لا تنفك مملكة الشر السعودية تحيك الخطط والمؤامرات لضرب لبنان، وعلى وجه الخصوص حزب الله الذي تعتبره أصل مشاكلها في المنطقة. ولن تتوانى عن فعل أي شيء للوصول إلى هدفها. ستسعى السعودية من خلال حلفائها في لبنان لتنفيذ هذه المهمة المستحيلة، فمن هم أدواتها؟ وما علاقة بهاء الحريري بهذا المخطط؟
تسعى السعودية جاهدةً لتشكيل “جبهة سياسية موسعة في لبنان مهمتها عزل حزب الله”، حسبما أورد موقع “موند افريك” الفرنسي، هذه الجبهة ستضم كل مناوئي حزب الله على الساحة اللبنانية وستتشكل من ثلاثة أطراف أساسية مسيحية، وسنية، ودرزية.
سنبدأ من الساحة السنية التي قررت السعودية بشكلٍ واضح إقصاء سعد الحريري عن المشهد السياسي فيها. وهذا بدا جليًا في مقال الكاتب السعودي رامي الخليفة العلي بجريدة عكاظ تحت عنوان “هل حانت لحظة التغيير في تيار المستقبل اللبناني ؟”، حيث كتب: “القوة الدافعة التي مثّلها الشهيد رفيق الحريري (…) وهذا الرصيد نفد منذ أمدٍ بعيد مع الافتقاد للكاريزما، والأهم الافتقار إلى الصفات القيادية”. وتابع قائلًا: “المرحلة في لبنان دقيقة وتحتاج إلى قيادة مختلفة، وبالتأكيد الحريري لا يمثلها، وحان الوقت أن يترجل ويترك الساحة لمن يستطيع أن يساعد لبنان للخروج من حقل الألغام الذي يسير فيه، وينقذ السنة من المرحلة الكارثية التي يمرون بها، الساحة السنية مليئة بالشخصيات التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة العظيمة”.
وقد اعتذر الحريري عن عدم تشكيل الحكومة بعد أسبوع واحد من كتابة هذا المقال، ولعله أدرك وقتها أنه لا أمل من انتظار قبول المملكة بترؤسه الحكومة اللبنانية.
وفي مقال سابق لنا في الناشر تحت عنوان “السعودية تصفي سعد الحريري”، تحدثنا عن ثلاثة مشاهد للتصفية، واليوم تتعزز هذه الرؤية حيث أعلنت مصادر مواكبة للحريري نيته العزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية، وهذا يعود للضغط العالي الذي مارسته عليه المملكة، وقد وضعته بين خيارين إما التسليم للشخصية السياسية السنية التي تريدها طوعًا وبالتالي يكون قد أنهى عمله السياسي إلى الأبد، وإما سيخوض الحريري غمار مواجهة القرار السعودي ويستمر في الحياة السياسية مرشحًا شخصية يمكن أن تقبلها السعودية لرئاسة التيار. لكن الذي يعرف الشخص يدرك أنه أضعف من أن يجرؤ على مواجهة المملكة، كونه يعلم علم اليقين ماذا سيحل بالذي يقف بوجهها.
ومن هنا، ومنذ مدة، والسعودية تعمل على تجهيز البديل الذي قدم نفسه مؤخرًا كوريث سياسي للشهيد رفيق الحريري، ألا وهو ابنه بهاء، الذي تعمل معه السعودية من أجل إنشاء كيان سياسي سني يرث تيار المستقبل وينال تزكية المملكة، وعندها الكل سيبايعه كقائد للجبهة السنية المواجهة لحزب الله. ولن يقتصر نشاط بهاء الحريري على ما يبدو على العمل السياسي بل سيكون له أيضًا جناح عسكري، وإن لم يكن بشكل واضح ومعلن عنه، وحجته في ذلك وجود الجناح العسكري لحزب الله.
أما على الساحة المسيحية فقد أصبح واضحًا أن سمير جعجع سيكون قائدًا للجبهة المسيحية، وستنضوي تحت قيادته فلول 14 آذار من المسيحيين. ولم يعد خافيًا مدى تعويل السعودية على الرجل من أجل تنفيذ خطتها، فما التهليل والتكبير بعد مجزرة الطيونة سِوى علامة الرضى السعودي على أداء الأخير.
أما على الساحة الدرزية فلا يمكن إغفال تصريح النائب السابق وليد جنبلاط الذي أدلى به مؤخرًا والذي يأتي من باب حصوله على الدعم المالي من السعودية لكي يتمكن من تعزيز قدراته انتخابيًا، وليس بالضرورة أن ينخرط بالخطة العسكرية المرسومة، يكفي أن يؤيد الجبهة الجديدة سياسيًا، لأنه من المستبعد أن ينخرط جنبلاط بعمل عسكري جديد بعد الصفعة التي مُني بها خلال أحداث 7 أيار ولن يجرؤ على تكرار مغامرته.
ومن مصاديق الجبهة الجديدة ما تشهده من تحضيرات للانتخابات، وعلى سبيل المثال لا الحصر تحالف القوات مع بهاء الحريري في دائرة (بعلبك-الهرمل) من أجل مواجهة تحالف حزب الله في المنطقة، وطبعًا أي خرق في هذه المنطقة التي يعتبرونها معقلًا لحزب الله سيعتبر إنجازًا عظيم لهمًا. وهذه التحالفات بين الأقطاب الثلاثة ستتبلور في الأيام القادمة.
ومن خلال ما تقدم يظهر أن الجبهة المواجهة لحزب الله صارت بحكم المبتوت بها، وقد عبّر عن هذا حتى قيادات عدة مناوئة للمقاومة. ومن خلال هذه الجبهة ستسعى السعودية لضرب الاستقرار في لبنان عبر عمليات أمنية. ولم يعد مستبعدًا قيامها بعملية اغتيال، وخاصة على الساحة السنية، لأن أي عملية اغتيال ستؤدي إلى شد العصب السني وستساعد بهاء الحريري على نيل الشرعية لرده المسلح، بعد اتهام حزب الله طبعًا بعملية الاغتيال. ومن المرجح أيضًا اغتيال شخصية مسيحية تساعد كذلك سمير جعجع على الحصول على دعم مسيحي أكبر.
كما من المرجح أن نشهد بين الفترة والأخرى أحداثًا مشابهة لأحداث خلدة والطيونة تستهدف جمهور وأفراد من حزب الله، كون السعودية راق لها ذلك، وتقديرها يقول إن حزب الله، وحفاظًا على السلم الأهلي لن يرد، وتهدف هذه الضربات إلى وضع الحزب تحت الاستنزاف، وتعول المملكة على رضوخه إلى ما تريد. وهي تظن أيضًا أنه في ظل هذا المشهد المتوتر فإن خوض الانتخابات سيغير موازين القوى لصالح حلفائها لكي تنال الأكثرية النيابية التي ستخولها تنصيب بهاء الحريري رئيسًا للوزراء وسمير جعجع رئيسًا للجمهورية، أكان هو شخصيًا أو من يختاره. وبذلك تكون المملكة قد أصبح لديها ورقة قوية بمفاوضاتها مع إيران، ويمكن لها أن تجر لبنان إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
في الختام هذا المخطط الشيطاني لن يمر، لأن المملكة تعول على جذوع نخلٍ خاوية، أطرافها بين من تاريخه حافل بالهزائم وبين عديم الخبرة، وننصح المملكة أن تتعلم من تجاربها في اليمن وسوريا، وتشاهد وثائقي “أسرار التحرير الثاني” لكي تعلم أن ما تحلم به ليس سوى “سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء”.