السيناريو الأكثر رداءةً نفّذه سعد الحريري اليوم. بدا الرجُل مملًا ومتوَقَّعًا. اعتذر وأدار ظهره، ولم يفته أن يهدّد ويتوعّد. وكأن ما حلّ بالبلد جرّاء سياساته المتوارَثة لا يكفي اللبنانيين.
على كل حال، كان من المنتظر أن يهرب الحريري من الواقع الصعب. فهو قد كرر هروبه للمرة الثانية، على الرغم من تمسّك الثنائي الوطني به. إلا أن حسابات الحريري تتجاوز حارة حريك وعين التينة، هي تتصل مباشرة بالرياض، الرياض التي رفضت كل الواسطات الفرنسية والإماراتية والمصرية وحتى الأميركية، للعفو عن الحريري، باتت تمتلك فريق عمل جاهزًا ومستعدًّا للمباشرة باللعب على الساحة اللبنانية. سمير جعجع أنهى مرحلة الإحماء، وشخصيات سُنية كثيرة تنتظر إشارة الكابتن بخاري. فهل يجروء سعد الحريري على رمي الحصى والحجارة على أرض الملعب؟
التسريبات التي سعت ماكينة المستقبل الإعلامية إلى بثها ومفادها أن الحريري الابن سيمارس معارضة شرسة وقاسية، تضاف إلى تلميحات سعد نفسه إلى الفوضى المنتظرة التي ستحل بغيابه، هي في الحقيقة موجهة إلى فريق السعودية الجديد الذي استُبعد سعد منه. الرهان في المرحلة الحالية على الانتخابات والتوازنات التي ستنتج عنها، فبأي أدوات لعب سيمارس الحريري معارضته الشرسة؟
الرجُل مفلس ووحيد، لا حاضنة عربية له في ظل الفيتو السعودي، ولا رفقاء له في الداخل بعدما “زعّل” منه الجميع، أو انفضّوا عنه لحسابات تتعلق بالدعم الخليجي. حتى الرئيس بري مستاء منه، إذ لم يحفظ الحريري لبن العصفور بينهما. لم تنفع معه كل المحاولات وكل التحذيرات المتعلقة بوضع البلد وأهله. بالنسبة للحريري، الأسباب التي أوجبت اعتذاره لم تتغير منذ اللحظة الأولى لتكليفه، وهي تتعلق بعدم رضا ابن سلمان عنه، لا وضع البلد ولا أهله ولا ناسه. كل الوقت الضائع طوال الأشهر التسعة الماضية كان للإفساح في المجال أمام الواسطات الخارجية لدى ولي عهد السعودية وكلها فشلت أمام تعنّته.
الحريري في وضع لا يحسد عليه. وضعه شبيه إلى حد التطابق بوضع لبنان، منهار ومفلس ويترقب المجهول. وإذا كان الحريري قد ربط مصيره بمزاج ابن سلمان، فإن شركاء الحريري من سياسيين وتجار ورجال دين قد رهنوا البلد لمصالحهم الخاصة المدوزنة على نوتات سعودية وأميركية وفرنسية وغيرها.