أحدثت معارك السودان نشازًا في معزوفة الهدوء النسبي الذي دخلته المنطقة بعد التقارب السعودي الإيراني مؤخرًا، وفي وقت كان الجميع ينتظر الحلول السياسية في هذا البلد الذي يكتنز سلّة غذاء العالم بعد أوكرانيا، وعلت أصوات المدافع بين القوات المسلحة وقوات الردع السريع.
لكن يبقى الخاسر الأكبر هو الشعب السوداني، الذي لم ينعم بالاستقرار منذ عدة سنوات، وسط خسارة للبنية التحتية للدولة ومرتكزاتها ومرافقها الرئيسية، وهذا ما لا يخدم سوى أعداء السودان، الذين لا يهنؤون حين تنعم هذه المنطقة بالاستقرار والهدوء لتتمكن من التطوّر والازدهار.
الباحث السابق في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية في السودان اللواء بدر الدين عبد الحكم يعلّق على التطورات في هذا البلد فيقول “بدأت العمليات العسكرية منذ يومين.. الخلافات الأساسية تتمثل بدمج قوات الدعم السريع بقوات الجيش، وقد تم إغراء حميدتي من قبل دول خليجية وأجنبية للاستيلاء على السلطة، ولا سيما أنه يملك الرغبة في ذلك”، مشيرًا إلى أنه سبق وسعى حميدتي للانقلاب على السلطة في تموز/يوليو 2022 وشارك في اجتماع بدولة خليجية تلاها محاولات اغتيال لرئيس الأركان واللواء خفاشي والبرهان، وبرزت عدة إشارات أوحت أن حميدتي كان يسعى للانقلاب على السلطة وهي معلومات متوفرة لدى الأجهزة الأمنية والاستخبارية.
وتابع المتحدّث “رغم تجاوز القوات المسلحة السودانية عن هذه المساعي إفساحًا في المجال أمام العملية السياسية لتأخذ مداها، إلا أن حميدتي كرر محاولاته، وآخر مرة جمع عددًا كبيرًا من قواته ــ وبالاتفاق مع القوى الشيوعية واليسارية الموجودة في الخرطوم (وهي أحزاب لا وزن لها على الساحة) وبدعم بعض الدول العربية ومندوب الأمم المتحدة “فولكر” ــ حاول القيام بخطوة كبيرة وتم إفشال خطوته يوم الخميس من قبل القوات المسلحة، فبدأ بحشد آلاف من قواته بحجة الذهاب إلى اليمن، ودخل إلى الخرطوم، وغالبية قواته من القبائل العربية، وهم الآن يهيمون في الشوارع على إثر ضربهم من قبل الجيش، بعدما ظن أن العملية ستكون نزهة لساعات يسيطر خلالها على العاصمة”.
ويضيف عبد الحكم “لم يضع حميدتي أي حسابات لوجستية لقواته، وهذه العربات الآن في الشوارع فارغة من مقاتليها ومن مخزون الوقود، وغالبية المقاتلين لديه لجأوا إلى المواطنين المدنيين وإلى المساجد لأن لا دعم يصل إليهم، ويطلبون ملابس مدنية ليسلموا أنفسهم، لأنهم ليسوا من أهل العاصمة ولا يعرفون أزقتها، وعناصر قوات الدعم السريع الآن بين مقتول أو أسير أو هارب”.
مسرح العمليات
وحول مسرح العمليات يُدرج عبد الحكم الآتي:
– في أم درمان، حسمت المعركة في معسكرين كبيرين هما صالحة وكرري وسط سقوط عدد كبير من القتلى.
– داخل الخرطوم، جرى تدمير معسكر طيبة، إضافة لتدمير قيادة السيطرة والتحكم وسط الخرطوم التابعة لقوات الدعم السريع وقد هربت منه القيادات بعد تسويته بالأرض، أما معسكر طابوج ومعسكر زوبا فبيد القوات المسلحة.
محاولة تهريب حميدتي
ويوضح عبد الحكم أنّ بعض الشركات الأمنية تسعى لتهريب حميدتي إلى خارج البلاد بعد ملاحظة اندفاع كبير لآليات تابعة للدعم السريع إلى أحد المطارات، لكن تم إفشال المخطّط، وألقي القبض على شقيق حميدتي وهو من الرؤوس المدبرة لهذه الأعمال.
بحسب عبد الحكم فإنّ جزءًا كبيرًا من هذه التطورات له بُعد خارجي متعلق بدول عربية وسط محاولات لدمج “الدعم السريع” بالجيش، وهذا ما لا يمكن أن يحصل لأنهم ميليشيات، ويستفيدون من خيرات البلاد في تهريب كميات من الذهب إلى خارج السودان والسيطرة على أطنان من الذهب في باطن الأرض، كذلك الاستفادة من مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية. وهنا، يوضح عبد الحكم أنّ تلك الدول العربية كان لها دور في تخريب الأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق، ومن المرجّح أن تصرّح القوات العسكرية بعد انتهاء هذه المعركة عن الدولة العربية التي تدخلت.
ولفت عبد الحكم إلى سيطرة القوات المسلحة السودانية على غالبية المواقع والمعسكرات خارج العاصمة وحسمت فيها المعركة، فيما سيكون لسلاح الجو من طائرات حربية أو مسيّرة لدى الجيش الكلمة الفاصلة.
وفي سياق متصل، يكرّر عبد الحكم أنّ الهجوم على المطار هدفه تهريب حميدتي لا سيما مع وجود عناصر من قوات “فاغنر” لتنفيذ ذلك بعد السيطرة على المطار، وقد ألقي القبض على شبيه حميدتي ويدعى عبد الرحمن بدر، وقد أدلى باعترافات مهولة عن الدول والمنظمات التي كانت تدعم قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى حرق طائرة خليجية قدمت إلى المطار ربما كانت تهدف إلى تهريبه خارج البلاد.
ووفق المتحدّث، فإنّ حميدتي الآن متابع من القوات الخاصة السودانية، وتم تحديد موقعه في سفارة الدولة التي كانت تدعمه، وهُرّب منها لاحقًا بعد كشف حديثه عبر الهاتف بواسطة أجهزة متطورة، وهو الآن في أحد أحياء الخرطوم شرق المطار، وعندما يلقى القبض عليه ستنتهي العملية، لا سيما أن الذين يقاتلون معه الآن من أصل 60 أو 70 ألفًا هم بضعة آلاف فقط.
الساعات المقبلة حاسمة
وإذ توقع أن تكون الساعات المقبلة حاسمة، شدّد على أن القوات المسلحة ملتزمة بالعملية السياسية، لكن ما هو مؤسف أن بعض القوى والأحزاب التي لا وزن لها والمدعومة من دولة خليجية هي التي أغرت حميدتي بأن يتمرد ويحاول السيطرة على السلطة.
وعن وضع حميدتي، قال عبد الحكم “يتنقل المذكور من منزل إلى آخر، لا سيما أنه متزوج من 4 نساء، وكل مكان يقصده يكون محاطًا بحراسة عشرات الآليات، إلا أن القوات المسلحة لا تقصف مكان وجوده تحسبًا لوجود عائلات ومدنيين معه”، وبحسب عبد الحكم فإن حميدتي يبدو مرتاب دائمًا وهو يتنقل باستمرار ضمن حماية مشددة وعدد كبير من الآليات والمدرعات.
علي ماضي – موقع العهد