هل تخرج أوروبا من جلباب السيطرة الأميركية؟

لم تكن لغة التوافق والانسجام دائمة الحضور بين الحليفين الأميركي والأوروبي على امتداد تاريخهما التحالفي، إلا أن الأمر يبدو اليوم أشد اختلافًا وفجوة التعارض في الرؤية والتوجهات باتت أكثر اتساعًا.

على امتداد عامين، حافظت أميركا عبر إدارة بايدن على علاقتها التوافقية مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن الفترات الأخيرة شهدت خلافات على مستوى السياسات الاقتصادية بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، لا سيما بعد سعي أميركا لبناء نظام اقتصادي عالمي جديد لاحتواء التطلعات الروسية والصينية.

أزمات وخلافات متراكمة بين الحليفين
لم تصل درجة الخلافات بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لهذا الحد نتيجة أسباب وتداعيات عادية أو بسيطة، ولعل الأزمات التي عصفت بهذا التحالف في العامين المنصرمين كان لها التأثير الأكبر في زعزعتها.

أبرز هذه الأزمات كان بدء إدارة بايدن تقديم مبلغ قياسي قدره 370 مليار دولار من الإعانات الفيدرالية الجديدة للسيارات الكهربائية ومزارع الرياح والبطاريات وتقنيات الطاقة النظيفة الأخرى. هذه الخطة جاءت مع توقيع بايدن على قانون خفض التضخم عام 2022.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون الجديد يقدم خصومات ضريبية للمستهلكين الأمريكيين للسيارات الكهربائية طالما أن 40% من المواد الخام في بطارياتهم يجري استخراجها ومعالجتها في الولايات المتحدة.

هذا الأمر أثار قلق قادة الاتحاد الأوروبي “لأن مثل هذه الإعفاءات الضريبية قد تدفع صانعي السيارات إلى نقل المصانع إلى الولايات المتحدة وجذب الاستثمار إليها بدل أوروبا”، مما يعني خسارة العديد من شركات السيارات الأوروبية في الأسواق الأميركية، وتؤدي بالتالي إلى تفاقم تحديات القدرة التنافسية للقارة الأميركية.

ردود أفعال القادة الأوروبيين تعددت في هذا السياق، وكان أبرزها إلغاء المفوض الأوروبي للسوق الداخلية “تيري بريتون” حضور قمة التجارة والتكنولوجيا في الولايات المتحدة مطلع ديسمبر/كانون الأول، فضلًا عن امتناع الحكومة الهولندية علنًا في ديسمبر/كانون الأول 2022، عن قبول ضغوط الولايات المتحدة على منتجيها الرئيسيين لمعدات تصنيع الرقائق، ASML و ASM International، لقطع العلاقات مع الصين.

بالإضافة لذلك، قال البروفيسور والخبير الاقتصادي مراد كواشي إن واشنطن “استفادت من أزمة الطاقة (عقب حرب أوكرانيا) وبدأت بتصدير الغاز إلى بعض الدول الأوروبية بأسعار مرتفعة وصلت إلى 4 أضعاف مقارنة بالسعر الذي كانت تصدره روسيا إلى الدول الأوروبية”. وأضاف أن “أوروبا تورطت بالحرب الروسية بسبب تبعيتها لواشنطن، وبات الاقتصاد الأمريكي هو المستفيد الأكبر من الأزمة”.

أوروبا تدرك حقيقة التحالف
بات من المعلوم أن القادة الأوروبيين ليسوا على توافق تام فيما بينهم في مواقفهم اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أجج الخلافات بين الحكومات الأوروبية التي انقسمت فيما بينها بين مؤيد لسياسات واشنطن ومعارض لها.

وفي هذا الإطار، فإن الخطوات الأولى للحل، وفقًا للخبراء والباحثين، تكون عبر تطبيق سياسة توحدية كاملة بين أقطاب الاتحاد الأوروبي ككل، وتعزيز التنسيق فيما بينهم، ويدعو الخبراء أيضًا إلى حوكمة الشركات واتحاد أسواق رأس المال، فضلًا عن تعزيز الاستثمار في خطوط نقل الطاقة الجديدة لزيادة أمن ومرونة الإمدادات داخل القارة، ويشير الخبراء إلى ضرورة تغيير قواعد المنافسة لتتمكن الشركات الأوروبية من منافسة الشركات الأميركية والصينية.

وفي السياق نفسه، كشفت المفوضية الأوروبية في الأول من فبراير/شباط 2023، عن خطة لمواجهة التحديات التي يفرضها قانون خفض التضخم الأمريكي، في خضم مكافحة تغير المناخ، وقد صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” أن دول الاتحاد الأوروبي ترحب بالقانون الأمريكي، من جهة مكافحة تغير المناخ، لكنها في المقابل أصرت على أنه يجب أن يكون هناك مجال متكافئ في المنافسة العالمية وفي السوق الأوروبية الموحدة، مضيفة “هذا مهم جدًا بالنسبة لنا”.


أصبح من الواضح إذًا أن المنافسة بين الحليفين قد بدأت فعلًا، وأن الأوروبيين باتوا يتعاملون مع السياسة الأميركية بحذر وتصدّي، بعد أن اتضح لهم أن أميركا قد أوقعتهم فعلًا في فخ الحرب الروسية الأوكرانية، في محاولة لإبعاد التداعيات المباشرة عنها، وتعزيز حظوظها بخلق نظام اقتصادي عالمي جديد تحت هيمنتها وبأقل منافسة ممكنة.

أوروبااساسيالولايات المتحدة