حلّ شهر ربيع الأول على المسلمين حاملًا معه بشرى ولادة سيد البشرية والوجود، نبيّ الرحمة والمحبة والتسامح، في وقت يعاني فيه المسلمون في العالم من موجات التهكم والاستهزاء والتهجم التي يشنها شياطين العالم على شخص الرسول الأكرم (ص). وقد تكررت هذه المظاهر المخلّة بالقيم الدينية والأخلاق والمبادئ الإسلامية لمرَّات عدة في محاولة لتشويه الصورة الحقيقية للدين الاسلامي المحمدي الأصيل.
ومع حلول هذه المناسبة العظيمة، احتفل المسلمون حول العالم بها، كلٌّ على طريقته وعاداته الخاصة، كطريقة أو شكل من أشكال إظهار محبتهم وعشقهم وتمسكم بنهج خاتم الأنبياء (ص).
وفي هذا الإطار، وككل المناسبات الدينية الأخرى، كان للضاحية الجنوبية وأهلها بصمتهم الخاصة في هذه المناسبة، وتقاليدهم وعاداتهم الخاصة بإحيائها، والتعبير عن حبهم للنبي محمد (ص) وتمسكهم بنهجه ونهج آل بيته (ع). وقد كان من الملفت أيضًا لهذه العام حجم الاحتفالات ومضامينها على امتداد مختلف مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت.
ذكرى الولادة المباركة: موعد جديد مع الفرح
كان للمولد النبوي الشريف هذا العام وقع أكثر حضورًا وانتشارًا في مختلف مناطق الضاحية، حيث شهدت هذه المناطق نشاطات عديدة ومتنوعة عمل المنظمون من خلالها على تجسيد المبادئ والقيم المحمدية والتركيز على أهمية إحيائها لغايات مختلفة، أبرزها وأهمها حفظ رسالة النبي (ص) وبالتالي رسالة الإسلام وترسيخها على امتداد الأجيال.
وفي هذا السياق، تنوعت وتعددت الأنشطة التي أقيمت، وقد كان أهمها الاحتفال المركزي الذي أقيم في باحة عاشوراء والذي تحدث فيه سماحة الامين العام (حفظه الله)، داعيًا الجميع إلى الاحتفال بهذه المناسبة ونشر الفرح في كل مناسبة مماثلة. بالإضافة إلى ذلك فقد كان للمستشفيات والمراكز الصحية التابعة للهيئة الصحية وغيرها مبادرات ونشاطات خدماتية وصحية وإنسانية يأتي في مقدمتها مستشفى الرسول الأعظم الذي تميز ككل عام بباقة الخدمات والمبادرات المقدمة لعامة الناس حبًّا وعطاءً وعملًا بنهج الرسول الأعظم (ص).
فضلًا عن ذلك، لا بد من ذكر النشاطات التربوية والثقافية التي شهدتها الجامعات والمدارس والتي أقيمت أيضًا في عدة نقاط في مناطق الضاحية والتي توجهت في جزء منها للأطفال والصغار كإجراء المسابقات المتعلقة بصفات وحياة النبي محمد (ص) وتوزيع الهدايا والحلوى على حبه.
وأخيرًا وليس آخرًا، تأتي مضائف الضاحية لتزيّن تلك الأنشطة وتعطي بهجة ورونقًا خاصة للمناسبة، لتثبت أن أهلها هم أهل العطاء والبذل في كل المناسبات، في العزاء وفي الأفراح، وفي كل الظروف. والملفت لهذا العام هو وجود العديد من المضائف التي فتحت أبوابها مجددًا في المولد النبوي الشريف وأقامت الموائد ووزعت الطعام والحلوى على حب النبي (ص) ويأتي في مقدمتها مضيف القائم (عج) الذي أثبت القيمون عليه كما غيره، أنهم أهل للخير والعطاء والخدمة. ولا بد أيضًا من أن نذكر حواجز الضيافة والأناشيد التي شهدتها مختلف طرقات وشوارع الضاحية في يوم المناسبة.
في ذكرى مولد الرسول (ص).. ماضون على نهجه وقيمه
حمل الرسول الأكرم (ص) رسالة الدين الإسلامي لكل العالم وكل بقاع الأرض، مبشرًا ونذيرًا. وقد أفنى (ص) حياته في سبيل نشر الإسلام والحفاظ على الرسالة والذود عنها. وامام ما قدمه نبي الرحمة (ص) وحفاظًا عليه وصونًا لنهجه ونهج آل بيت النبوة (ع)، فإن أعظم ما يمكن أن نقدمه نحن بصفتنا مسلمين محمديين، هو الالتزام بتعاليمه والحفاظ عليها والعمل فعليًا بها ونشرها وإبرازها للعالم بأبهى وأصدق صورة ورؤية.
إن إظهار صورة الدين الإسلامي للعالم يكون عبر ما يرونه منا، من أفعال ومواقف وتصرفات مرتبطة بنا كأفراد وكحكومات ودول، وتحديدًا الدول التي يسودها النظام الإسلامي. ومن الواضح أن هذه الصورة متميزة في وسط ما يشهده العالم من انقسام في تطبيق المبادئ والأحكام والقيم الإسلامية، إذ ثمة أنظمة عدة ترتدي ثوب الإسلام وتذبح وتقتل وتحتل وترتكب المجازر والفاحشة والقذارة تحت عنوان “نظام إسلامي” وهي فعليًّا الأشد كفرًا وبعدًا عن قيم ومبادئ الإسلام، لا بل هو بريء منها ولو شهد العالم بأجمعه لها ولانتمائه إليها.
وعلى مقلب آخر، ترى الإسلام بصورته الحقيقية السلمية المنفتحة على كافة أقطار العالم في دول إسلامية قولًا وفعلًا، في نظامها المنبثق من روح الإسلام المحمدي الأصيل، في ذودها ودفاعها ونصرتها لمظلومي وأبرياء هذا العالم من أي دين أو لون كانوا، في سعيها ومبادرتها الدائمة لتوحيد صفوف الامة بأجمعها ونشر الخير والعدل في بقاع الأرض.
لا يريد منا رسول الله (ص) أن نحيي ذكرى مولده، وأن نظهر فرحتنا وسعادتنا بها بقدر ما يريد منا أن نكون نعم المؤمنين به وبرسالته التي وصلت إلينا، أن نكون أقرب لله سبحانه بالتزامنا بقيم ومبادئ رسول الله ومدرسة أهل بيته (ع)، وأن يكون هذا الالتزام هو تذكرة وصولنا لما نسعى إليه في الدنيا والآخرة، إلى يوم لا ينفع فيه لا مال ولا نفوذ ولا تكبر ولا تجبر ولا سلطان، إلا من أتى الله بقلب سليم.