خصّص علماء النّفس العديد من الأبحاث في تعريف التماهي، ويمكن اختصاره بأنّه عملية سيكولوجية يُشابه أو يتقمّص من خلالها الفرد جانبًا أو خاصية أو سمة أو خطابًا لدى الآخر.
بهذا المعيار، يمكن بموضوعية تامّة اعتبار أعضاء لقاء سيّدة الجبل بالإضافة إلى سمير جعجع وكلّ من ثبت تبنّيه للخطاب نفسه، مصابًا بحال من التماهي الواضح مع الصهاينة الذين ركّزوا في اعلامهم وخطاباتهم الرسمية على فكرة تقول إنّ حزب الله يعرّض اللبنانيين للخطر بتهديده لمنصات استخراج النفط في كاريش.
أمّا إذا أضفنا البعد التاريخي للمعيار النفسي، فيمكن أيضًا التأكيد وبموضوعية تامّة على حقيقة تقول إنّ المذكورين أعلاه، بما يمثّلون، هم على أرض الواقع الممثلون الشرعيون للمشروع الصهيوني في لبنان، مع التذكير بأنّهم ولقصور ذهني أو نفسيّ ما، ما زالوا لا يعلمون أنّ المشروع سقط، وأن “اسرائيل” بكلّ جوانب كيانها قد دخلت طور السقوط والزوال. (للمشككين راجعوا التاريخ ولا بأس ببعض الاطلاع على علم الاجتماع وأطوار الدول).
وبحال أردنا تصوير المشهد بشكل فنّي بحيث يسهل فهمه على جماعة “السآفة” العابرة للنزاعات، فالمذكورون أعلاه مرة جديدة- المفضوحون بالتماهي مع الصهاينة والموصومون بعار التصهين المشهود، هم أشبه بكورال، رديء بالمناسبة، يردّد صدى السوبرانو الصهيوني. على سبيل المثال، تخيّلوا هذه المقطوعة: يعتلي يائير لابيد المنبر ويطلق نغمة كلامية: “إنّ عدوانية حزب الله قد تقود المنطقة برمتها إلى تصعيد” وإنّ “نشاط حزب الله يهدد لبنان ومواطنيه ورفاهيتهم”، فيردّد خلفه الكورال الرديء إيّاه: “نحمّل حزب الله المسؤولية عن أيّ تصعيد أمني أو عسكري في الجنوب”، ثم يلتحق به جعجع، متأخّرًا على سبيل التمويه الفنّي: “على الحكومة أن تدعو للابتعاد عن أيّ أفعال بغنى عنها في الوقت الحاضر قد تعرّض أهل الجنوب للخطر”.
انتهى المشهد الفنّي.. نلتقي في سمفونية أخرى
بالسياسة، لا داعي للتذكير بعدم غرابة المشهد، وبفهم الأدلة التاريخية التي لم يمرّ عليها الزمن بعد، ولن تدخله مهما حاول الجعاجعة محو الذاكرة بالترهيب وبالبطولات الوطنية الوهمية، ومع فهم مؤشرات وخلفيات التماهي بين الأدوات وبين المشغّل، ثمّة نصائح واجبة يمكن لأي عاقل أن يوجّهها للأدوات على سبيل إعانتهم على التذاكي واعتماد بعض الأخلاقية في مقاربة الأمور، فقط ليكونوا أكثر اقناعًا وأقل انكشافًا وأشدّ إفادة للمشغّل الذي يبدو أبلهَ باعتماده علو هذا المستوى المتدني من الأدوات. فكلّ جرائم الصهاينة وصيتهم المتسخ وهزائمهم المتتالية في كفّة، واعتمادهم على هذا الصنف من الأدوات في كفّة أخرى.
أوّلًا، إن تكرار الحديث الغبيّ الذي يقوله الصهيوني على الملأ يُعتبر، عرفًا على الأقل، دليلًا دامغًا على العمالة. معلوم أنّكم لا تخشون الوصمة، فالخشية منها مرتبطة بالحياء الوطني وبكمّ من الصفات الإنسانية غير المتوفرة لديكم. ولكن باعتبار العمالة حتى اللحظة جرمًا يحاسب عليه القانون، ينبغي تمويهها ولو قليلًا باعتماد عبارات وكلمات غير منسوخة كما هي عن الخطاب الصهيوني المعلن.
ثانيًا، يعلم جميع سكان الأرض، أن لعبة الصهيوني في إظهار الحرص على اللبنانيين ورفاهيتهم تُصنّف في خانة الألعاب السخيفة وغير المرخّص لها لما لها من تأثير سيئ على نمو العقول. الأمر يشبه أن يقول شخص لآخر والدمعة في عينيه: إنّي حزين لأجلك، لأنّي سأضطر إلى ضربك إن لم تسمح لي بطيب خاطر أن أسرقك، فيهب صبيه الآخر: “دعوه يسرق ولا تظلموه بدفعه إلى ضربنا كي لا يحزن”. ثم يذرفون سويًّا دمع الأسى. على الأقل، يجب على الصِّبية أن يختاروا حججهم بعناية أكبر، فليبدعوا.
ثالثًا، حافظوا على المسافة الزمنية الكافية بين صدور التعليمة والبدء بتنفيذها. ليس لطيفًا بحقّكم كبالغين راشدين أن تصطفوا كما الأطفال وتتسابقوا إلى التنفيذ علانية. بالمناسبة، هذا التسابق ملفت. هل ثمة جوائز لمن يكون الأول في التنفيذ أم أن الأمر مجرّد مبادرات شخصية غايتها لفت نظر المعلّم وجذب انتباهه وتنويهه؟
رابعًا، هذه النصائح لا تفيدكم، فأنتم كأدوات تعجزون أصلًا عن تغيير آلية عملكم وحركتكم بشكل ذاتي، ولكنّها تفيد في الإضاءة على ما تظنّونه مخفيًا عن أعين الناس، وتفيد في تنبيه من دخلوا منزلقات التحوّل إلى أدوات لا حول لها ولا قوة، إلى بشاعة وفضائحية المستنقع الذي إلى قعره ينزلقون.