أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية قراراً جديداً بفرض عقوبات ضد 7 من القيادات اليمنية المناهضة للتحالف السعودي الإماراتي الأميركي وفي مقدمتهم رئيس الوفد الوطني المفاوض عن صنعاء والناطق الرسمي لأنصار الله الأستاذ محمد عبدالسلام.
أمام هذا التصعيد الأمريكي الجديد القديم تتضح ملامح المستقبل الذي لا يحمل مؤشرات مبشرة، بل يكشف العكس وهو المزيد من التصعيد والضغط الذي تمارسه واشنطن هذه المرة وجهاً لوجه مع صنعاء خصوصاً بعد عودة الرئيس الامريكي “دونالد ترامب” الذي يحاول تقديم نفسه للشعب الأمريكي إنه المخلص لهم من كل مشاكلهم العالقة ولديه الحلول الأقتصادية لهم من خلال العصى السحرية التي يمتلكها والمتمثلة في عنجهيته والبلطجة التي يمارسها على الآخرين من ملوك ورؤساء دول العالم.
لذلك، فإن القرار الأمريكي ليس وليد اليوم، بل سبقه قرار أكبر وأخطر للإدارة الأمريكية الترامبية الجديدة وهو إعادة تصنيف “حركة أنصار الله” حركة إرهابية، ولم يؤثر أو يحقق إنجاز يُذكر وكذلك هو قرار اليوم ضد السبع الشخصيات القيادية المحسوبة على صنعاء.
في المقابل، لم تسكت صنعاء وتقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد الخطير لذلك ردت بعدة رسائل نستعرضها هنا باختصار.
الرسالة الأولى كانت نارية حيث وجهت صفعة قوية للغطرسة الأمريكية من خلال إسقاط القوات المسلحة اليمنية طائرة مسيرة أميركية “طراز MQ-9” في أجواء محافظة الحديدة الساحلية، حيث أثبتت العملية الجراءة الكبيرة لصنعاء فقد جاءت بعد إعلان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي الإستعداد لإستنئاف العمليات العسكرية اليمنية ضد الكيان لإسناد المقاومة الفلسطينية إذا عاد العدو للعدوان على غزة من جديد، واوصلت القيادة اليمنية رسالتها للبيت الأبيض من خلال العملية إنها في جهوزية كاملة إستعداداً للمواجهة المرتقبة التي سيكون “البحر الأحمر والعربي” ميدانها الرئيسي إن حدثت، لذلك فإن إسقاط المسيرة الأميركية على تخوم سواحل البحر الأحمر في الحديدة يضيف عامل جديد مهم للرسالة النارية من خلال رمزية مكان الإستهداف والإسقاط.
أما على الصعيد السياسي، قد بدأت صنعاء وقيادتها الثورية والسياسية غير مهتمة بالقرار الأمريكي إلى حد إنه لا يستحق حتى التعليق عليه أو الإشارة إليه لا من قريب ولا بعيد بما في ذلك الأشخاص الذين أستهدفهم ولا من أي جهة رسمية أخرى، وهنا يتضح مدى الثقة والجرأة معاً للقيادة اليمنية غير الآبهة بالتهديد والصلف الأمريكي.
في المقابل، فإن التهديد الأمريكي يثير رعب دول وقادتها إن وجه لهم ولو تلميحاً، كما هو حال الدول العربية المشاركة بالأمس في القمة العربية التي انعقدت “لأجل فلسطين” لكنها لم تتجاوز السقف المسموح به من قبل الأمريكي ولم تقدم لفلسطين وشعبها المظلوم شيء سوى الكلام الذي لا يثير غضب الأمريكي والإسرائيلي، حيث بدأ ذلك واضحاً من خلال البيان الختامي الهزيل الذي يساوي بين الضحية والجلاد بالإضافة إلى الإستجداء للأمريكي لأجل تحقيق السلام وكأن الأمريكي طرف ثالث لا شريك أساسي للعدو الإسرائيلي في إبادته الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أمام هذا الهوان العربي للأمريكي والإسرائيلي تأبى صنعاء السكوت والهوان، لذلك جاء ردها على لسان رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن “مهدي المشاط” الذي وجه رسالة للقمة العربية حملت رسائل عدة في مقدمتها الندية وعنفوان العروبة وروح الإسلام العزيزة الكريمة، مؤكداً إن فلسطين ليست قضية الشعب الفلسطيني فقط، بل هي القضية المركزية التي تتمحور حولها كل قضايا الأمة، وهي قضية كل عربي ومسلم وكل جيل، مجدداً ثبات الموقف اليمني بمساندة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة، سواء في غزة أو لبنان أو أي منطقة عربية مستهدفة من قبل الكيان الغاصب، موضحاً إن الخيار الوحيد الذي أثبت فاعليته هو الجهاد والمقاومة، مؤكداً أن الانسحابات الإسرائيلية المهينة من غزة وجنوب لبنان لم تتحقق إلا بالقوة وليس عبر البيانات والمؤتمرات، ودعا الرئيس المشاط إلى رفض أي قرار يسعى للاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على الضفة الغربية، مؤكداً أن المرحلة تتطلب عملاً جاداً لكسر الحصار المفروض على غزة وإعادة إعمارها بأسرع وقت ممكن.
وهنا ووفق المعطيات السابقة يتضح لنا إن الهدف من القرارات الأمريكية السابقة هو الضغط على صنعاء وحشرها في الزاوية مستهدفتاً الإضرار بالوضع الإقتصادي لصنعاء بالمجمل والوضع المعيشي للمواطنين الواقعين تحت سلطتها على وجه الخصوص، عقب الفشل في كبح القوة العسكرية للقوات المسلحة اليمنية، فجاء خيار التصعيد من خلال الخنق الأقتصادي للمناطق الحرة التابعة لصنعاء لمضاعفة الضغط الشعبي وتأليبه ضد سلطة المجلس السياسي الأعلى في العاصمة صنعاء، وتحميله كافة التبعات المترتبة على ذلك وإنه السبب في هذه المعاناة الشعبية من خلال ما قام به من عمليات عسكرية إسنادية لغزة سوى في البحر أو بالإستهداف لعمق الكيان المحتل.
لكن السؤال المطروح الآن هو هل نسي الأمريكي ومن يدور في فلكه من تحالف قوى العدوان السعودي والإماراتي وأدوات الإرتزاق اليمنية ما حدث بالأمس القريب، عندما أوعزت الرياض لأدواتها المحلية في عدن بإتخاذ قرارات نقل البنوك من صنعاء وإلغاء التعامل مع بنوك الأخيرة، فخرج يومها سيد القول والفعل السيد عبدالملك بتحذير شديد اللهجة للمحرك السعودي بالقول له إن هذا الإجراء التصعيدي الخطير سيواجه بالرد المؤلم للمملكة للتراجع الأخيرة عن تصعيدها وتأمر الجهات المعنية التابعة لها في عدن بالتراجع.
لذلك، ستثبت وقائع الميدان من جديد إن القرار الأمريكي متهور خاطئ وغير مجدي، لإن هذا الأسلوب البلطجي المسبوغ بالتهديد والوعيد غير نافع مع القيادة اليمنية الشجاعة والجرئية المتمثلة في قائد ثورة 21 سبتمبر المباركة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، فهو القائد لا يعرف الخوف التسلل إلى قلبه ولا وجود للمستحيل في قاموسه، وإن من يعرف سيرة حياته يعرف تلك الحقيقة، فهو مُذ تولي قيادة حركة أنصار الله في الحرب الثالثة آنذاك على صعدة، لا يعرف إلا حصد الإنتصارات، ولم يهزم قط.
بل إنه صنع من عشرات الرجال الذين تولى قيادتهم قبل نحو عقدين من الزمن “دولة بحجم الجمهورية اليمنية”، تمتلك قوة عسكرية وأمنية وإستخباراتية محورية في المنطقة والإقليم اليوم، تلعب دوراً هاماً في تشكيل المنطقة العربية والإسلامية المختلف بعد طوفان الأقصى المبارك في السابع من أكتوبر المجيد، وتستند تلك القوة على قاعدة شعبية وجماهيرية كبيرة وواسعة.
وعليه، فإن على صانع القرار الأمريكي إن يعرف بإن قراراته التي تستهدف الإقتصاد الوطني اليمني عدوانية جائرة بإستهدافها أكثر من 30 مليون يمني، وإنها ستواجه بالقوة وبكافة الوسائل المتاحة وإن تبعاتها وخيمة عليه، وهو من يتحمل التداعيات الخطيرة التي سيكون الإقتصاد الأمريكي في مقدمتها، لإن الرد اليمني سيكون مماثل، وغير متوقع بحكم الأوراق الهامة التي لا تزال تمسك بها صنعاء وإستخدامها سيشكل صفعات مؤلمة، لإن أمام “رغيف الخبز” الممنوع بالحصار والخنق الإقتصادي تبرز “الطائرة المسيرة” و “الصواريخ الباليستية والفرط صوتي” كردة فعل فعالة لإنتزاع حقوق شعب في حياة كريمة، بعد عقد من العدوان والحصار والتجويع الممنهج والتدمير المتعمد للبنية التحتية المتواضعة له.
لذلك، ما يجب على صنعاء اليوم هو الإستنفار بكل الإمكانيات المتاحة والجهود المتوفرة لمواجهة المخطط العدواني الذي يستهدف كل اليمنيين، ويسعى إلى إفقار الشعب، ومضاعفة معاناته، وتوجيه كل سخطه ونقمته نحو بعضه البعض، المهم إن واشنطن والرياض بعيد عن النتائج والتبعات الكارثية المدمرة.
ولنا أصدق شاهد على المخطط المستقبلي الثلاث السنوات الماضية من بعد إعلان مرحلة خفض التصعيد بعد منتصف العام 2022 والتوقف عن تجديد فترة الهدنة آنذاك، حيث ظل السعودي ومن خلفه الأمريكي يماطل ويفتعل العراقيل تلو الأخرى حتى اليوم، بينما كل يوم يمضي على صنعاء يضاعف من معاناة المواطنين الواقعين تحت سلطتها ويزيد السخط عليها وتجد الدعاية الكاذبة للآلة الإعلامية الضخمة لقوى العدوان أسماع صاغية لها.
لم يعد هناك متسع من الوقت لدى السلطة في صنعاء للمناورة والصبر والإنتظار أكثر فالحالة المعيشية للشعب صعبة، وتنفيذ القرار الأمريكي الجديد سيضاعف المعاناة إلى الحد الذي لا يطاق، وعليه، يجب إن يكون الرد رادع جداً على العدو الأمريكي، وإن يتم إيصال الرسالة للمملكة أيضاً إن إستمرار هذا الوضع القائم غير مُمكن إن تعيش الرياض الإستقرار والإزدهار وصنعاء تعاني الجوع والحرمان، وإن التهاون في هذا الشأن سيوصل الشعب اليمني إلى التصديق للدعاية المعادية التي تروج للقول إن “سلطة صنعاء مشغولة بالدافع عن الشعوب الأخرى بينما شعبها يعاني الجوع والحرمان وهي لا تلتفت له ولا لمعاناته”، ومن هذا المنطلق الإنساني والوطني فإن مواجهة المخطط الأمريكي السعودي الجديد يعد تتويج للنضال الوطني الذي بدأ في 26 مارس 2015 في مواجهة العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي، أما محاولة الصبر أكثر والرهان على عامل الوقت فإن النتيجة ستكون عكسية مؤلمة لصنعاء الصامدة على مدى 10 سنوات.