يومان وتحسين خياط سيرة على كلّ لسان، حتى بدا أن ما ارتكبته إحدى العاملات لديه، بإيعاز منه طبعًا، قد انقلب عليه، وأنّه بوضعه إياها في بوز المدفع ذهابًا في حلقة برنامجها وإيابًا في المقدّمة الإخبارية التي تلت ليلة “الزفّة” التحسينية، لم يستطع ردّ سيل “البهدلة” التي تلقاها، محاولًا التظاهر بأن السماء تمطر. لكنّ السيل استمر رغم تضافر جهود أُجرائه وأجيراته لوضعه في الصفوف الخلفية.
لقد أدهشهم أنّ الأمر مكشوف، وأن التعرّض لهم ليس سوى قليل من فيض التعرّض لمشّغلهم. منهم من صمَت، منهم من حاول تجاهل الزفّة ومضى يتحدّث عن الفنّ، ومنهم من ابتهج بما يحدث لاعتبارات تخصّه ومنها أن يا مرحبًا بتداول أسمائنا ولو على صهوة شتيمة.
فتح تحسين على نفسه بابًا لا يملك أن يغلقه ولو استخدم كلّ علاقاته وأمواله وصفقاته. عادت فضائحه إلى واجهة منصّات التواصل من العراق إلى بيروت، وتعرّت مسالك تمويله حتى ما عاد باستطاعة أحد التنظير في تمايز قناته واتباعها سياسة خاصة.
بالنسبة إلى العاملين لديه تحت مسمّى صحفيين وإعلاميين، لا عتب فهم حقًّا لا يملكون أن يقولوا إلّا ما يمليه عليهم تحسينهم، الذي بدوره يتلقى إملاءات متعدّدة المصادر ويستثمر في الخطوط المتقاطعة في ما بينها لضمان الربح السريع وللبقاء في دائرة المنافسة، فالكار يحوي عددًا لا بأس به من القنوات التي ترد المعلف نفسه، ومن المعروف أنّ المموّل عادة لا يرحم من يظهر تراجعًا أو فشلًا في تحقيق الأهداف المرسومة.
وهكذا، استخدم تحسين داليا ككبش محرقة، أو كقنبلة صوتيّة أراد منها كسر حاجز التعرّض لرمزية السيّد نصر الله ليفتح الطريق لسواها وليسجّل لدى معلّميه نقطة تقدّم في هذه الحرب. لم ينكسر الحاجز، وحدّة الصوت وقبحه جمعت كلّ أنقياء البلد لردّ الحجر من حيث اتى. ولم يُردّ فارغًا، بل مليئًا بالمعطيات الحقيقية والموثّقة حول تحسين خياط وأعماله وثروته وعلاقاته المتشابكة وتمويلاته التي بأحسن الأحوال تمنع وصفه بالنظيف وتضعه في دائرة شبهات متعدّدة، ومنها ما دار حول كون برنامج “الفساد” الذي قدّمته غادة عيد لسنوات على قناته -وفضحته بعد انتهاء عقدها معه- مجرّد أداة ابتزاز يستخدمها خياط للضغط على فاسدين مثله تعنّتوا في تمرير مفسدة له هنا أو هناك. ومنها أيضًا علاقته بتهريبات “محرزة” من العراق وصولًا إلى تجيير فريقه الإعلامي لصالح من يدفع أكثر مرورًا بالفضائح المتقطعة والتي تتعلق بشركاته، وشركات أفراد عائلته.
قد يقول قائل إن فساد تحسين خياط لا يختلف عن فساد آخرين، وهو قول صحيح. لكنّ ما يميّز تحسين عن سواه وما جعله “علكة” طيلة الأيام الماضية يتلخّص في إصرار تحسين على لعب دور ريادي من وراء الكواليس مستخدمًا فرقة متعدّدة الوجوه والخلفيات تحت عنوان محاربة الفساد، متجاهلًا وعي الناس ومستخفًا به. يريد أن يقنع الجميع، بشتى الطرق، أنّه وقناته والأدوات الناطقة العاملة فيها يشكّلون حالة ثوريّة، وأن الأجندات التي يقومون بخدمتها وتنفيذها هي أجندات تصبّ في مصلحة الناس. وأكثر من ذلك، يستخدم كلّ مصائب الناس في تبرير هذا “الخطّ الإعلاميّ” المتصل بشكل مباشر بخط الأوامر العوكرية، مرورًا بما هبّ ودبّ من خطوط تربطه بها علاقة “تمويل” أو توظيف أو “مرّقلي تمرّقلك”.
نجح تحسين خياط في دفع فريقه إلى مواجهة مع الناس، ولا سيّما “أشرف الناس”. نجح في إزالة هالة الحبّ والتقدير التي وهبتها طيبة هؤلاء لوجوه إعلامية ارتبطت بها ولا سيّما في حرب تمّوز. نجح في تحويل عقول كانت حرّة وقلوب كانت نقية، أو هذا ما كان يبدو عليها، إلى مجرّد أدوات تكرّر إملاءاته بلغات مختلفة وعلى مستويات متعدّدة. لكنّه فشل في استخدام الفريق كساتر يمكنه أن يقيه رصاصات الحقيقة التي ينطق بها الناس والتي تتناوله وتتجاهل أدواته، أو لا تتعرّض لها إلّا بوصفها أدوات لديه.
السؤال الآن هو من الخاسر في هذه المعركة؟ ببساطة، تحسين. وهو الأكثر حاجة الآن إلى إغلاق هذا الملف ولو اضطر إلى التضحية بداليا أحمد وتحميلها مسؤولية ما جرى، لا سيّما أنّ فيلم الضحية التي حاولوا وضعها في إطاره لم ينجح في إسكات الناس وجعلها تتوقف عن “نبش” أفعال تحسين. بالمناسبة، “فساد خيّاط” عرّى من يخيط لهم ثيابهم وأقوالهم، وكشف كلّ القذارة الكامنة خارج “الكادر”، ولم يحقّق إلّا شيئًا واحدًا: التمادي في السقوط.