غابت صورتنا في درامتنا العربية، فهؤلاء الذين يظهرون على الشاشة أبطالًا يجسدون شخصيات مختلفة، ليسوا نحن، ولا يشبهون صورتنا كأشخاص عاديين لا من بعيد ولا من قريب. غاب عن الدراما الطالب العامل والموظف الكادح والوالد الكاد على عياله، ليحل محلهم البطل الأنيق، فاحش الثراء، الذي تلهث خلفه النساء، وإن لم يكن هذا فهو ذاك “المهرب”، الرجل المافيوي صاحب المبادئ، وفي كلتا الحالتين تعكس الدراما صورة مغايرة لمعظم الرجال العرب على هذه الكرة الأرضية.
برز مصطلح الدراما العربية المشتركة مع عرض مسلسل “الإخوة” سنة 2014 (بطولة تيم حسن، باسل خياط، قيس الشيخ نجيب،… إخراج سيف الدين سبيعي وسيف الشيخ نجيب)، لتكر السبحة بعدها مرورًا بأعمال مثل “عشق النساء، علاقات خاصة، خمسة ونص، عروس بيروت، عشرين عشرين، الهيبة”، وصولًا إلى “للموت، صالون زهرة وع الحلوة والمرة”، وما تبعها من أعمال تلفزيونية مشتركة. فلو ألقينا نظرة سريعة على المسلسلات المذكورة نجد الآتي:
“عشق النساء، علاقات خاصة، خمسة ونص، عروس بيروت، عشرين عشرين، للموت، ع الحلوة والمرة”، كافة أبطال هذه الإنتاجات من الأثرياء الذين يمتلكون شركات ومؤسسات تدر لهم أموالًا طائلة، فضلًا عن السيارات الفارهة والفيلات الضخمة التي لا يمتلك منها المواطن العربي البسيط شيئًا، المواطن الذي يستيقظ صباحًا ليذهب إلى عمله مستقلًا سيارة أجرى، وتشغله مشاكل عمله وعائلته، المواطن الشاب الذي يعمل ليل نهار لتأمين أقساط دراسته أو ليساند أسرته، والكثير الكثير من صور الأبطال الحقييقين تغيب عن هذه الدراما.
“الهيبة، عشرين عشرين، صالون زهرة”، ثلاثة نماذج يختلف فيها عمل البطل غير الشرعي، فالأول يسيطر على منطقة من الحدود يستغلها للتهريب، أما الثاني فيتاجر بالمخدرات، والثالث بقوم بتهريب الأموال”. نعم إن كنت فقيرًا أو تبحث عن لقمة العيش عليك أن تكون من تلك النماذج. هذا ما تروج له الإنتاجات العربية المشتركة، التي غيبت دور كل مكافح ومناضل وكاد. إضافة إلى ذلك قامت تلك المسلسلات بتلميع صورة البطل المهرب، ليكون صاحب مبادئ، وأعطته كافة المبررات لما يقوم به من أعمال مخالفة للقانون، فضلًا عن تصويره بصورة الدونجوان العاشق محبوب النساء.
إن ما نشاهده اليوم في الدراما هو تزييف لصورة شبابنا العربي، الذي قاوم وخاض الحروب، تزييف لصورة الرجل العربي الذي يكافح ويناضل كل يوم لتحقيق أهدافه في ظل ما تشهده الساحة العربية من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية. إن ما تعرضه القنوات من دراما عربية مشتركة تزييف لصورة واقع بأكمله، وهذا ما يجلعنا نسأل: ما هو مفهوم الدراما العربية المشتركة؟
إن المقصود بمفهوم الدراما العربية المشتركة بشكله الظاهري هو “تعاون بين جنسيات عربية مختلفة من جموع الفنانين والفنيين والمنتجين، لإنتاج عمل درامي عربي، يعرض على قناة عربية فضائية أو محلية”. هذا هو مفهوم الدراما العربية المشتركة الذي يعمل به صناع الدراما اليوم، متجاهلين أية قضية عربية مشتركة. يكفي أن تكون البطلة لبنانية والبطل سوريًّا أو مصريًّا لنطلق على هذا النوع من الإنتاج دراما عربية مشتركة.
أما إذا أردنا أن نغوص في دلالات هذا المفهوم الفعلية، فعندما نقول دراما عربية مشتركة، يجب أن تناقش مثل هذه الأعمال القضايا القومية العربية، الحروب العربية، أزمات الشارع العربي المشتركة، وهي كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الحرب السورية الأخيرة وهجرة السوريين إلى بلاد عربية كثيرة، وجود الفلسطينيين في المناطق العربية المختلفة أيضًا وحقوقهم المدنية والاجتماعية، هجرة الأدمغة العربية، البطالة في العالم العربي، معاناة المواطن العربي الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها الكثيرالكثير من القضايا التي يتشاركها الواقع العربي وتغفلها ما يطلق عليها الدراما العربية المشتركة.
وهنا ننتقل إلى سؤال آخر: ما هي مشكلة الدراما العربية المشتركة؟ ولماذا هي بعيدة عن واقعنا العربي؟ والإجابة عن هذه التساؤلات يمكننا حصرها بالآتي:
ضعف الاطلاع عند كتاب الدراما العربية
فمعظم المؤلفيين في عالمنا العربي لا يستهويهم البحث والاطلاع والقراءة، هم فقط يرغبون بكتابة سيناريوهات من مخيلتهم تنتجها بنات أفكارهم خلف شاشات حواسيبهم، وهذا ما جعل معظم الإنتاجات العربية تفشل بسبب ضعف الصراع والحبكة الدرامية، وما جعل صناع الدراما يتجهون نحو القوالب الجاهزة والاستنساخ، وهنا تكمن العقدة الثانية.
القوالب الجاهزة والاستنساخ عن المسلسلات التركية والأجنبية
إن ما يهم المنتج في العالم العربي هو الكسب المادي بالدرجة الأولى، ومع ضغف المؤلفين العرب في خلق قصص مثيرة ومشوقة تجذب المشاهد العربي، اضطر المنتج إلى أن يتجه نحو القوالب الجاهزة المستنسخة التي حققت نجاحات سابقة، ومنها التركية، مما أدى إلى غياب الواقع العربي عن أعمال عربية بواقع أجنبي أو تركي.
البحث عن قصص مثيرة تنافس الخيال أحيانًا
بهدف الترند وتحقيق أعلى نسب مشاهدة، مما ساعد أيضًا في غياب قضايا المجتمع العربي.
إن كل هذه العوامل نتج عنها تزييف لصورة البطل العربي بخلق صورة مغايرة نشاهدها جميعًا على شاشة التلفاز ونصفق لها أحيانًا. ونحن لا ننكر وجود مثل تلك الشخصيات في عالمنا، ولكننا نتحدث عن حصر صورة بطلنا العربي بمثل هذه التماذج، ومن ضمن قواعد الدراما أن تجد نفسك أو جارك أو أخاك… في ما تشاهده؛ فالشخصيات الدرامية هي شخصيات حية نقلت من عالم الواقع إلى الشاشة، أما صورة البطل الذي تقدمه الدراما اليوم فهي صورة مزيفة عن أبطال الواقع.