لقاء بوتين – بايدن: تشاؤل وخطوط حمراء

لم يكن اللقاء –القمة الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي جو بايدن في جنيف “ساحراً ”  كما كان يتوقع البعض، وان تمخض عن نتائج تشير الى عودة لغة الحوار، وهذا ما كان مطلوباً بالحد الادنى، الا وهو اللقاء وجها لوجه وبحث الكثير من القضايا والملفات وان كان الوقت الذي استغرقته المباحثات قد تجاوز اكثر من ساعتين ونصف من النقاش المستفيض، وهذا ليس كافياً لتذليل العقبات في العلاقات المتوترة نتيجة السياسات التي اتبعتها الادارات المتعاقبة في الادارة الاميركية ومحاولة تطويق روسيا وفرض العقوبات غير المبررة والتي كانت تنم عن محاولات التدخل بالشؤون الروسية الداخلية عبر استغلال ما يسمى المعارضة وحقوق الانسان وغيرها من التعابير “الديمقراطية” التي تسعى الادارة الاميركية لفرضها.

لا انطباع واضحاً يمكن الخروج به من القمّة سوى أنها سعت إلى ضبط بعض العناوين الخلافية بمحدّدات ترجئ استعارها إلى وقتٍ آخر مناسب، لا تكون فيه الولايات المتحدة منشغلة بمنافستها الأهمّ و«الأخطر»، الصين.

لقد أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه ليست لديه أوهام عقب قمته مع نظيره الأميركي، جو بايدن، لكن هناك بارقة أمل ببناء الثقة المتبادلة، ويمكن الاتفاق حول كل القضايا التي تم بحثها.

وقال بوتين إن الطرفين بحثا المواضيع وهي الاستقرار الاستراتيجي والأمن السيبراني والنزاعات الإقليمية والعلاقات التجارية والتعاون في منطقة القطب الشمالي (أركتيكا). وأعلن أنه توصل معه إلى اتفاق حول إعادة السفيرين الروسي والأميركي لمكاني عملهما. كما ذكر أنه تم الاتفاق على بدء مشاورات دبلوماسية بين وزارتي الخارجية الروسية والأميركية حول كل اتجاهات التعاون، مبينا: “هناك ما يجب التحدث عنه، ثمة تراكمات كثيرة، وبدا لي أن كلا الجانبين، بما في ذلك الأميركي، مصممان على إيجاد حلول”.

سعى الرئيس الأميركي بايدن في أولى جولاته الخارجية للتأكيد على أن روسيا ليست منافسا مباشرا للولايات المتحدة بل مجرد لاعب ثانوي في عالم تنشغل فيه واشنطن بالصين.

عملياً، يعتبر بايدن أن مجرد لقائه بنظيره الروسي «وجهاً لوجه» كافٍ لاعلانه عن نجاح اللقاء. حاول بايدن أن يخفي قلقه من الظهور كرئيس ضعيف، خصوصاً بعد الأصوات العديدة التي خرجت في الداخل الأميركي لتقول إنه غير مستعد لهذه المواجهة. وقال بايدن إنه نجح في ثلاثة مجالات خلال المحادثات، مضيفاً: فعلت ما جئت لأفعله: أولاً، تحديد مجالات العمل التي يمكن لبلدينا القيام بها لتعزيز مصالحنا المشتركة وإفادة العالم أيضاً، ثانياً التواصل بشكل مباشر، بأن الولايات المتحدة ستستجيب للإجراءات التي تضر بمصالحنا الحيوية أو مصالح حلفائنا، ثالثاً، تحديد أولويات بلدنا وقيمنا بوضوح ولقد سمعها مني مباشرةً.

وقال بايدن إنه حاول تغيير سلوك الرئيس الروسي، “هذا يتعلق بالمصلحة الأميركية، تقريباً أي شخص يمكنني التوصل إلى اتفاق معه يؤثر على مصلحة الشعب الأميركي، أنا لا أقول، حسناً، أنا أثق بك، لا مشكلة. لقد تحدثنا واتفقنا على أمور، لنرَ ماذا سيحدث”.

بكل الاحوال لقد تم اللقاء المنتظر وكانت النتائج شبه عادية، وهي بحق تكتسب تسمية قمة “البراغماتية والخطوط الحمر” اذ ادلى كل من الرئيسين بدلوه وقالا بما  تعتمره السياسة لكن المحك الاساس يكمن في كيفية تحقيق ما اتفق عليه بالاضافة الى الاجابة عن السؤال المطروح وهو في كيفية استمرار الحوار وتطبيق الاتفاقات وتذليل العقبات الاخرى وحلحلة الكثير من الملفات والازمات التي قد تجد لها طريقاً نحو الحل وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى بما فيه الصين الغائب الحاضر الاقوى.

اذاً، مواضيع كثيرة بحثت من اوكرانيا الى الصواريخ الاستراتييجية الى الحرب السايبيرية الى منطقة الشرق الاوسط وتحديداً سوريا وفي كيفية ايصال المساعدات الغذائية الى الاستقرار الاستراتيجي والى الاعلان عن ان مسؤولية الاستقرار العالمي تقع على مسؤولية الجانبين مهما بلغت الاختلافات. وهذا ما سيكون مدار بحث بين وزارتي الخارجية البلدين واللتين بدورهما ستتحولان الى خلية عمل من اجل تطبيق ما اتفق عليه والى متابعة مجريات البحث والنقاش في الامور التي لم يتم التوافق عليها علّ ذلك يزيل ويبدد العقبات بين الطرفين والافساح في المجال لتهيئة الظروف الى لقاء قمة اخرى اذا دعت الحاجة.

 من جهتها ،اشارت مجلة “فورين بوليسي” الى ثلاث نقاط رئيسية في القمة، معتبرة أنّها أولاً خروج راديكالي من قمة هلسنكي التي جمعت الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ببوتين عام 2018 في فنلندا. ونقلت عن خبير الحدّ من التسلّح في مركز أبحاث “بي آي آر”، ومقرّه موسكو، أندريه باكليتسكي، قوله إنّه “مرّت فترة منذ أن كان لدينا قمة طبيعية ومشاركة طبيعية، حيث بإمكانك قراءة النص، الاستماع إلى المقابلات، وفهمها”.

وتحدثت المجلة ثانياً عن وجود احتمال للتقدّم رغم عدم حدوث أي اختراقات في اللقاء، مشيرة في هذا السياق إلى الاتفاق على عودة سفيري البلدين. ويقول مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية الذي خدم خلال إدارتي جورج بوش وباراك أوباما، دان فرايد، إنّه “إذا أردت أن تنجز شيئاً معقّداً مع روسيا، أو أي مكان آخر، فأنت تحتاج إلى فريق سفارة مع طاقم من الموظفين للدخول في القضية، وتقديم المشورة لواشنطن حول الأمور الممكنة وغير الممكنة”.

وخلصت المجلة ثالثاً إلى أنّ الوقت كفيل بإظهار نجاح القمة من عدمه. ويقول السفير الأميركي السابق لدى روسيا خلال إدارة أوباما مايكل ماكفول إنّ “العمل الجاد يبدأ في اليوم الذي يلي عقد القمة”.

بدورها، اشارت  صحيفة “واشنطن بوست” الى حرص مساعدي بايدن على التخطيط لكلّ خطوة في القمة، وعدم ترك أي مجال للصدف، لافتة إلى أنهم قلّلوا من احتمال تحقيق إنجازات متواضعة حتّى، لتفادي الوقوع في فخ التوقعات، ومن أجل تجنّب ظهور بايدن بموقع الضعيف، “تفاوضوا على وصول بوتين إلى المكان أولاً، للقضاء على فرصه في إبقاء الرئيس الأميركي منتظراً عبر الحضور متأخراً، وهو تكتيك نفسي يكرّره الرئيس الروسي”. ومن أجل تجنّب أي مفاجأة، قرّر المساعدون، وفق الصحيفة، عدم عقد مؤتمر صحافي مشترك قد يؤدي إلى لحظات من العفوية والارتجال.

من جهتها أضاءت صحيفة “نيويورك تايمز” على هدوء بايدن الذي ظهر بعد القمة، لافتة إلى أن بوتين كعادته، خرج إلى الصحافيين ليقدّم شكواه المعتادة إلى المراسلين، نافياً مسؤولية موسكو عن الهجمات الإلكترونية على المصالح الأميركية، مشيرة هنا إلى أنّ رئيساً آخر غير بايدن ربما كان خرج من القمة محبطاً أو حتى غاضباً.

ورأى تيم موريسون، الذي كان مستشارا للأمن القومي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، أن “الإدارة تريد تهدئة التوترات. ولا يتضح لي أن بوتين يريد ذلك… الأوراق الوحيدة التي يمكنه اللعب بها هي وضع العراقيل”.

بدوره، كتب أندريه ياشلافسكي، في  صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية  حول ما إذا كان يمكن اعتبار اللقاء بين الزعيمين الروسي والأميركي تاريخيا، من وجهة نظر باحث سياسي ألماني.

لقد انتهت المباحثات بين الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف، و”لكن ليس من الممكن القول ما إذا كانت القمة ستصبح تاريخية، إلا بعد مرور وقت على كيفية تطور الحوار بين روسيا والولايات المتحدة”، كما يقول الباحث السياسي الألماني ألكسندر راهر.

وفي كثير من النواحي، وفقا لراهر، فإن الأهمية التاريخية للقمة تعتمد على موقف المؤسسة السياسية الأميركية، وإلى أي مدى ستقتدي برئيسها بايدن، الذي انفتح في مكان ما على التعاون مع روسيا.

اساسيبايدنبوتينموسكوواشنطن