حسام ناصر الدين – الناشر |
لطالما كان الحصار أحد أهم العوامل لكسب المعارك، وعادة ما تلجأ إليه الجيوش والدول لتحقيق نصر دون خسائر تذكر. وقد عرف هذا النوع من المعارك منذ ما قبل الإسلام، ففي عام 845 ميلادية قام راغنر لوثربورغ، وهو أعظم مقاتل في ذلك الوقت كما أنه كان ملكاً على الفايكينج، بحصار باريس التي كانت تحت حكم الملك شارل الأصلع، الذي شكل جيشاً لفك الحصار، إلا أنه هزم، وأسر من جيشة 111 عنصراً، تم شنقهم جميعاً بهدف إثارة الرعب في صفوف الجيش الفرنسي. واستمر حصار باريس إلى أن رضخ الملك شارل الأصلع، وقام بدفع جزية تقدّر بـ2750 كلغ من الذهب.
كما أن المشركين في عهد النبي (ص)، قاموا بحصاره في شُعب أبي طالب، بعد أن عجزوا عن ثنيه عن نشر الإسلام، إن ترهيبًا أو ترغيبًا. فحاصروه ومنعوا عنه المأكل والمشرب والملبس، ووقّعوا على عريضة فيما بينهم تقضي بعدم السماح بدخول أي من مقوّمات الحياة إلى كل من آمن برسالته. فاضطر المسلمون أن يقتاتوا من ورق الشجر، وكان أطفالهم يتضورون جوعًا أمام أعين القرشيين، دون أن يهتز لهم جفن. واستمر الحصار مدة ثلاث سنوات، ولم ينفك إلا بمعجزة إلهية.
استخدم الصليبيون أيضًا الحصار في حروببهم، وتحديدًا في العام 1110 ميلادية، وبعد سقوط مدينة طرابلس، شعر الملك بلدوين الأول (وكان ملك بيت المقدس في ذلك الحين) بضرورة الاستيلاء على المدن الساحلية بهدف تأمين حرية الحركة التجارية الأوروبية، فكانت مدينة بيروت أحد أهدافه، فحصارها وضربها بالمناجيق، ورغم بسالة أهالي بيروت في الدفاع عن مدينتهم، وبالرغم من مساعدة الأسطول المصري الذي أرسله الأفضل الفاطمي لمساندة بيروت، إلا أن الحملة الصليبية استطاعت السيطرة على المدينة، ووصلت إلى مدينة صيدا.
أما اليوم، وبعد الكثير من المتغيّرات في تكتيات الحروب وطريقة إدارتها، بقيت فكرة الحصار قائمة ومتبعة، وما نشهده اليوم من حصار على لبنان من قبل الإدارة الأميركية، هو حرب تهدف إلى تحقيق أهداف مشابهة إلى الأهداف التي دفعت كل من الوثنيين والمشكرين والصليبين إلى محاصرة خصومهم دون رحمة أو رأفه.
فقد اتخذت الإدارة الأميركية من حزب الله عدواً لها، وعملت على محاربته منذ نشأته، فخاضت معه عدة حروب مستخدمة ذراعها في الشرق الأوسط، العدو الإسرائيلي، ولكنها فشلت في هزيمته أو القضاء عليه، حتى جاء عام 2000 وكان الانتصار الكبير الذي كسر هيبة الجيش الإسرائيلي ومن خلفه أميركا.
لم تتقبل الإدارة الأميركية هذة الهزيمة، فعمدت، بواسطة الجيش الإسرائيلي، إلى شنّ حرب مدّمرة في العام 2006، بهدف تغير خريطة المنطقة كلياً تحت عنوان إنشاء شرق أوسط جديد، فتلقت هزيمتها الثانية على أيدي مجاهدي حزب الله.
أيقنت الإدارة الأميركية أن الحرب العسكرية لن نجدي نفعاً في ظل وجود من يستطيع الصمود أمام قصف الطيران وقذائف البوارج وزحف الجنود، فلجأت إلى فكرة الحصار، وحارب كل من ظنت أن مساهم في تقديم الدعم أو المساعدة لحزب الله في جميع أنحاء الكرة الأرضية، ثم ومن خلال أصدقائها العرب، وبهدف الضغط الإقتصادي على الشعب اللبناني، قام هؤلاء بسحب ودائعهم وأموالهم من البنوك اللبنانية، كما أنهم منعوا مواطنيهم من التوجّه إلى لبنان، فأدى هذا الإجراء إلى ضرر كبير في القطاع السياحي، ثم عمدت إلى تضيق الخناق أكثر ففرضت على البنوك اللبنانية العديد من الإجراءات التي تهدف إلى حصار كل من تعتقد أن له صله من قريب أو بعيد بحزب الله، وكان قرار إغلاق بنك الجمّال، من أكثر القرارت الدالة على هيمنة الإدارة الأميركية وغطرستها.
لم تكتفِ أميركا بهذة الإجراءات، بل شدّدت الحصار أكثر على الشعب اللبناني بهدف تأليبه على حزب الله، فكان حصارها السبب في انهيار القطاع المصرفي، بمساعدة من بعض أزلامها الذين يلتقون معها على نفس الهدف، وتسبّبت أيضاً في انهيار الليرة مقابل الدولار، ما أدّى إلى خلق العديد من الأزمات، إن على صعيد الدواء أو المحروقات أو المواد الغذائية أو حتى حليب الأطفال، ناهيك عن أنها السبب الأول في مشكلة الكهرباء التي يعاني منها اللبنانيون منذ عقود.
كل هذة الأزمات، وأكثر خلقتها الإدارة الأميركية بهدف تجويع اللبنانيين ليتخلوا عن مقاومتهم ويرمتون في أحضان الأميركي، وعندها تكون أميركا قد كسبت بالحصار ما لم تكسبه بالحروب العسكرية.
إذًا، لطالما كان الحصار هو ديدن الغزاة والمستعمرين، وغالبًا ما كان ينتهي بتحقيق الأهداف المرجوة منه، إلا إذا حصلت معجزة إلهية كما حصل في عهد النبي (ص)، أو كما حصل في لبنان حيث استطاعت ثلة من المجاهدين الرافضين لكل أنواع الظلم، بكسر حصار أعظم الدول المستكبرة في عصرنا، فكان بداية فك هذا الحصار هو استقدام النفط الإيراني ألى لبنان… والآتي أعظم!