عن سرّ الحب..

يتساءل البعض أحياناً عن ماهية العلاقة بين الناس وحزب أو قائد حزب وسر الصلابة في الموقف الثابت تجاهه مهما اشتدت الامتحانات والابتلاءات.

البداية الواضحة في العلاقة بين الناس وحزب الله قديمة منذ نشأة هذا الحزب المقاوم، وقد تجلت أكثر للعالم أجمع في حرب تموز عام ٢٠٠٦، إذ ما الذي يدفع بعجوز تقف على ركام منزلها المدمر لتقول ” فدا إجر المقاومة”، و”فدا إجر السيد” والقصف الإسرائيلي مستمر ولا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الحرب؟ هذه السيدة كانت لسانًا ناطقًا عن كل أصحاب البيوت المدمرة.
كيف يمكن لهذا الاخلاص واليقين أن يتجلى بأبهى صوره في ظل الدمار والدماء؟

هذه المرأة ومن تمثل قد خبروا وسمعوا هذا السيد وهذه المقاومة، وأبناء المقاومة هم أبناؤهم او إخوتهم أو أقاربهم، نشأت بعزم رجالهم وصبر نسائهم وإرادة الحياة لا الموت، والشهادة شرف لمن نالها.
 
أما النوع الآخر من الحب فهو أكثر غرابة، أن ترتبط قلبياً بشخص لم تره ولم تعاصره، ووقع الاسم فقط في القلب يزيد من خفقانه ويرفع من شعور التعلق حتى يكاد المرء يشعر أنه يقف أمام تلك الشخصية العظيمة.

قد يعجب الإنسان بتراثٍ أدبي أو فلسفي، وقد يعتمد أحد القادة التاريخين مثالًا له ويستلهم منه أفكاره ويبني على إرثه قناعة معينة. وهناك بعض الشخصيات لها جذبٌ خاص حتى في ملامحها الشخصية، ويخال الشخص أنه ينظر إليه أو ينشئ حديثًا عن أمرٍ ما، كملامح السيد موسى الصدر المحبة، أو السيد عباس الموسوي الممهورة بالبعد المعنوي والإيماني ويقينه الثابت والراسخ بأمور أبعد بكثير من زمانه، فتشعر كأنه رأى الجنة بعينيه كأصحاب الحسين عليه السلام في كربلاء وهو يروي لأبنائه المقاومين هذه الرواية عن ليلة العاشر وخطاب الحسين لهم.
 
عند ذكر الإمام الحسين نكون قد وقفنا على علاقة الحب الأكثر غرابة. مئات السنين ولا يزال الحسين حاضراً في كل عام، يقام له العزاء وبعده يتدفق السيل المعزي سيرًا على الأقدام لأبي الأحرار في الأربعين، وكأن هناك عهدًا أُخذ في عالم الذر أن يُسار بالقلوب لتهوي إليه كل عام لقاء ما بذل وضحى.
 
هل يوجد في العالم علاقة حبٍ كهذه؟ لا أعتقد، حتى مع أكثر الشخصيات الدينية والمعنوية والفلسفية والروحية.

يحيي المريدون والمحبون ذكرى رحيل قدوتهم ومؤسس نهجهم وطريقتهم أو طائفتهم، لكن لا يشبه أيّ منها ذكرى أربعين الامام الحسين. يسيرون عشرات الكيلو مترات على  الأقدام، من كل البلدان وتحت راية واحدة “يا حسين”، منادين بالتلبية.

إلى عشرين مليون وصل تعداد الزائرين في الأعوام السابقة، في أربعين الإمام الحسين عليه السلام، ما جعل من هذه الذكرى محط أنظار العالم مع تساؤل عن هذا الحب والعلاقة الغريبة التي على عكس المنطق تزداد جيلًا بعد جيل. تُرى لماذا كانت تخيف هذه العلاقة السلاطين في العهد الأموي والعباسي حتى وصل الأمر بالمتوكل لأن يأمر بقطع الأيدي والأرجل لمن يزور الحسين في كربلاء عند كل زيارة، ولم يمنع ذلك من الزيارة ولو بأعداد قليلة؟

مُنعت المجالس العاشورائية حتى في المنازل في عهد الرئيس العراقي صدام حسين، ومنعت زيارة الأربعين وبقي قلة من الناس تمشي وتتخفى حتى تصل إلى كربلاء.
 
لمَ كل هذا الخوف من مقام لامام استشهد في سبيل اعلاء كلمة الحق وحفظاً للدين وكرامة المؤمنين؟ هل لأنه دعا للوقوف بوجه سلطانٍ جائر، أم لأنه علّم الأجيال أن الموت سعادة إذا كانت الحياة مع الظالمين ذلة؟ هل تخيف اليوم هذه الجموع من يعرف أنه ظالمٌ فاجر؟

إن لهذه الزيارة بعدًا آخر يختلف عن طابعها الديني والروحي. بعدها العقائدي السياسي يعطي دروسًا في الفكر لمن أراد الحياة الكريمة ويعلم الشجاعة والصبر في تحمل الشدائد وصولًا لتحقيق الهدف. عندما يقول الامام الخميني إن كل ما لدينا من عاشوراء فهو يقصد معناها الشامل وليس العاطفي فقط، كذلك الأمر عندما يتعلق بزيارة الأربعين والتشديد على مكانتها وأهميتها والتأكيد على استمراريتها حتى أصبحت من علامات المؤمنين وفقًا لحديث منسوب للإمام الحادي عشر عند الشيعة الحسن بن علي العسكري.

من يتابع مشاهد الايثار في خدمة زوار الحسين في العراق، أو من سار على الطريق بين النجف وكربلاء، لا بد من أثر يُترك في قلبه وعقله يدفع للسؤال: ما سر هذا الحب؟ الجواب يجده عند صاحب القلوب المؤتلفة عنده والناظرة بعين الشوق والأمل.

اساسيالامام الحينالعراقزيارة الاربعينعاشوراءكربلاء