عماد خشمان* – خاص الناشر |
الديماغوجية هي إستراتيجية سياسية يتبعها البعض لإقناع الآخرين عادة عن طريق الخطابات الشعبوية والدعاية الحماسية مستخدمين المواضيع القومية والدينية والطائفية والمناطقية في محاولة لاستثارة عواطف الجماهير بهدف الحصول على السلطة وكسب للقوة السياسية.
الكثير من السياسيين اعتادوا اللجوء إلى هكذا أساليب من خطابات ومناورات وحيل سياسية وأساليب السفسطة واللعب على المشاعر والإخافة من الآخر، وهم محترفون في ذلك بالخداع والتضليل وإطلاق الشعارات والوعود الكاذبة وتملُّق الطموحات والعواطف بهدف الحصول على تأييد الرأي العام من أجل الوصول إلى الحكم.
والسياسي الديماغوجي هو الشخص الذي يسعى لاجتذاب الناس إلى جانبه بالكذب والتزلُّف وتشويه الحقائق مستندًا إلى شتَّى فنون الكلام وطرقه ومستثمرًا الأحداث الحاصلة، دون دليلٍ أو منطق لأن هذين الشيئين يبعثان على التفكير ويوقظان الحذر لدى الآخر، وكلامه عادة يكون مبسّطًا ومتزندِقًا ومتلوّنًا، يعتمد على جهل سامعيه وسذاجتهم واللعب على عواطفهم.
في لبنان ومنذ نشأته ظهر العديد من الأحزاب كان منها الصادق في شعاراته وممارساته وكان منها الكاذب والديماغوجي الممتطي ظهور الناس لغاياته ولتحقيق مآربه. ومن أكذب الأحزاب على الإطلاق على الساحة اللبنانية وأكثرها ديماغوجية ونفاقًا لدرجة التقيؤ حزب القوات اللبنانية، هذا الحزب الهجين والخليط من كل عفن وعنصرية وبغضاء وطائفية اليمين الانعزالي “اللبناني”، حزبٌ شعاراته كاذبة حول الوطن والهوية والسيادة والفساد والدولة والسلاح، معاركه فاشلة وقيادته تمارس النفاق بعيونٍ متحجِّرة ووقحة.
هم أول من انقلبوا على الوطن وذبحوا اللبنانيين على الهوية وأذلّوا السيادة بارتهانهم وعمالتهم للعدو الإسرائيلي. سرقوا البلد بخوَّاتهم وتسلُّطهم على مقدَّرات الدولة، من المعابر غير الشرعية إلى الحوض الخامس في ميناء بيروت وصولًا إلى مطار حالات حتمًا مرورًا بكازينو لبنان وطمر النفايات السامة والمواد المسرطنة وتلويث ينابيع المياه في الجبال وانعطافًا نحو مرفأ جونية الذي استخدموه لتهريب البضائع والسلاح، ناهيك عن زراعة المخدرات في أعالي جرود عيون السيمان وبشري وغيرها ونقلها إلى أوروبا والدول العربية وتوزيعها، حتى أنهم استخدموا السلاح بوجه ناسهم وأهلهم في المجتمع المسيحي قبل غيره الذي زعموا ووفقًا لنفاقهم وكذبهم أنَّ أمنهُ كان فوق كلِّ اعتبار.
آخر هذه الأكاذيب شعارهم المضحك لدرجة السخرية (نحنا فينا ونحنا بدّنا)، “وأكذب من هيك ما عاد يصير”. وحزبُ القوات اللبنانية هو تلميذٌ نجيب في الكذب والخداع أصله متجذِّر في مدرسة غوبلز وزير الدعاية لدى الحزب النازي في ألمانيا والذي كان شعاره: اكذب ثم اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. والناس الشرفاء وأهلنا الطيبون وشعبنا المضحّي أينما كانوا لن يصدّقكم أبدًا. في الحقيقة نعم أنتم قادرون على الغدر بحلفائكم وشركائكم في الوطن وإشعال الفتن الطائفية المتنقِّلة من عين الرمانة والطيونة إلى رميش على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وربما في الآتي من الأيام ستكونون أكثر غدرًا. حزبٌ بني على القتل والإجرام والتهجير والانقضاض على الدولة والفساد والسرقة والخوات وحروب الإلغاء للآخر، وهو أكثرُ حزبٍ مُنيَ بهزائم في حروبه، من معارك الشمال إلى زحلة والجبل والشوف وشرق صيدا وإلى بيروت، وجرَّ الويلات على لبنان والنَّكبات على المسيحيين تحديدًا قتلًا وتهجيرًا وتشتيتًا في أصقاع الأرض قبل غيرهم من اللبنانيين.
في الأيام الأخيرة تصاعدت حدَّة الخطاب العنصري البغيض، وبدأ البعض يطرح أفكارًا وأوهامًا بل أضغاث أحلام على شاكلة الغيتو والكانتون السابق بين كفرشيما والمدفون خلال الحرب الأهلية اللبنانية أو دويلة المقبور العميل سعد حدّاد في الشريط الحدودي المحتل، ومن بعده المقبور أيضًا أنطوان لحد والتي أنشئت بدعم من العدو الإسرائيلي في العام 1979 وحتى تاريخ اندحاره مهزومًا في العام 2000 والتي داستها أقدام المقاومين وسحقتها، ظهرت التحدِّيات وتزايدت المخاطر الوجودية والكيانية للبنان بصيغته الديموقراطية التوافقية القائمة وتوالت المواقف والتصريحات على ألسنة القوم بجرأةٍ ووقاحة واضحة لا لُبس فيها. والسؤال هل نحن أمام تلك الفرصة المنتظرة؟
على ما يبدو نعم، ولكن فقط الأقوياء والأذكياء وأصحاب الإرادات الصلبة هم القادرون على تحويل التهديدات إلى فرص ولديهم الجرأة الكافية لقلب الطاولة على رؤوس هؤلاء الأغبياء، وبالشراكة مع كل المخلصين والوطنيين في هذا البلد وإرساء نظام حكم وطني ديموقراطي توافقي عادل لكل أبنائه مبنيّ على مبدأ الانتماء الصادق للوطن وليس على أسس طائفية ضيقة ومشبوهة وعفنة.
ويراود الأذهان سؤالٌ إضافي: هل نحن على أبواب متغيرات حاسمة ومؤتمر تأسيسي جديد للكيان؟
ربّما ولمَ لا؟ فالصيغة اللبنانية القائمة أضحت متهالكة ومخلخلة وهشَّة تترنَّحُ يمنة ويسرة آيلةً للسقوط في أي لحظة وتحتاج إلى طلقة واحدة لتُرديها تصدر من عنصريٍّ غبي مغرور موهوم ومشبوه جعجاع غير حكيم يضغط على زناد الفتنة والارتهان للعدو. مجدَّدًا لننتظر مسار الأحداث والتطورات والمواقف ونرَ.
*كاتب لبناني