تتوالى الأيام وهناك أشخاص لا يدرون بأن دورهم قد انتهى ويسعون بكامل جهدهم وبشتى السبل بغية استدرار عطف سيدهم. هذا الحال ينطبق على المواطن السعودي سعد الحريري، الذي كل العالم بات يعلم بأن أمه وولية نعمته كما يقول هو، طردته من بيت طاعتها إلى الأبد، لكن الغريب استمرار المواطن المنبوذ بالكذب على نفسه أولًا وعلى من يمثل ثانيًا بأن السعودية راضية عنه، ومن أجل إرضاء مملكة الخير أصبح الرجل لا يوفر أي حدث وأي مناسبة لكي يصوب على حزب الله بشكل أساسي. لكن للأسف لدى سعد الحريري إنكار ذاتي ولا يريد أن يتقبل فكرة أن السعودية قامت بتصفيته، ومن الطبيعي السؤال عن المقصود بالتصفية.
للإجابة عن السؤال لا بد اعطاء ثلاثة أبعاد للتصفية المقصودة، وكل بعد من هذه الأبعاد يمهد لما بعده، وهو بحد ذاته يحمل في طياته الكثير من الحقائق التي لا يريد الحريري تصديقها. ولكي تتضح الصورة للقارىء الكريم نبدأ بالبعد الأول وهو البعد الاقتصادي.
هناك العديد من الشواهد على التصفية الاقتصادية لسعد الحريري سنكتفي بعرض اثنين منها فقط، فالشاهد الأول في الداخل السعودي وما يتمثل بقضية شركة سعودي أوجيه التي يمتلكها سعد الحريري داخل المملكة، ولها أملاك وعقارات وأصول مالية تابعة لها. وبعد إفلاس الشركة ورفع دعوى عليها من قبل السعوديين قامت السلطات بتوكيل مهمة تسويق وبيع الشركة بشكل حصري لشركة أدير العقارية التي يديرها متعب آل سعيد، والتي نظمت منذ يومين مزادًا علنيًا وباعت بموجبه قطعة أرض تعود ملكيتها لسعودي أوجيه بما يسمى مشروع “أرجوان رد سي” بقيمة 1.34 مليار ريال سعودي (357.2 مليون دولار)، كما ستقوم شركة أدير بتصفية أي عمل تجاري لشركة سعودي أوجيه داخل المملكة، وبالتالي تصفية مشاريع سعد الحريري اقتصاديًا في السعودية.
أما الشاهد الثاني فهو في لبنان حيث أقفلت السعودية حنفيتها المالية التي كانت تغدق على تيار المستقبل المال السياسي الذي لم تحصد منه المملكة ما كانت تصبو إليه، ما انعكس على أداء تيار الستقبل تجاه قاعدته الشعبية التي أصبح التململ واضحاً لديها، حتى رأينا شيخًا سنيًا بمسجد في وسط الطريق الجديدة معقل تيار المستقبل يطالب بقبول النفط الإيراني. ومن انعكاسات الأزمة الاقتصادية لسعد الحريري هو شبه الإقفال لقناة المستقبل.
أما البعد الثاني والمتمثل بالتصفية السياسية لسعد الحريري، فهذه التصفية بدأت عندما احتُجز سعد في المملكة وتم إرغامه على الاستقالة من رئاسة الحكومة على خلفية تعاونه مع أمراء في العائلة الملكية مغضوبٌ عليهم من ابن سلمان. والتصفية ناتجة أيضاً عن إخفاق الحريري بتأدية الدور الموكل إليه ألا وهو مواجهة حزب الله، وهذا ما لم يستطع الأخير القيام به. ومن مصاديق التصفية السياسية أيضاً هو اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة مؤخراً بعدما تأكد أنه لن يكون مرضيًا عنه من المملكة، وقد كتبها رامي الخليفة علي بمقاله في صحيفة عكاظ السعودية التي تنطق بما يختلج بفكر العائلة الحاكمة، والذي قال: لقد انتهى سعد الحريري سياسياً لأنه لم يتمكن من مواجهة حزب الله ويجري العمل على إيجاد شخصية سنية قادرة على تنفيذ مشروعها. وهذا الإعلان هو التصفية السياسية بحد ذاتها. اما عن البديل فالزاحفون نحو خيمة “طال عمرك” كثر وتستطيع المملكة اختيار من تريد وليس بالضرورة أن تكون هذه الشخصية سنية، المهم لدى مملكة الخير أن يلبي مخططها المسموم في القضاء على المقاومة وحلفائها في لبنان.
وبناءً على ما تقدم يأتي البعد الثالث المتمثل بالتصفية الجسدية. ويمكن للمتابع أن يصدم أو يشعر بثقل الموضوع، فليس غريباً على مملكة الخير أن تفعل هذا وخير شاهد الصحافي جمال خاشقجي، الذي بعد انتهاء دوره في تنظيم الجماعات الإرهابية في سوريا ودعمها بمقالاته قامت بتصفيته بأبشع طريقة. وكي لا نذهب بعيداً ألم يُقَل -وفق إحدى النظريات- إن السعودية هي التي قامت بالتخلص من والد سعد، رفيق الحريري، بطريقة مباشرة أو عبر الوسيط لأن الحريري الأب فشل بمواجهة حزب الله وانهاء المقاومة وحلفائها؟ فكما اغتالت الأب واستثمرت بدمه سياسياً يمكنها أن تعيد الكرّة وتغتال نجله للأسباب ذاتها وللهدف ذاته، لأن حالياً سعد الحريري لم يعد ضمن المشروع السعودي وتصفيته ستعطي زخماً وتشد العصب لدى الطائفة السنية والمحور السعودي في لبنان لكي يبرز خليفته ويقطف ثمار الاغتيال ويتاجر بدماء سعد الحريري كما جرت المتاجرة بدماء والده منذ 2005.
بالمحصلة سعد الحريري قد انتهى سياسياً ويجب أن يستيقظ من سباته ويرى جيداً ما يحاك له ويعلم من يريد فعلاً مصلحته ومن يريد التخلص منه. فلو كان سعد قارئًا سياسيًا جيدًا لكان اختار من انقذه من الاحتجاز السعودي وركب في سفينته. لو قام بذلك لكان الآن على رأس حكومة إنقاذ البلد من التبعية ومن الحصار الأميركي الخليجي الظالم، لكن الرجل اختار الرضوخ والانكفاء ومواصلة التودد للسعودية بمواقف وتغريدات يهاجم فيها من أنقذه تودداً لخاطفته التي نسأل الله له السلامة من ألاعيبها القذرة.
[…] مقال سابق لنا في الناشر تحت عنوان “السعودية تصفي سعد الحريري”، تحدثنا عن ثلاثة مشاهد للتصفية، واليوم تتعزز هذه […]