كمؤشر على استمرار المفاعيل الإيجابية للاتفاق السعودي- الإيراني، على مستوى العلاقات العربية- الإيرانية، قام أرفع مسؤول أمني إيراني الأدميرال علي شمخاني بزيارة رسمية إلى الإمارات، لإجراء محادثات رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين الإماراتيين، وعلى رأسهم الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ومستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
ومن العاصمة الإماراتية، أبو ظبي، شدّد شمخاني على أهمية “توسيع التعاون الثنائي” على كافة الصعد السياسية، والاقتصادية، والأمنية”، من خلال “تعزيز دبلوماسية الجوار”، معربًا عن أمله في “تشكيل منطقة أقوى” بالتعاون بين إيران، ودول الخليج بعيدًا عن التدخل الخارجي. في المقابل، سمع الرجل من المسؤولين الإماراتيين تأكيدًا على “الروابط الأخوية” بين البلدين، وتمسك القيادة في أبو ظبي بتعزيز العلاقات مع إيران كأولوية في سياستها الخارجية. البعد اقتصادي للزيارة، وهو بعد لا يقل شأنًا عن الأبعاد السياسية للزيارة، تمثل من خلال الوفد المرافق لشمخاني، والذي ضم مسؤولين اقتصاديين رفيعي المستوى، لا سيما حاكم المصرف المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين.
وتأتي زيارة شمخاني على وقع تحسن العلاقات بين طهران، وأبو ظبي خلال الأشهر الأخيرة، بعد قطيعة دامت لنحو ست سنوات، وتحديدًا منذ العام 2016 على خلفية إحراق مبنى السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية. فقد شهد العام الماضي، عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قبل أن تكتسب العلاقات الثنائية زخمًا جديدًا بفعل التقارب السعودي – الإيراني، الذي ترعاه الصين. وللوقوف عند دلالات الزيارة، يرى المحلل في “أوراسيا غروب” للبحوث الاستراتيجية، جريغوري برو، أنها تأتي في سياق “الجهود المستمرة التي تبذلها دول الخليج لتحسين العلاقات مع #ايران “، ملمحًا إلى وجود رهان إيراني على دور دبلوماسي لأبو ظبي، أو وساطة إماراتية (مع الجانب الأميركي) تفضي إلى الإفراج عن أصول إيرانية مجمّدة في الخارج بمليارات الدولارات.
بدورها، تتوقف صحيفة “نيويورك تايمز” عند دلالات رمزية للحدث، مرتبطة بتوقيت زيارة شمخاني، وبشخصه. فالزيارة، التي أعقبت الاتفاق الأخير بين السعودية وطهران على عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، حملت رسائل طمأنة من قبل طهران لجيرانها العرب، ولا سيما أن شمخاني، المكلّف بملف العلاقات الإيرانية – العربية، ينحدر من أصول عربية. وتلمح الصحيفة الأميركية إلى أن إيفاد شمخاني، المعروف بمدى قربه من المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، يستبطن تأكيدًا من جانب طهران على أن تخفيف حدة التوترات مع جيرانها الخليجيين، يحظى بتأييد المرجعية العليا في البلاد. ومن بين أهداف الزيارة، عدم ترك الدول الخليجية تحت فلك التأثير “الإسرائيلي”، في إشارة إلى رغبة #طهران في تقديم المغريات، وتوجيه التحذيرات على حد سواء، لتلك الدول إزاء علاقاتها المتنامية بتل أبيب، لا سيما وأن الحكومة الإيرانية حذّرت مرارًا جهات إقليمية عدة، من مغبة السماح لتل أبيب باستخدام أراضيها لشن عدوان ضد الجمهورية الإسلامية، متوعدة برد عسكري على ذلك. وبعد “الهجوم الغامض” على أصفهان أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، والذي يُرجّح وقوف “إسرائيل” خلفه، يبدو أن الإيرانيين يستشعرون خطرًا داهمًا يستوجب معه رفع مستوى الإنذار لدول الخليج من التداعيات الكارثية لأي عدوان “إسرائيلي” محتمل ضدها، وفق مراقبين.
على المستوى الاقتصادي، وكما بات معلومًا، تُعد الإمارات، من الدول القلائل التي حافظت على الدوام على علاقات اقتصادية قوية مع جارتها إيران. فعلى الرغم من الحظر الأميركي على التعاملات التجارية والمالية مع إيران، والذي وصل في بعض الأحيان إلى حد تعرّض بعض الشركات الإماراتية لعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية في العام 2022، احتلت الإمارات المرتبة الأولى بين الدول المجاورة في تصدير السلع إلى إيران، إذ بلغ حجم صادراتها إلى السوق الإيرانية 16 مليارًا و500 مليون دولار، فيما بلغ حجم وارداتها من السلع الإيرانية 4 مليارات و900 مليون دولار، لتكون ثالث أكبر مستورد لتلك السلع، بين عامي 2021 و 2022.
وبحسب خبراء غربيين، فإن الشركات الإماراتية تستفيد من الحسومات الكبيرة التي تقدمها إيران على مبيعاتها من النفط، محاولة تطوير روابطها التجارية، لا سيما في قطاع البتروكيماويات والتكنولوجيا، مع الجانب الإيراني من خلال التحايل على آلية العقوبات الغربية ضد “الجمهورية الإسلامية”.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة هارفارد، عادل هاميزا، إلى أن الإمارات، التي تتميز بوجود جالية إيرانية ناشطة فيها، إنما تحاول المحافظة على الموازنة بين علاقاتها السياسية والأمنية مع الولايات المتحدة، من جهة، ومصالحها التجارية مع إيران، من جهة ثانية. ومهما يكن من أمر، انطلق قطار الحوار العربي – الإيراني. ووسط ترقب عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران خلال الشهرين المقبلين، سيعبر ذلك القطار أكثر من محطة وامتحان على مستوى الإقليم عمومًا، والخليج خصوصًا. ووسط ترجيحات بأن تكون الساحة اليمنية، أولى تلك المحطات، يرى آخرون أن قطار التسوية في المنطقة سيعبر إلى ما هو أبعد، سواء على مستوى المنطقة أو العالم. ومع ذلك، لا يبدو أن مشهد الانفراج في العلاقات العربية الإيرانية راق لكثيرين، وما الموقف الأميركي و”الإسرائيلي” منه إلا مؤشر إلى ما ينتظر هذا المشهد من عراقيل وتحديات.