بعد استقالة الوزير الوطني جورج قرداحي بالأمس، خرجت أصوات لتقلل من أهمية هذه الاستقالة، مدعية أنها لن تقدم شيئًا في مسار إعادة العلاقات السعودية اللبنانية. ومن هنا لا بد من التعريج على خلفيات هذه الاستقالة، فلماذا استقال الوزير قرداحي الآن؟ وما هي الخيارات السعودية المتاحة بعد الاستقالة؟
بدايةً، وقبل الخوض في غمار الحديث عن توقيت استقالة الوزير قرداحي، لا بد من الإشارة إلى أن الوزير الشريف صمد لأكثر من شهر بوجه آلة إعلامية لم توفره هو وعائلته من التجني والافتراء، فطالته الاتهامات بالسياسة تارةً وبالشخصي تارةً أخرى. رغم ذلك كله مضى الوزير بخطوات ثابتة مستندًا إلى إرثه الوطني وموقفه الشريف من وصف حربٍ أقل ما يقال عنها إنها عبثية، ولم يأبه بضغوطات الإعلام والنواب والوزراء وحتى رؤساء الدول.
أما عن التوقيت، فتكفي الإشارة إلى ما تناولته الصحف في الأيام السابقة عن طلب الرئيس الفرسي ماكرون من الرئيس ميقاتي زيادة الضغط على الوزير قرداحي لتقديم استقالته وإلا لن يتطرق الرئيس الفرنسي في جولته الخليجية إلى الأزمة مع لبنان. ولهذا الغرض قام ميقاتي بمجهود للتواصل مرة أخرى مع قرداحي، وعندما شعر بأنه لا تبدُّل في موقف الأخير، لوح بتقديم استقالته وبحسب الصحف الاستقالة كانت متوقعة اليوم. ولهذا السبب قرر الوزير قرداحي تقديم استقالته، إذ آثر الحفاظ على حكومة يتطلع إليها اللبنانيون بالأمل لكي تشرف على الانتخابات النيابية التي يرون فيها خلاصهم.
إذًا، الوزير قرداحي رجح المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية، وحافظ على كرامته كونه لم يعتذر عما قاله، بل أكد على كل كلمة قالها بخصوص حرب اليمن، وبذلك لم يتنازل الوزير الشريف عن موقفه ولا عن رأيه الحر، بل تنازل عن كرسي وزاري لمصلحة بقاء أملٍ للبنانيين بالتغيير المنشود.
وبالانتقال إلى القرار السعودي الذي ستتخذه بعد استقالة الوزير قرداحي، فالرياض محرجة للغاية وواقعة بين خيارين أحلاهما مر؛ الأول أن تقبل بالطرح الفرنسي بعودة العلاقات بعد استقالة الوزير قرداحي، وهكذا تكون قد تراجعت عن مطلبها الرئيسي وهو تحييد لبنان واللبنانيين عن حزب الله وإقصائه عن المشهد السياسي اللبناني، وبهذا تتراجع عن هذا الهدف الكبير مقابل استقالة وزير في حكومة لن تدوم سوى لأشهر. ويشبه هذا التراجع الصفعة الحديثة التي تلقتها السعودية عندما عادت مرغمةً بطلبٍ أمريكي إلى العلاقات القطرية.
أما الخيار الثاني، فهو استمرار السعودية بمقاطعة لبنان، وهذا له تبعات محرجة لها ولحلفائها، فأولًا تُحرج الضيف الفرنسي الذي طلب منها التراجع عن موقفها، وثانيًا تحرج حلفاءها الذين كانوا ليل نهار يعتبرون استقالة الوزير قرداحي مفتاح الحل لعودة العلاقات مع لبنان. أيضًا، سيتضح للّبنانيين غير المصدقين أنها فعلًا تساهم في حصارهم ومعاناتهم.
وفي كلا الخيارين لم يقدم الوزير قرداحي وفريقه السياسي استقالة مجانية، بل جاءت الاستقالة في وقتها المناسب الذي يفيد لبنان وكرامته وسيادته، فإذا تراجعت السعودية عن موقفها من لبنان يكون قد نجح هذا الفريق بفرض إرادته عليها، أما في حال لم تستجب المملكة سيظهر زيف ادعائها الحرص على لبنان واللبنانيين، وبهذا أيضًا سيظهر من يريد مصلحة لبنان واللبنانيين ويقدم التسهيلات، ومن يريد للبلد الاختناق والانزلاق أكثر في مستنقع الأزمات. فتوقيت استقالة قرداحي جاء ضربة معلم نقلت الكرة إلى ملعالسعودية، فكيف ستتصرف مملكة الخير؟