«خطوة سيتحمل على إثرها على الصعيد السياسي اللبنانيون وأولادهم وأحفادهم جميعًا -إلا إذا تغيّر شيء ما- وتحمل معنًى واحدًا، “رغم كل الظروف ورغم أننا لم نفعل شيئًا ولم نخطئ، طوع أمرك، طال عمرك”».
مقطع نشرناه في مقالة بعد استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، لكن للأسف هذه المرّة لم يتحمّلها اللبنانيون وحدهم فحسب، بل المواطنون البحرينيون المعارضون الموجودون في لبنان أيضًا.
“وباء الانتهاكات” تقرير تم إطلاقه خلال مؤتمر لجمعية الوفاق البحرينية نهار السبت الفائت يتضمن “انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين من ٢٠١٩ حتى منتصف ٢٠٢١”. تقرير أزعج نظام مملكة البحرين وأصابه في الصميم، فتصرف كما يتصرف في مملكته حيث كلمته هي العليا، وحيث يقمع الحرّيات والآراء، بعد أن وجد في لبنان من ينفّذ قراره.
بالمنطق، بعد استقالة شربل وهبة، وقرداحي، والاعتذارات والانصياع، فما المانع من الطلب من الدولة اللبنانية محاسبة الجمعية المنفيّة من البحرين، والمقيمة في لبنان؟ المضحك أن البحرين لم تنتظر السعودية لتعيد الاتصال بلبنان حتّى تقوم هي بذلك، (كما جرت العادة البحرين تنقل قرارات السعودية عبر خاصية الـretweet)، بل كانت هي السبّاقة، فتواصل أمس وزير داخلية البحرين راشد بن عبد الله آل خليفة مع وزير الداخلية اللبنانية بسام مولوي بخصوص التحقيقات والإجراءات التي قام بها مولوي والمعلومات التي توصّل إليها، طالبًا منه ترحيل أعضاء جمعية الوفاق (التي هي بالأصل مرحّلة من البحرين)، والأخير وافق، وقد باشر بذلك، ولسان حاله “غالي والطلب رخيص”. وفعلًا وجّه وزير الداخلية كتابًا إلى المديرية العامة للأمن العام طالبًا اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية المعارِضة الى خارج لبنان.
كبرنا على عبارة “لبنان دولة سيادية تحترم الحرّيات والآراء”، لكن للأسف، لم نعرف باقي العبارة، ربّما قد تكون “وتقمع ضيوفها وترحّلهم لكسب رضى طويل العمر”. سوريا تُشتم بنظامها ورئيسها ويُحرَّض عليها يوميًا، وملياراتها محجوزة في المصرف اللبناني، لمَ لمْ يتخّذ إجراء من أجلها كدولة “شقيقة”؟ ايران تُشتم أيضًا يوميًا، ويتم التعرض لكراماتها ورموزها، والتضليل وتحريف خطابات قيادييها، لمَ لم يتم محاسبة من يفعل ذلك بحقّها؟ لمَ لم يتمّ ترحيل الارهابيين الخليجيين الذين فجّروا وقتلوا اللبنانيين؟
يبدو أن سياسة كمّ الأفواه في لبنان تطبّق على فئة دون أخرى، دولارات الخليج أهمّ، رضى الملك والأمير أهمّ من حفظ ماء الوجه.
لعلّ ميقاتي، ومن معه، قرروا أن يجعلوا لبنان مستنسَخًا صغيرًا عن مملكة الريتويت، يأملون نظرة من السعودية لضمان بقاء الحكومة، وربّما مقعد في المجلس النيابي. إلّا أنهم لن يأخذوا شيئًا من السعودية لا كرسيًّا ولا نظرة، والواضح أن أزمة الحكومة بعد القرار الأخير تفاقمت ويبدو أنّ الحكومة انتهت.
هذا القرار المتعسّف هو استباحة للكرامة، لا يجب أن يطبّق، هو إهانة لنا نحن اللبنانيين، وهو موافقة بل مشاركة في سياسة الاستبداد والقمع والإجرام والظلم القائمة وإساءة الأمانة.
ولبناننا، لبنان الشهداء والشرفاء الأحرار، لن يصبح يومًا ما تحلم به دول التطبيع، بمعنى آخر، وبما أنه يُضرب المثل بها، فلن يكون لبنان كالبحرين.