التجميل السياسي وإعادة إنتاج الصورة في النسق الغربي

في بنية النسق الغربي الحديث، لا تُفهم السياسة بوصفها إدارةً للواقع فحسب، بل بوصفها إدارةً للرموز والمعاني. فالغرب، في جوهر سياسته، لا يكتفي بإنتاج القوة، بل يسعى إلى احتكار المعنى وتوجيه الإدراك الجمعي للبشر نحو صورةٍ محددة عن ذاته: صورة “المخلّص، المتحضّر، الحامل لقيم الحرية والديمقراطية”.

من هنا تظهر جلية شيطنة الولايات المتحدة في إدارة الصورة الذهنية وفي ممارسة ما يمكن تسميته بـ”التجميل السياسي”. فكلما انكشفت تناقضات النموذج الغربي عبر حروبٍ أو أزماتٍ أخلاقية، يسارع النظام إلى إنتاج رموز جديدة تُعيد الثقة بالنسق دون المساس بجوهره البنيوي. إنها عملية تجديد مستمر للواجهة تضمن استمرارية المركز وهيمنته على الأطراف.

بعد مرحلة جورج بوش، التي مثّلت ذروة العنف العاري للهيمنة الغربية في أفغانستان والعراق، كان لا بد من عملية “تطهير رمزي” تُعيد للنظام الأمريكي وجهه الإنساني، فجاء باراك أوباما: أسود، من أصول مسلمة، يتحدث بلغة “الأمل والتغيير”. لم يكن الأمر مجرد انتخابات ناجحة، بل فعل رمزي محسوب داخل النسق: إعادة تأهيلٍ للصورة وتبرئةٌ للنظام من جرائمه عبر وجهٍ مختلف.

واليوم، يتكرّر المشهد في صعود رموز جديدة مثل زوهران ممداني؛ شخصية مسلمة مهاجرة تُقدَّم كدليل على “التعددية الأمريكية”، لكن جوهر العملية واحد: تجميل البنية دون المساس بها. فالنظام الغربي يُبقي على هندسة القوة والهيمنة ذاتها، لكنه يبدّل الأقنعة التي تُخفي آثارها.

الازدواجية الأخلاقية وتجميل الذاكرة
هذا الغرب الذي قتل الملايين في الحربين العالميتين، ثم جاء بعدهما بـشرعة حقوق الإنسان، كان في الحقيقة يغسل يديه من دماء ضحاياه بخطابٍ إنسانيٍ مصطنع، يحاصر ويجوّع الشعوب، ويقتل الأطفال والخدج ويرميهم بالحمم واللهب، ثم يرسل مساعدات إنسانية وحقائب مدرسية للأطفال في مشهدٍ يُعيد إنتاج النفاق الغربي ذاته. وكلما تمكنت الأمم والمجتمعات المقهورة من كشف المضامين السلبية لواجهات النظام الفكرية، بادر الغرب إلى إنتاج سلع فكرية جديدة تقوم بالدور ذاته الذي أدته الواجهات السابقة:
من “الاستعمار المدني” إلى “التنمية”، ومن “الهيمنة الثقافية” إلى “العولمة”، ومن “حقوق الإنسان” إلى “الحرب على الإرهاب”. الوجوه تتبدل، لكن المعنى يبقى: السيطرة باسم الفضيلة.

أنسنة القوة: جوهر النسق الغربي
الولايات المتحدة، بهذا المعنى، لا تمارس السياسة بوصفها إدارةً للسلطة فقط، بل بوصفها صناعةً للرمز وإعادة إنتاجٍ للخطاب الذي يجعل من هيمنتها “قبولًا أخلاقيًا” في الوعي العالمي. إنها تغسل يديها بالرموز: كلما اتسخت بالدماء، غسلتها بوجهٍ جديد يبتسم للكاميرا باسم “الإنسانية”. إنها استراتيجية النسق الغربي في أنسنة القوة: لا يغيّر ما يفعل، بل يغيّر كيف يبدو وهو يفعله.

الولايات المتحدةزهران ممداني