دور المرأة بين الحقيقة والوهم

في النَّماذج الَّذي استحضرها علي شريعتي عن المرأة بين الاستشهاد بنساء من أزمان مختلفة وبين طبع صورة المرأة الملازمة للعصر الَّذي تكتنفه قوَّة تأثير الإعلام والانبهار والاندفاع نحو السَّائد بطريقة عمياء وكأنَّها مرحلة منتظرة للتَّحرُّر من قيد قد يكون إلى حدٍّ كبير تكوَّن في الذِّهن كصورة وهميَّة عن حالة تعيشها ومفترضة في ذهنها تظهر في الاندفاع المفرط نحو ما يسمى حريَّة، ظهرت قوَّة المرأة عنده ذاتيَّة متفرِّدة ومنعزلة عن الرَّجل من حيث القدرة على الفعل والتَّطبيق والاستمراريَّة فيهما، طالما أنها لا تقبل الموروث، ولا تقبل المستورد من نماذج المرأة، وطالما أنَّها لا تسقط في الخداع والتَّحقير، هي سيَّدة نفسها في ظلِّ التَّغييرات المحيطة.

وتظهر مسألة تغيير القيم وتطوُّرها في مجتمعنا -أو الأجدر قولًا مسألة إخضاع القيم للتَّحوُّلات الَّتي تصيب مجتمعنا- أنَّها تطال المرأة بشكِّل فعَّال. هذا التَّحول فرض نفسه كعامل أساس برزت فيه المرأة في دورين متناقضين. يمكننا حصر هذين الدَّورين بين ما هو حقيقيٌّ متجذِّر وبين ما هو وهميٌّ طاغ يأخذ بالسُّطوع والتَّفشِّي كسلعة إعلاميَّة استمدَّت قوَّتها من سرعة انتشارها، فيصبح الطَّاغي غير المنطقيِّ وغير الحقيقيِّ الأكثرَ رواجًا في محاولة وسعي دؤوبين لتعميم ظواهر إفراغ المبادئ من حيثيَّاتها القيِّمة تحت حجَّة الأكثر رواجًا، والأكثر تواترًا.

في عصر السُّرعة، سرعة التَّلقي وسرعة الانبهار والاندهاش، وعصر قلب المفاهيم على مضمونها الثَّابت، يتبدَّى الانقسام العموديُّ بين الفئات النَّسويَّة نفسها حول طبيعة الشَّكل الأدائيِّ للمرأة في المجتمع، منها من عدَّها وربطها بأيديولوجيا دينيَّة، ومنها من ربطها بأيديولوجيا غير دينيَّة. المنحى الأول تحدث عن نماذج تاريخيَّة للمرأة، ومنها نماذج معاصرة رغم الاختلاف البيئي، ورأى أن المرأة أخرجت نفسها من دائرة التَّفاضل والتَّمايز بما يخص المظهر، كالحجاب عند المرأة المسلمة، والسَّاري عند المرأة الهنديَّة، أو الكيمونو الياباني عند المرأة اليابانيَّة، وغيرهنَّ، ممَّا يتَّصل بحضارات وثقافات متعدِّدة، واستطاعت المرأة في هذا المنحى التَّفوُّق على الطَّاغي من العريِّ والسلعنة لجسدها وأن ثبت نفسها من خلال ما قدَّمته على السَّاحة الفكريَّة بمعزل عن التَّعصُّب الَّذي يظهر اتِّجاه زيِّها وبخاصَّة المحجَّبة منهن، فظهرت المرأة في أنحاء العالم كمرأة مستجدَّة واعية ومثقَّفة خرجت عن المألوف المهمِّش لها، ولم تنجرف للسَّائد المواكب للموديلات العصريَّة أو ما سمِّي بالحداثة. وأمَّا المنحى الثَّاني الَّذي ربط دور المرأة بأيديولوجيا غير دينية متمثِّلة بالانفتاح على كلِّ ما يخرجها من كلِّ قيد وموروث اجتماعيٍّ يخضع للتَّقديس غير المنطقي، فقد قدَّم نماذج مختلفة من المرأة المعاصرة والَّذي كان له دور بارزٌ وتأثيرٌ كبير على الكثيرات.

يظهر الخلاف النَّسويُّ في مجتمعنا حول طبيعة الشَّكل للدَّور الَّذي تؤدِّيه المرأة، إذ هو محصور بالنّساء فقط، فالعالم يتغيَّر بسرعة فائقة، ومن البديهيِّ أن تتغيَّر معه الأدوار، وتظهر المرأة بصورة مغايرة ومختلفة عن الصُّورة النَّمطيَّة، سواء نمطيَّة الانفتاح أو نمطيَّة الانغلاق. هذا الصِّراع بين الدَّورين قيِّم وفعَّال، لأنَّ تعدُّد نظريَّة الأدوار يوسِّع الدَّائرة بحيث يسمح لعدد كبير من النِّساء بالانضمام للدَّور الَّذي يجدن فيه أنفسهن. لكن ما يثير الدَّهشة والاستغراب، ويبدو خطيرًا إلى حدٍّ ما ويأخذ طابع الأحاديَّة والفردانيَّة، أنَّ كثيرًا من الفئات النَّسويَّة تصوِّر نجاحها في معاداة الرَّجل، وكأنَّها في صراع دائم مع الرِّجال. طبعًا من النَّاحية السَّيكولوجيَّة والاجتماعيَّة لم تأتِ هذه الصُّورة عبثًا نظرًا للموروث القديم الَّذي حمله مجتمعنا عن هيمنة الرَّجل وتسلُّطه واحتقاره للمرأة، لكن السُّؤال الَّذي يطرح نفسه، إنَّ التَّراكم الزَّمنيِّ للأفكار الَّذي كان كفيلًا في تعزيز دور المرأة وفعاليَّتها أليس له التَّأثير نفسه على عقليَّة الرَّجل في نظرته للمرأة؟ وهل أنَّ نجاح المرأة في حياتها العمليَّة والمهنيَّة يقتصر على معاداة الرَّجل؟

في الحضارات القديمة انقسمت الآلهة إلى إناث وذكور، وفي الجنَّة كانت حواء تقتسم مع نبيّ الله آدم كلَّ الموجودات الَّتي أحاطت بهما، وفي نموذج المرأة المعاصرة صوَّرها تولستوي وكأنَّها الأكثر تأثيرًا عندما أخرج لنا صورة الضَّابط الصَّارم في الجيش وهو يقع في حبِّ أنَّا كارنينا، ولما أظهر فيكتور هوجو وجه المدينة الجميل والحذِق قرنه بإزميرالدا، وغيرها من الأمثال والشَّواهد على مدى قوَّة المرأة وتأثيرها في الرَّجل وعليه.

لم يكن يومًا دور المرأة مجتزءًا وغير معترف به، لنأخذ مثلًا مجتمعنا العربيَّ في عصر النَّهضة، كان رفاعة الطَّهطاوي وقاسم أمين أوَّل من طالب بانفتاح المرأة وتعليمها على الرَّغم من التَّقاليد الطَّاغية آنذاك. تكمن المشكلة في الفكرة الطَّاغية والمعمَّمة، سواء في تقليص دور المرأة أو في إعطائها دورًا فضفاضًا يخرجها عن طبيعتها المراد لها أن تكونها.

لا تحتاج المرأة لحركات نسويَّة تسيء إلى الرَّجل كي تكون قويَّة، ولا تحتاج إلى فائض من الحريَّة مبهم المعالم كي تثبت دورها في مجتمعها، فدورها هو من قوانين الطَّبيعة الحتميَّة فلا يمكن لرجل أن يلغيه ولا يمكن لتشكُّلٍ نسائيٍّ أن يبنيه.

بحسب طبيعتها البيولوجيَّة، ترتبط المرأة بشكل مباشر بالأرض والطَّبيعة، لها القدرة على الخلق والنُّموِّ ولها القدرة على استمرار الحياة، وبثِّ التَّوازن الطَّاقيِّ الَّذي يشكِّل عناصر الأرض، هذا كلُّه يحدث ليس بمعزل عن الرَّجل، بل معه ومنه وفيه.

اساسي