“صفنة” ميقاتي تنافس دموع السنيورة!

“عند الامتحان، يُكرم المرء أو يُهان”، والحرب امتحان مواده الأساسية السيادة والرجولة والأخلاق. وربّما أجمل ما في هذا الامتحان، أنه قبل انتهائه، يمكن للناس الاطلاع على نتائج وعلامات امتحانهم، ويا لهول علامات الميقاتي!

ليس متوقّعًا من الحكومة اللبنانية، بل وليس مطلوبًا منها، أن تعلن الحرب أو تخوضها. وحكمًا لا ينتظر أحد من نجيب ميقاتي، رئيسها، أن يرتدي جعبة ويمضي إلى الجبهة مدافعًا عن شرف البلد وسيادته. ولكن من موقعه، وجب أن يتظاهر على الأقل باتّخاذ موقف سياديّ ولو “على عيون الناس”، فالتاريخ قاس جدًا في محاكمة من حضر في زمان الحرب، وتخاذل. وإن لم يُعلمه أحد بذلك، وجب أن يتخذ من “شاي فتفت” عبرة ومن قبلات السنيورة على وجنتي رايس الملطختين بدمنا، ليعرف أن انقضاء الزمن لا يُسقط العار.. ولا عار يضاهي بقبحه أن تتّخذ منصبًا، وتخفي، حين يتطلب الوضع رجالًا، وجهك في رمال تعليمات السفارة، فلا نراه إلّا حين بلغه كلام مغلوط، بعمد أو بغير عمد، عن لسان السيد محمد باقر قاليباف، أي عن لسان الجمهورية الإسلامية في إيران.

من زاوية ما، من المؤسف أن ظهر “رئيس حكومة البلاد” في موقف محرج وسخيف لعدة مرّات متتالية، فلا أحد يحبّ أن يرى “رجلًا” يمثّل بلدًا يؤرق العالم ويمتلك أن يحدّث الدنيا كلّها مستقويًا بمقاومة تكتب الشرف بدمها وبالخط العريض، في موقف الرجل المسحوق الضعيف الذي لا يمتلك أن ينطق حرفًا سياديًا واحدًا، والعاجز حتّى عن الطلب إلى “سفيرة” تعربد في بلاده أن تلتزم الصمت قليلًا كي لا تمعن في إحراجه.

في مساء الرابع عشر من الشهر الجاري، قال نجيب ميقاتي إنّه حصل على ضمانات أميركية بخفض التصعيد في بيروت وضاحيتها الجنوبية.. بدا سعيدًا كمن أحضر “الذيب من ذيله”، وفخورًا بإنجاز لمحاسن الصدف لم يأخذه أحد على محمل الجدّ وإلّا لكنّا شهدنا مجزرة حقيقية، إذ استهدف العدوّ أحياء الضاحية الجنوبية في صبيحة الخامس عشر من الشهر، أي فقط بعد ساعات من الضمانات التي حملها ميقاتي مبتهجًا.

وفي موقف آخر، وقفت السفيرة الأميركية ليزا جونسون، شمطاء عوكر الجديدة، لتصرّح للعالم أن يتجهّز “لمرحلة ما بعد حزب الله”، وفي العرف الديبلوماسي ولو الصوري، وجب أن يقوم رئيس الحكومة، بالطلب إلى وزير الخارجية استدعاء السفيرة التي نطقت بما يمسّ بمكوّن أساسي في البلد. لكن بدا أنّ الانتهاكات الأميركية لا تستثير حساسية السياديين ولا تسبّب لهم أيّة أعراض استنكارية. “لبَد” ميقاتي على قلّة احترامه العلانية، بل ومن الممكن أن يكون قد شكر السفيرة على تدخّلها هذا، ودعا لها بالتوفيق في حسن إدارة فرقها العاملة على خراب البلد ونام بعدها قرير العين حتّى رنّ منبّه ينبئه أن إيران تفاوض فرنسا باسم اللبنانيين على تطبيق القرار ١٧٠١. ارتدى على عجل بزة السيادة اللبنانية، وهبّ مدافعًا، مهاجمًا، كرّارًا لا يفرّ في مواجهة “إيران”، مطالبًا باستدعاء السفير الإيراني في بيروت على عجل وتأنيبه. ولشدّة استعجاله، لم ينتبه لضرورة التأكد من دقّة ما نُقل إليه، لينتهي اليوم عليه في مشهد مثير للشفقة، إذ لا يثير الشفقة شيء بقدر أن يستنفر المرء ويكشّر عن أنياب سيادته ثمّ يكتشف أن الإنذار كان مغلوطًا، وأنّه لقصور ما، لم يفهم المحتوى المنقول عن السيد قاليباف أو أن أحدهم “استلمه” وترجم له ترجمة خاطئة!

بكل الأحوال، يودّ المرء أن يشجب هذه المواقف المهينة التي يصرّ رئيس الحكومة على وضع نفسه فيها، ولكن صوت العقل يكرّر “لي من ايدو، الله يزيدو”!

اساسينجيب ميقاتي