مهمشة من التقدم في السلم الاجتماعي الاقتصادي والسياسي وتحدي “الأسياد”. والعرب في “إسرائيل” في نظر بن غفير تحدوا “أسيادهم”. وحتى فيما يتعلق بالعنف والجريمة، لا يتم التعامل معها على أنها آفة اجتماعية بل على اعتبار أنها تحدٍّ قومي للسيادة اليهودية وتحدٍّ لـ”الأسياد”. وعلى ما يبدو فإن صعود بن غفير ليس مرتبطاً فقط بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية ولا بالفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، ولكن بخطابه المتطرف تجاه المسجد الأقصى والقدس، وبمواجهة صعود مكانة العرب في “إسرائيل”، الذين بنظر جمهوره يستأنفون على الفوقية اليهودية و”السيد” اليهودي. فجلبوا “سيداً” يهودياً جديداً وعدهم بأن يعيد العرب لمكانتهم الطبيعية أمام “أسيادهم”.
في المقابل، يتكون اليسار والمركز الإسرائيلي من حزب “يوجد مستقبل (يش عتيد Yesh Atid)” برئاسة رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد Yair Lapid، وحزب “المعسكر الرسمي State Camp” برئاسة وزير الدفاع الحالي بني جانتس Benny Gantz، وحزب العمل Labor Party برئاسة وزيرة المواصلات الحالية ميراف ميخائيلي Merav Michaeli، وحركة ميرتس برئاسة زهافا غلؤون Zehava Galon، وحزب “إسرائيل بيتنا Yisrael Beitenu” برئاسة أفيجدور ليبرمان Avigdor Lieberman وزير المالية.
لم يكن ارتفاع تمثيل الصهيونية الدينية السبب الرئيسي في نجاح معسكر نتنياهو في الحصول على 64 مقعداً، بل يعود أيضاً إلى تشرذم المعسكر المناهض له. ففي حين يتكون معسكر نتنياهو من أربع قوائم، عَبَرت جميعها نسبة الحسم، وحققت إنجازات انتخابية كبيرة، فإن المعسكر المناهض لنتنياهو خسر مئات الآلاف من الأصوات، بسبب كثرة القوائم وعدم توحدها عشية الانتخابات.[3]
قبل الانتخابات استطاع نتنياهو منع تفكك حزب الصهيونية الدينية وحزب يهود التوراة (يهدوت هتوراة)، فقد تدخل شخصياً للحفاظ على وحدة هذه الأحزاب حتى لا تتبعثر أصواتها أو تفشل قائمة من عبور نسبة الحسم، وبهذا يخسر معسكره عدداً من المقاعد. في المقابل، فشل لابيد في فرض وحدة بين حزب العمل وحركة ميرتس، بسبب موقف رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي بعدم “وسم” حزبها بأنه يسار راديكالي، معتبرة حزب العمل يسار – مركز. كما تدخل لابيد في تفكيك القائمة المشتركة من خلال السعي لإقصاء التجمع الوطني الديموقراطي National Democratic Assembly ليسهل عليه التعامل معها بعد الانتخابات في حالة تمّ تكليفه بتشكيل الحكومة. حتى الوحدة بين حزب أزرق أبيض Blue and White برئاسة جانتس وحركة أمل جديد New Hope برئاسة جدعون ساعر Gideon Sa‘ar وانضمام غادي آيزنكوت Gadi Eisenkot لهما وتأسيس حزب “المعسكر الرسمي” لم يُعزز من تمثيل هذا الحزب في الانتخابات، بل إن قوة وحدته كانت أقل من قوة الأحزاب منفصلة.
عملياً، فإن حزب يوجد مستقبل هو الحزب الوحيد الذي ازدادت قوته من المعسكر المناهض لنتنياهو، فقد ازدادت شعبيته بشكل كبير خلال العام الماضي من 17 مقعداً إلى 24 مقعداً في الانتخابات الحالية، ويعود ذلك بالأساس إلى خطاب لابيد الذي يعبّر فيه عن توجهات المركز السياسي الإسرائيلي، الذي يريد الحفاظ على الوجه “الديموقراطي” للمؤسسات في “إسرائيل” ضدّ توجهات اليمين، ويؤيد النزعة الأمنية في التعامل مع الموضوع الفلسطيني على عكس اليسار. بالإضافة إلى تقلده منصب رئيس الحكومة وخطابه “الرسمي” في هذا المنصب، وكونه كان الأكثر حظاً بتشكيل حكومة، لذلك عمل لابيد على فكرة تعزيز قوة حزبه لينافس الليكود، وهو الأمر الذي أدى إلى إضعاف باقي قوائم المعسكر المعارض لنتنياهو، وأسهم في سقوط حركة ميرتس.[4]
جدول رقم 2: نتائج المعسكر المعارض لنتنياهو[5]
التصويت في المجتمع العربي:
تنافست في الانتخابات ثلاث قوائم عربية؛ القائمة المشتركة برئاسة النائب أيمن عودة، وهي تحالف بين الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير. وقائمة التجمع الوطني الديموقراطي برئاسة النائب سامي أبو شحادة، والتي خرجت من القائمة المشتركة في اللحظات الأخيرة قبل تقديم القوائم الانتخابية للجنة الانتخابات. والقائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس.
جدول رقم 3: نتائج الانتخابات في المجتمع العربي 2021–2022[6]
* كانت في انتخابات 2021 ضمن القائمة المشتركة بالإضافة للتجمع الوطني الديمقراطي.
** كان ضمن القائمة المشتركة سنة 2021.
وصلت نسبة التصويت في المجتمع العربي إلى نحو 54%، وهي نسبة لم يتوقعها أحد، ففي انتخابات 2021 تراجعت نسبة التصويت الى 43%، وبدا واضحاً أن حالة الإحباط من التأثير على السياسات الإسرائيلية، وتفكك القائمة المشتركة بشكل نهائي عشية الانتخابات سوف تؤدي إلى عزوف الناس عن التصويت، أو بقاء النسبة المنخفضة كما في دورة الانتخابات الماضية.
يعود ارتفاع نسبة التصويت إلى مجموعة من الأسباب أهمها:
أولاً: التخويف المثابر من صعود حكومة يمينية تكون الصهيونية الدينية جزءاً منها، وقد زادت عملية التخويف في الأيام الأخيرة من أوساط عربية ويهودية وحتى دولية عبر حملات تشجيع التصويت.
ثانياً: خوض التجمع الوطني الديموقراطي لانتخابات الكنيست وحده، أسهمت في رفع نسبة التصويت، فقد حفّز التجمع قطاعات عربية للتصويت له كتيار لديه خطاب سياسي مختلف في الكنيست لا يقبل لعبة التأثير ضمن المعسكرات الإسرائيلية، مما دفع قطاعات في المجتمع العربي تؤيد هذا التوجه للتصويت بعد غياب إطار سياسي يخاطب العرب بهذا الخطاب، بالإضافة إلى التضامن مع التجمع بسبب ما اعتُبر “مؤامرة” عليه من الجبهة الديموقراطية والحركة العربية للتغيير.
ثالثاً: استجداء القوائم العربية للناس في يوم الانتخابات للخروج للتصويت، لا سيّما بعد ما ورد من معطيات ومعلومات عن ارتفاع نسبة التصويت في المجتمع اليهودي والخطر الذي يتهدد جميع القوائم العربية.
ازداد تمثيل القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس من أربعة مقاعد في انتخابات 2021 إلى 5 مقاعد في الدورة الحالية، وحصل تحالف الجبهة والعربية للتغيير على 5 مقاعد، بعد أن حصلت القائمة المشتركة (كان التجمع ضمنها) على 6 مقاعد في انتخابات 2022.
تشير هذه النتائج إلى أن القائمة العربية الموحدة تحولت إلى القوة السياسية العربية البرلمانية الأولى في المجتمع العربي، ويمكن تفسير صعود الموحدة إلى تأييد قطاعات من المجتمع العربي لنهج منصور عباس الذي يصرح بشكل واضح ومباشر أنه يريد أن يكون جزءاً من الحكومة الإسرائيلية، والتأثير من داخلها.
نتائج انتخابات الكنيست الـ 25، 1/11/2022
نتنياهو وتشكيل الحكومة:
استطاع نتنياهو بعد خمس جولات انتخابية من تشكيل حكومة يمينية تعتمد بالأساس على الحلفاء الطبيعيين له. نجح نتنياهو لأنه استطاع توحيد معسكره والحفاظ على تماسكه الداخلي، ورفع نسبة التصويت في قواعد اليمين. وكان لحزب الصهيونية الدينية دور مركزي في هذا الصدد.
من المستبعد أن يذهب نتنياهو إلى تشكيل حكومة بالاعتماد على قوائم من خارج معسكره، كما أنه من المستبعد إمكانية انضمام قوائم من المعسكر المعارض له للحكومة. وعلى ما يبدو، ستكون حكومة نتنياهو يمينية متطرفة.
من المهم تحليل توجهات الحكومة القادمة في ساحات ثلاث:
في هذه الساحة ستعمل الحكومة على تنفيذ بعض وعودها المركزية التي زادت قوتها بسببها، ومن أهمها إضعاف المؤسسات السياسية في النظام السياسي، وخصوصاً السلطة القضائية، حيث ستعمل الحكومة على تقييد قدرة المحكمة العليا على إلغاء قوانين تسنها الحكومة. أما الموضوع الثاني سيتعلق بمسألة الأمن الشخصي، والذي كان عاملاً مركزياً في صعود شعبية بن غفير، والمقصود تغلغل الجريمة في البلدات اليهودية واتهام العرب فيها، خصوصاً في الجنوب. حيث طالب بن غفير أن يكون وزيراً للأمن الداخلي، وقد يعمل على شرعنة قيام ميليشيات محلية في كل بلد تحت مسوغ الحفاظ على الأمن، وقد يعطي الشرطة الضوء الأخضر لتصعيد قمعها للاحتجاج السياسي في المجتمع العربي. ويتعلق الموضوع الثالث في عودة الدعم المالي للمؤسسات التعليمية الدينية، وإلغاء الإصلاحات التي أجرتها الحكومة في المؤسسة الدينية مثل الطعام الحلال (كوشر)، وإلغاء الحقوق التي منحها وزير الصحة السابق للمثليين جنسياً في قطاع الصحة. لذلك سيحرص نتنياهو على إعطاء شركائه وزارات تُعنى بالشأن الداخلي، حيث أعلن أن وزارات الدفاع الخارجية والمالية ستبقى لحزب الليكود.
على مستوى الساحة الفلسطينية، فإن الحكومة القادمة لن تُغيّر استراتيجيتها تجاه قطاع غزة، وذلك على الرغم من التصريحات من طرف قيادات الصهيونية الدينية بأنه سيكون هناك ردٌ عنيفٌ على كل خرق لوقف إطلاق النار، وذلك بسبب حالة الردع المتبادل وحرص “إسرائيل” على الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة. في الضفة الغربية، فإن عنف المستوطنين ضدّ السكان الفلسطينيين سوف يزداد، ومعه تواطؤ الجيش مع أعمال العنف ضدّ الفلسطينيين، كما ستعمل الحكومة على تكثيف البناء الاستيطاني وربما شرعنة العديد من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وليس من المتوقع اتخاذ الحكومة خطوات أو قرارات لضم مناطق من الضفة الغربية. في هذا الصدد، سيتراجع تعاون الحكومة القادمة مع السلطة الفلسطينية.
في هذا الملف سيكون نتنياهو هو المسيطر عليه. سيستمر في السعي لتعزيز علاقات “إسرائيل” مع الدول العربية التي وقَّعت اتفاقيات تطبيع مع “إسرائيل”، خصوصاً في الخليج. ولن يُغيِّر من التوجه العام للسياسة الإسرائيلية تجاه الأزمة الأوكرانية. وسيعمل على الحفاظ على استقرار سياسته الخارجية حتى يخفف من الضغط الدولي على حكومته لأنها تضم حزباً متطرفاً. حيث سيؤكد نتنياهو أن قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي هو من سيقرر فيها، ولن يدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة في الملف الإيراني في الوقت الحاضر لكون ملف المباحثات النووية قد تعثر خلال حكومة لابيد.
[1] مدير عام مركز الكرمل – حيفا، ورئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي في كلية بيت بيرل. حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية العلوم السياسية في جامعة حيفا. صدر له العديد من الكتب والأبحاث والدراسات الأكاديمية في اللغات العربية والإنجليزية والعبرية، بالإضافة إلى المقالات الفكرية والسياسية.
[2] موقع لجنة الانتخابات المركزية لانتخابات الكنيست الـ 25، انظر: ועדת הבחירות המרכזית לכנסת ה-25 | תוצאות ארציות (bechirot.gov.il)(باللغة العبرية)
[3] يهوناتان ليس، ضرب اليسار، لم يعمل لوحدة الأحزاب العربية ونفخ خطر بن غفير: لبيد فشل في إدارة معسكره، صحيفة هآرتس، 3/1/2022، ص 4. (باللغة العبرية)
[4] ميخائيل هاوزر طوف، ميخائيلي: حملة لبيد قضت على ميرتس، فقد أدار الحملة بعدم مسؤولية، هآرتس، 3/11/2022، انظر: הארץ – חדשות, ידיעות מהארץ והעולם – עיתון הארץ (haaretz.co.il) (باللغة العبرية)
[5] لجنة الانتخابات المركزية لانتخابات الكنيست الـ 25، انظر: ועדת הבחירות המרכזית לכנסת ה-25 | תוצאות ארציות (bechirot.gov.il) (باللغة العبرية)
[6] لجنة الانتخابات المركزية لانتخابات الكنيست الـ 25، انظر: ועדת הבחירות המרכזית לכנסת ה-25 | תוצאות ארציות (bechirot.gov.il) (باللغة العبرية)
د. مهند مصطفى – مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات