بايدن في السعودية: أريد نفطًا

لا شك أن أي قراءة لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تداعيات الحرب في أوكرانيا بالدرجة الأولى، فضلًا عن التطورات الإقليمية وحرب الطاقة التي تدور رحاها اليوم في منطقتنا العربية بالدرجة الثانية.

ولعل ما يفيد اليوم هو قراءة الموقف الأميركي من التطورات، أولًا السعي الحثيث لإعادة السيطرة على سوق النفط العالمية وضبط اللاعبين الأساسيين فيه، لا سيما المملكة العربية السعودية، في محاولة أميركية لفرط عقد (أوبك +) بانسحاب السعودية منه بهدف زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار، الأمر الذي سيكون البند الأول والأهم خلال زيارة بايدن للسعودية هذا الأسبوع.

لا يخفى على المتابع أن أحد أهم مصادر القوة الأميركية هو التفوق العسكري من جهة، والسيطرة على مصادر الطاقة العالمية من جهة ثانية. كما أن العقد الحالي يعتبر حاسمًا بالنسبة للإمبراطورية الأميركية لجهة مواجهة المد الصيني، فهي إما تكون قد تخلت عن قيادة العالم الأحادية لصالح القوة النامية في الشرق وعلى رأسها الصين، وإما محاولة فرملة النمو الصيني الهائل والسعي لإعادة ضبط السيطرة على مصادر الطاقة في العالم.

من هنا، يمكن القول إن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي استهلها من مطار بن غوريون في فلسطين المحتلة، سيكون على رأس أولوياتها البحث في سبل تعزيز السيطرة على مصادر الطاقة وتدفقها إلى الغرب.

أما العوائق التي تحول حتى اللحظة دون تحقيق المسعى الأميركي تتمثل بداية بالعلاقة مع الدول الخليجية المصدرة للنفط. فالسعودية وقطر، والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، تسير في شراكة متنامية مع الصين وروسيا في شتى المجالات وهو ما يشكل لها – أي الدول الخليجية – شيئًا من الاستقلالية في القرار السياسي وابتعادًا عن القرار الأميركي المباشر. لذا، فإن الورقة الأميركية التي تعتبر إدارة الرئيس بايدن أنها رابحة في إعادة “البقرة الحلوب” السعودية، كما وصفها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بشكل أساسي إلى الحضن الأميركي، هو الحديث عن حلف عسكري مع الكيان المؤقت، بهدف تأمين الحماية لها في وجه الخطر الإيراني، بحسب الزعم الأميركي، مقابل الابتعاد السعودي عن روسيا والانسحاب من اتفاقية (أوبك +) بهدف زيادة إنتاج النفط. لكن الرئيس بايدن سيصطدم بالعجز السعودي عن تنفيذ الأمنيات الأميركية، حيث إن السعودية اليوم تعمل بقدرتها القصوى بما يعادل 11 مليون برميل يوميًا، وهي غير قادرة على زيادة الإنتاج إلا إلى حد 12 مليون برميل، وذلك على المدى المتوسط فقط. فضلًا عن إعلان الإمارات العربية في وقت سابق عدم قدرتها على زيادة الإنتاج كونها تعمل بأقصى قدرة لها. لذا، فإن التعويل على النفط الخليجي بهدف خفض الأسعار لمواجهة النفط الروسي غير ممكن في الوقت الحالي. كما أن العدوان “العبثي” على اليمن يبقى في خلفية الصراع، حيث أن الجانب السعودي لا يريد استفزاز الروس لأخذ موقف قد يضعف السعودية، ما سيزيد من أزماتها في المنطقة ويصعّب عليها اجتراح الحلول.

ما يمكن للسعودية أن تقدمه للجانب الأميركي خلال هذه الزيارة، بحسب المصادر، هو أن يصار إلى زيادة جرعة التطبيع العلني مع الكيان المؤقت، والذي سيكون أول ملامحه فتح الأجواء السعودية للرحلات الجوية التجارية ولاحقًا السياحية القادمة من الكيان إلى مطارات الرياض وجدة وغيرهما، الخطوة التي تعتبر خطوة بارزة في مسار إعلان “الشراكة” السعودية مع الكيان المؤقت، ما يعتبره الأميركيون والإسرائيليون تطورًا يبنى عليه في المنطقة، لكنه لا يقدم دعمًا استراتيجيًا للأميركيين في مواجهة روسيا، وهنا مربط الفرس.

في المحصلة، فإن الحسابات الخليجية الصعبة قد تقف عائقًا أمام الأمنيات الأميركية لمواجهة روسيا والسيطرة مجددًا على مصادر الطاقة ومساراتها. هذا فضلًا عن دعم مسارات التطبيع مع الكيان التي ربما استنفدت كل أشكالها بانتظار الإعلان السعودي الرسمي لذلك، وربما ربطًا بتولي ولي العهد محمد بن سلمان مقاليد الحكم. فهل يبرئ الرئيس بايدن صفحة ابن سلمان من دماء خاشقجي والشعب اليمني بلقاء ثنائي وصورة تذكارية تجمع الرجلين خلال لقائه بالقادة السعوديين غدًا الجمعة؟ وهل يستطيع ابن سلمان سداد الثمن الباهظ مقابل الصورة؟

اساسيالسعوديةالنفطاليمنبايدنمحمد بن سلمان