غزة بين خيانة الوسطاء ووفاء المحور

الغارات لا تزال تتطاول على سماء الله في غزة، والرصاص والقذائف أيضًا لم تتوقف عن اقتحام خيام النازحين، واختراق حتى جثامين الشهداء المكدسة في المشافي التي تتسابق الأرواح فيها إلى العلياء، بينما الأطفال ما زالوا عالقين بين السماء حيث ارتقوا وبين الأرض التي لم يهتزّ ضمير من عليها أمام صرخاتهم الممزوجة بألم القنابل والشظايا والنيران والأحزمة النارية؛ إثر استمرار العدو الصهيوني في استهدافهم رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار.

وليس غريبًا على هذا العدو الوضيع أن يخرق الاتفاق؛ فالغدر ونكث العهود والإرهاب ديدنه منذ القديم، كما أن الصمت الذي أطبق على الوسطاء لا يثير دهشة ولا ذهولًا؛ فالخائن منذ عقود لا يؤتمن، ومن لم يتحرك جيشه بشكل جدّي منذ عام 1948 لن ينصر غزة وشعبها، فإن جيوش الوسطاء والأنظمة العربية في مجملها قد نسي العساكر فيها كيفية إطلاق النار بسبب الهوان والتسليم للعدو والاستغناء عن حمل السلاح لإرضاء قوى حلف الشيطان الأكبر. فكيف يتوقع البعض اليوم من تلك الأنظمة والوسطاء التحرك عقب ارتكاب الاحتلال أكثر من 80 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، والغارات والمسيرات والإبادة منذ عامين لم تُحرك فيهم ساكنًا، كما اغتصاب الأرض والعرض والتشريد والنزوح واللجوء والمجازر الفادحة وتكرار جرائم الإبادة في فلسطين منذ نحو قرن لم يُثير حتى غضبهم! فماذا ننتظر منهم اليوم!

فلا تغركم الإشادة والثناء ونظم أبيات شعر تتغنى بعفّة الوسطاء حتى لتظن من شدة النفاق أنهم أبطال تلك الحكايات، التي إن غصْت في أعماقها ستجد وزنها بخسًا مثقلًا بالخيانة، بينما الضمير والشرف غائبان، بينما تستمر الهرولة إلى العدو، خدمةً لمصالح خفية على حساب الدم الطاهر، أما الانتصار الحقيقي فليس بقافية مزيفة؛ بل حُفر بدماء ومواقف سطرها صمود محور المقاومة الذي لم ولن يساوم.

لا فضل على غزة إلاّ لصمود شعبها ومقاومتها ولجبهات الإسناد من حزب الله في لبنان وأنصاره باليمن إلى حشده في العراق وحرسه الثوري في طهران، فقد سطر محور المقاومة بالدم وحدة الساحات حيث فاحت رائحة أقدس وأجمل مسك من الدماء وهي تمتزج بدم فلسطين لتسطر وحدة لا يبصرها إلاّ شريف ولا يتنكر لها إلاّ كفيف قلب ووجدان.

لقد قدم المحور أغلى رجاله في هذه الحرب وقيادات الصفوف الأولى الذين ارتقوا شهداءً برفقة سماحة السيد الأسمى والأقدس، حسن نصر الله، رضوان الله عليه، الذي لم يتراجع أو يتوانَ عن نصرة غزة وقتال هذا العدو الإرهابي وتدمير كيانه وحرقه كما إيران التي لقنته درسًا لا ينسى وهي تُسدد جزءًا من ثأر سيدنا نصر الله والقادة وغزة والضفة والعراق واليمن التي خاض أنصار الله فيها ملاحم أسطورية في عرض البحر ضد الكيان الغاصب.
فالفضل كل الفضل لمحور المقاومة بشهدائه الأبرار وقادته العظماء وجرحاه الصابرين القابضين على الجمر ورجاله في الميدان الذين يؤيدهم حتى الله بنصره، ولا ثناء إلاّ على ساحاته الطاهرة، وأما أنظمة العربان والوسطاء فسندعهم في طغيانهم وخيانتهم مع العدو يعمهون.

والفضل أيضًا للجرحى في غزة والضفة واليمن وطهران ولبنان، وأخص هنا جرحى البيجر الذين ألهموا أمة بأكملها ثباتًا وإيمانًا لا يقوى عليه ضعفاء النفس، فلو قدمت هذه الأمة العربية بأسرها أعين شعوبها وأيديها للجرحى لما وفتهم حقهم، ويا ليت لو أن العين فينا تُهدى لانتزعتها وقدمتها لهم الآن علّها تنال شرف أن تسكن محياهم الجميل وتبصر نور الحق من طهر جراحهم.

فكيف لأي عاقل اليوم أن يقارن التضحيات الجلية للمقاومة في غزة والضفة ولبنان واليمن وطهران والعراق بتلك الأنظمة المتخاذلة، ولو سلّطنا الضوء قليلًا على الوسطاء سنجدهم غارقين في الخيانة وما ادّعاؤهم الخشية على غزة إلاّ زيف وكذب لإخفاء تطبيعهم مع العدو الصهيوني، فالعلاقات التجارية والدبلوماسية بلغت ذروتها إبان الحرب على غزة بين مصر وتركيا وقطر والكيان الصهيوني، وما شعاراتهم المجلجلة في اجتماعات وقمم الذل إلاّ تغطية لاجتماعاتهم السرية مع العدو كما وساطتهم التي لم تكُن يومًا لحماية أرواح الفلسطينيين بل لحماية الكيان المغتصب.

كما لا ننسى الدور القذر لإعلامهم الممتد عبر التاريخ حتى هذه اللحظة في تضليل العقول وكي الوعي الجمعي وحرف البوصلة، فبرامجهم ومنابرهم ليست سوى أدواتٍ لتلميع الخونة واستديوهاتهم التي مهما بلغت رفاهيتها تظلّ عفنة ومدنسة برجس الأعداء الذين استضافوهم وتبادلوا معهم التحايا والابتسامات؛ تحت غطاء الحياد الذي لا يُفسر هنا إلاّ بأنه خيانة فحشاء للأوطان ودم الشهداء.

علاوة على قيامهم بتشويه محور المقاومة وإن ادّعوا بعض الأحيان أنهم معه جزئيًا، فشيطنتهم للمحور أمر تشهد عليه نشراتهم الإخبارية التي كتبت بذُل الارتزاق، كما سعيهم لجعل العدو صديقًا والتآمر على المقاومة، لا وبل تسليم رجالها وقادتها للعدو حين يُطلب منهم ذلك، وهذا ملف يطول سأتطرق إليه لاحقًا.

وفي النهاية لا يصح إلاّ الصحيح، الفضل يعود لصمود غزة العزة وثبات رجال مقاومتها وإسناد المحور المبارك لها، وليس لأنظمة الذل المتخاذلة من الوسطاء المتواطئين وغيرهم من أنظمة العربان، ولا فضل بالتأكيد لأميركا الشيطان الأكبر التي تخصص دعمًا لإرهاب العدو حتى بموازنتها ولن تنفك عن تزويده بالأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليًا لإبادة غزة وشن عدوان على الضفة وجنوب لبنان واليمن، وعليه لا نصر نرجوه إلاّ من الله ومحور المقاومة.

العراقاليمنغزةفلسطينلبنان